بقلم : سوزان قسطندي
ذات اليوم ركبت مترو الأنفاق.. بحثت عن مكان للجلوس بين عدة أماكن شاغرة.. فوجدت مكاناً بركن العربة، بجوار شيخ إسلامى.. كان الشيخ ذو لحية طويلة ويرتدى الجبة والقفطان وعمامة على رأسه.. جلست بجواره راضية مرضية قائلة فى نفسى: "كثرة الأيام تُظهِر حكمة"..
وحرصاً منى على عدم إهدار الوقت، فقد أخرجت مفكرتى الصغيرة لأسترجع بذاكرتى ما سبق ودوّنت بها.. وكان على غلاف المفكِّرة صورة دينية مسيحية..
لاحظت أن الشيخ أخذ ينظر إلىّ ويتمم بكلمات مثل "أستغفر الله العلى العظيم من كل ذنب عظيم" !!
فتساءلت مع نفسى: "هل يقصدنى أنا بتلك العبارات ؟! هل صرت له ذنب عظيم ؟! ولماذا ؟!"
لم أكن أنطق بكلمة واحدة ؟!
فهل مجرد رؤية صورة دينية مسيحية قد أثارت إستنكاره ؟! أو هل مجرد رؤية إمرأة مسيحية (سافرة) قد أثار إستنفاره ؟!
فى حين أن إذاعة القرآن كانت تملأ أرجاء العربة منذ أن ركبت- وكأن المرء قد دخل جامعاً وليس وسيلة مواصلات عامة !!
فهل كثير علينا أن نقرأ ما نريد فى صمت- بينما نسمع ما لا نريد بالفرض ؟!
ما علينا ..
لم يكتفى الشيخ بمجرد إشعارى بالإستنفار، بل زاد بفعل قبيح !! لقد وضع قدماً فوق الأخرى موجِّهاً إياها لأعلى- إلى وجهى !! وظل ينظر إلى نعل حذائه وإلىّ !! فوصلتنى رسالته واضحه- بالبلدى: "جزمة قديمة وسخة فى وجه مسيحية كافرة" !!
لم أمتلك نفسى وقد امتُهِنَت كرامتى-ولا سيما كرامة ديانتى ؟!فأبدت دواخلى حالة الإستعداد والتأهب القصوى !!
وعلى الفور أدخلت مفكرتى فى حقيبتى.. ورفعت رأسى بعزِّة.. ووضعت قدماً فوق الأخرى فى شيم وإباء- ولكن بما يناسب أدبياتى، بحيث وجهت حذائى إلى أسفل إلى الأرض.. وأخذت أدق على الأرض بقدمى الثابتة بحركات منتظمة- كدقات الطبول معلِنة حالة الحرب !! لقد بدأ عدو بالهجوم.. ووجب علىّ الدفاع !!
كان الحوار بيننا صامتاً.. ولكنه كان واضحاً !!
وماذا بعد ؟؟
لم يستمر هذا الوضع كثيرا، فقد ركب المترو شيخان آخران وجلس أحدهما بجوار الشيخ المتطرف والآخر مقابله.. وفى أول الأمر أنزل شيخنا المغوار قدمه- إحتراماً لهما على ما يبدو، أو ربما لإشعارى بالدونية عند عقد المقارنة !! وهكذا فسرعان ما أعاد رفع قدمه موجِّهاً حذائه لأعلى فى وجهى مرة أخرى !! ولكن هذا الفعل المستفزّ قد أثار استياء الشيخ الذى جلس مقابله -فقد بدوَا الأخيران معتدلين- حتى أنه أشار إليه عدة مرات لينزِل قدمه !! وإذ تجاهل شيخنا المغوار إشارات شيخنا المعتدل، مد الأخير يده واضعاً إياها على ساق الأول حاثاً إياه بشدة على خفضها إلى الأرض !! فانفلتت أعصاب المغوار لافتضاح حقيقته المتطرفة أمام الإعتدال، وبحركة غاضبة أشاح بيده للشيخ المعتدل- ولكن بدون أن ينطق ببنت كلمة !! إلا أنه فى حركة فجائية قام من على كرسيه ونزل من المترو عندما فتح أبوابه مع قدوم أول محطة عقب فشل الغزوة !!
وعندها أنزلت قدمى.. أخفضتها بمساواة الأخرى رغم أنها كانت موجهة إلى الأرض دونما أية إساءة لأحد.. إحتراماً للإعتدال وإعلاءاً للحق ورفعاً لراية السلام.
ومن ملك السلام نطلب السلام ليحل بسلامه فى قلوب المصريين. |