بقلم: مادلين نادر
دائمًا ما تحاول وسائل الإعلام المسموعة والمرئية كل عام، وأثناء الاحتفال بعيد الأم، تقديم احتفالات وبرامج وموضوعات تتعلق بهذه المناسبة، ولكن كم كان شيقا أن أقرأ في عيد الأم عن أول أم مثالية يتم تكريمها في مصر عام 1956، وهي سيدة من المنصورة تدعى "زينب حسن الرفاعي"، وكانت آنذاك في الخامسة والخمسين من عمرها، ولديها من الأبناء ٣ أولاد و٩ بنات، ومن الأحفاد ٢٨ حفيدًا،
ومع أنها لا تقرأ ولا تكتب، إلا أنها أصرت هي وزوجها الشيخ إبراهيم الكرداوي، المدرس بالتربية والتعليم، على تعليم كل بناتها وأولادها، وأن يعملوا جميعًا بعد استكمال تعليمهم، شبابًا وبنات، كما تسلمت بعض بناتها العمل في محافظات بعيدة.
وكان أجمل ما لفت انتباهي في قصة كفاح هذه السيدة، عرض بعض التفاصيل الحياتية لهذه العائلة التي عاشت في خمسينات القرن الماضي، والتي للأسف تجعلنا نشعر بأننا نسير للوراء بخطواتٍ سريعة، فلقد كانت هذه الأسرة من الطبقة المتوسطة، وبالرغم من أن الأب كان أزهريًا، والأم لا تستطيع القراءة والكتابة، إلا أنهم اهتموا بتعليم وعمل أبنائهم جميعًا، دون تمييز بين الأولاد والبنات، كما كانوا يحاولون قدر المستطاع تشجيعهم على تذوق والاستمتاع بالفنون الرفيعة مثل العزف على بعض الآلات الموسيقية والرسم .... إلخ.. كما لم يكن كلٌّ من الأم أو الأب الأزهري يتدخل بأي شكل في فرض زي معين على بناتهم أو سلوك معين على أبنائهم بشكل عام، فلم يُجبروا أحدًا على شيء.. وظهر ذلك جليًا في الصورة التي التقطتها مجلة "المصور" لهذه الأسرة عند تكريم الأم زينب في الخمسينات من القرن الماضي في العدد رقم 1640 الصادر في 16 مارس 1956، حيث ظهرت البنات في الصورة يرتدين الفساتين والملابس الجذابة والبسيطة.
ولكن يبدو أن هناك تغيرًا كبيرًا في مجتمعنا يظهر بوضوح في صورة لأحفاد هذه العائلة، حيث إننا لا نكاد نعثر بين أكثر من 300 امرأة وفتاة إلا على واحدة أو اثنتين على الأكثر غير محجبات!!..
حينما قرأت عن زينب أول أم مثالية في الخمسينات، كنت أشعر أنني أشاهد لوحة جميلة متكاملة الجوانب، خاصة وأن الأب كان أزهريًا، ولم يعنِ ذلك أي نوع من التمييز ضد الفتيات في أسرته، أو فرض زي معين عليهن، أو منعهن من ممارسة أي هواية، أو منعهن من العمل، حتى وإن كان في محافظات بعيدة، فهو فكر مستنير ما إحوجنا إليه في وقتنا الحالي.. بدلاً من الالتزام ببعض الشكليات التي باتت تبعدنا عن إحراز أي تقدم في حياتنا، فأصبحنا نفكر في المقام الأول فيما نرتدي، وهل نتحدث إلى زملائنا الرجال في العمل أم لا.. إلخ، بدلاً من أن نهتم في المقام الأول بعملنا وعلمنا. |