بقلم : شريف منصور
يحسب البعض أن فكرة البرلمان القبطي فكرة سببها تدهور الأوضاع في مصر تجاه الشعب القبطي على أرض وطنه فحسب.
من وجهة نظرنا أن البرلمان القبطي ضرورة تهدف إلي الحفاظ على استمرارية وجود الشعب القبطي كشعب بغض النظر عن مكان تواجد أفراده.
تاريخ الشعب القبطي و مميزاته وملامحه تجعل منه شعبًا مميزًا، وله خصوصياته التي تخصه وحده وهذه الخصائص ممتدة ومكتسبة عبر قرون من المعاناة. وكل هذه المعانات مدونة و موثقة في كتب التاريخ، ومن أكثر من مصدر. خصائص الشعب القبطي لا تعد ولا تحصر، ومع كل هذه الخصائص لا نري إلا خاصية واحدة من أهم هذه الخصائص . أما بقية الخصائص لا تظهر للعالم إلا في صورة شعب مصر المسيحي الأرثوذكسي المضطهد.
وجود الشعب القبطي إلى يومنا هذا يعد معجزة من معجزات البقاء. فعلى الرغم من الاضطهادات العظيمة التي مر ويمر بها الشعب القبطي على مر العصور إلي يومنا هذا، فمازال باقيًا. بل الفترة الحالية تعد من أزهى عصور الشعب القبطي في كل شيء.
بالمقياس العالمي لحقوق الإنسان اليوم وبالمقارنة بالاضطهادات التي مر بها، الفترة الحالية تعد من أقسى وأعنف فترات الاضطهاد التي يمكن أن يمر بها شعب متحضر مسالم محب لوطنه كما الشعب القبطي، فهذا الشعب استمر في الوجود وتأصلت فيه روح تحمل الألم. وهذا دليل صحة النظرية التي تقول البقاء للأصلح.
الشعب القبطي شعب قوي، شعب صلب، جذوره قوية توجتها العقيدة الأرثوذكسية وزخرف حذافيرها جهاد واستشهاد الأقباط عبر التاريخ.
ومن أهم المؤثرات التي جعلت من الشعب القبطي شعبًا قويًا، هو الاحتلال العربي لمصر، ومنذ الاحتلال عمل العرب على حصر الأقباط في مفهوم ديني هدفه نزع روح الوطنية المصرية عنهم، وفرضوا على هذا الشعب أن لا يكون له شخصية وطنية مصرية شاملة، و حصروه وحاصروه في فكرة أنه أقل ودون المستوى لأنه يدين بالمسيحية. ومن حاول من الأقباط المناداة بإحياء الجذور المصرية الوطنية بعيدًا عن الدين أو اللغة العربية يتهم فورًا بالخيانة للوطن. لأنه ومن وجهة نظر المحتل العربي أنه يطالب بتغيير "عربنة" مصر و الرجوع بها إلى عصر ما قبل الاحتلال العربي.
فمن يطالب بوجود قبطي على أرض الأقباط يتهمه المحتلون العرب بخيانة الوطن. وكأن العرب المحتلون أصبحوا مصريين، من يخالفهم يتهم بالخيانة و كأن الأنظمة الحاكمة على مر عصور الاحتلال العربي أصبحت مصر.
ولهذا عبر العصور نرى الفئران الجبانة المسميين بأقباط النظام، تأخذ من المراكز ما يطوقون ويقوضون به روح مصر الوطنية، ويستخدمهم المحتلون العرب بالتالي في تخوين و اتهام من يطالب بإحياء الوطنية القبطية، ويصفونهم بأنهم أعداءً لمصر. ولم يكتفِ النظام الحالي و الممتد منذ انقلاب العسكر عام 1952 بتهجير الأقباط من موطنهم بل ذهب وراءهم في بلاد المهجر يتهمهم بالخيانة في محاولة يائسة أن يصلح ما تسببوا فيه بتهجير الأقباط. ونسي المحتل العربي أن الأقباط هم مصر ومصر هي الأقباط.
الأقباط هم امتداد مصر كحضارة و استمرارية مصر ممتدة في أبنائها الأقباط الذين يدينون بالولاء لوطنهم وأرضهم حتى وهم يعيشون في أرض الغربة.
وكما شاهدنا و نشاهد عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، أن المستعمر العربي مازال يبث سموم التفرقة بين المصريين على أساس ديني، فنرى تراجع وانحصار افتخار المواطن القبطي بعراقته وحضارته خوفًا من اتهامه بخيانة وطنه.
في حين أن القبطي الأصيل هو الذي يحب وطنه و لأنه لا يعرف غير مصر وطن، ولا يعلي شأن كيان أو دولة فوق هذا الكيان.
لم ولن يقتنع القبطي بالقومية العربية ولن يقتنع القبطي بأية قومية غير القومية المصرية على أرض مصر. ولن يتحد القبطي بأي نوع من أنواع القوميات الأقل مستوى من حضارته.
ينادي بعض المتحمسين من النشطاء الأقباط في داخل أو خارج مصر، بتكوين هذا البرلمان أو هذا الكونجرس لدحض التعديات اليومية المستمرة على الشعب القبطي وزيادة كم الحوادث اليومية في مصر.
ولكنني اعتقد أن فكرة تكوين هذا البرلمان يجب أن تتخطي الوقتية و المسبب الحالي. لأن دوام الحال من المحال، و البرلمان يجب أن يكون أداة الشعب القبطي للحفاظ على وجوده كشعب. البرلمان هو حجر الزاوية في حصر الخوف وإنماء روح الوطنية في قلب الشعب القبطي، وعودة روح الحضارة الفرعونية و امتدادها في الشعب القبطي إلى الأبد بتمثيل سياسي ديمقراطي حقيقي، بعيدًا عن السياسة في الدين والدين في السياسة
ولهذا نري أن البرلمان القبطي ضرورة وضرورة مُلِّحة جدًا لبقائنا كشعب عريق
|