بقلم: أماني موسى
قبل أن أخط تلك السطور والتي قد يعتبرها البعض أنها حدث شخصي وليس شأن مصري يناقش قضية من قضايا مجتمعنا الغير منتهية بل سننتهي نحن وستبقى هي، أحاول أن ألخص حياة شخص مكونة من 24 ربيع انتهت في لحظة بسبب إهمال وانعدام ضمير في بلد لا تحترم آدمية الإنسان.
البداية كانت حين رأيتها في أولى سنواتي الدراسية بالجامعة، وكانت إحدى الفتيات المميزات بين جميع الحاضرين حيث وجهها البشوش الذي لا تفارقه البسمة حتى في أصعب الأوقات فلا أتذكر يوماً واحداً رأيت وجهها عابث، وكذا إقبالها على الحياة بحب وفرح فكانت تشع بالحياة والأمل أينما وُجدت.
وكانت تستعد في هذه الأيام لحفل زفافها وتجهز استعدادات فرحها من مشتروات وتجهيزات أخرى وبينما هي عائدة لمنزلها أمس الأول وتهم بعبور الرصيف صرعتها سيارة وفر سائقها مسرعاً غير مبالي بما فعله كما لو أنه داس حشرة أو ورقة بطريقه، فأطاح بها على بعد ما يقرب من خمسة كيلو مترات وظلت ملقاة على الأرض في منتصف الطريق تنزف دمائها في غزارة وكأن دمائها قد شعرت بعدم قدرتها على النطق لطلب النجدة فكانت تتساقط بغزارة لتصرخ للمارة بإغاثتها واستدارج عطفهم ورحمتهم ولكن للأسف الشديد لم يبالي أحد ولم يهتم أحد لنجدتها وكأننا فقدنا كل معاني الرحمة والإنسانية، وظلت ملقاة على الأرض ما يقرب من أربع ساعات كانت قد نزفت خلالهم كل دمائها إلى أن أتى أحد المارة وتبرع بأخذها للمشفى على أمل أن ينقذها، وحين ذهب بها للعديد من المستشفيات قاموا برفض قبول الحالة باعتبارها خطيرة وعلى مشارف الموت، إلى أن قبلت بها إحدى مستشفيات الدمرداش وبالطبع بعد تعرضه للمساءلة القانونية التي تتم دوماً في مثل هذه الحالات.
ولكنَّ القدر لم يمهلها لتتمم فرحها وسارع بأخذ روحها لتودعنا جميعاً في مشهد مأساوي كئيب لن أنساه طوال حياتي، ودعتنا ورحلت لعالم الراحة والهناء وتركت أم مكلومة وإخوة تنزف قلوبهم لفراقها وأصدقاء مجروحين، وخطيب مزّق الألم قلبه.
رحلت "ماري" وسكن جسدها للأبد ونعمت روحها بالسماء، ونعرف جيداً أن الموت هو أمر واقع لابد وأن نذوق جميعاً من كأسه شئنا أو أبيّنا، ولكن المشكلة الحقيقية ليست في الموت بل في انتزاع الحياة من الإنسان من الزهور دون مبالاة أو أدنى اهتمام، دون رادع أو عقاب لشخص متهور أضاع حياة إنسان بأقل من اللحظة!!!!
وهذا الحادث إنما يدل على ما وصل إليه المصري العظيم من إهمال ولا مبالاة لا مثيل لها –بدءاً من السائق الأحمق الذي أودىَ بحياتها مروراً بالناس الذين افتقدوا لكل معاني الإنسانية وليس انتهاءاً بالقوانين التي لم تعاقب أمثال أؤلئك القتلة- وهذا الحادث خير دليل على ما يقال عن المصري وما يحمله في قلبه من رحمة غير متواجدة في قلوب كل شعوب العالم فالمصري معروف بكرمه وشهامته وأخلاقه بلا شك!!!
والواقع أن الحجر كان أرحم ممن يتسمون بشر والذين تركوها تصارع الموت بين الطرقات فيدققون النظر إليها وكأنها لوحة للعرض ثم يكتفون بقول (لا حول الله وسكسكة أفواههم وتركها هكذا ثم يكملون المسير) فأحتوى الحجر جسدها الصغير بين طياته في حنو ورفق لتنعم في أحضانه بالراحة الأبدية وليقول للبشر: حاولوا أن تتعلموا مني الرحمة!!
بالنهاية لا أجد من الكلمات ما يعبر عمّا بداخلي من حزن على فقدانها وكذا على فقدان معاني وقيم غابت عن مجتمعنا، وقد تعلمتها دوماً أنه حينما يعجز القلم عن التعبير فهناك مشاعر بداخلك أعمق وأقوى من أن تُكتَب أو أن تحدها صفحات وتحصرها سطور.
فهل سنفيق قبل فوات الأوان وقبل أن يصبح لدينا "ماري" جديدة في كل بيت في ظل غياب ضمير وقانون رادع؟!! |