بقلم: د.عبدالخالق حسين
يحتفل شعبنا في 9 نيسان (أبريل) من هذا العام 2009، ومعه أصدقائه في العالم المتحضر والمفكرون الليبراليون وكل القوى الخيرة المحبة للإنسانية والحضارة والحداثة والحرية والديمقراطية، بالذكرى السنوية السادسة لسقوط أشرس وأبشع نظام همجي فاشي متخلف عرفته البشرية في التاريخ، سقوط "جمهورية الخوف" والذي عانى منه الشعب العراقي على مدى أربعين عاماً عجافاً أشد المعاناة. نظام قام بإحياء أسوأ موروث بدوي متخلف مضافاً إليه أسوأ ما أنتجته الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية، ليصنع منه مزيجاً هجيناً فجاً أسماه بأيديولوجية البعث العربي الاشتراكي، وطبقها بأشرس وأخس الوسائل القمعية، بل وبز كل الوسائل الهمجية في تطبيق هذه الأيديولوجية الشريرة المعادية لجميع الأعراف والقيم الإنسانية. إن ما عملته الفاشية البعثية بالشعب العراقي خاصة وشعوب المنطقة عامة، لم تفعله أية فاشية أو حركة عنصرية بغيضة أخرى في التاريخ.
كما ونؤكد في هذه المناسبة المباركة أن بغداد لم تسقط كما يردد أعداء الحرية، بل سقطت الفاشية البعثية ومعها رمزها الصنم البعثي (تمثال صدام حسين) في ساحة الفردوس، أما بغداد فقد نهضت مجدداً من تحت ركام قرون من التخلف والقهر والاستلاب، لتحمل مشعل الديمقراطية والحداثة وقيم الحضارة الحديثة، ولتكون نموذجاً لهذه القيم كي تقتدي بها شعوب المنطقة، ولتعيد مجدها وتلعب دورها التاريخي الحضاري في المنطقة والعالم.
إن صنم صدام في ساحة الفردوس في قلب بغداد، كان عبارة عن رمز الاستبداد العربي والفاشية العربية، وسقوط هذا الصنم كان المؤشر لتدشين عصر جديد، وبداية لسقوط الفاشية العربية في المنطقة، لذلك أصيبت الأنظمة المستبدة في المنطقة بالرعب والهلع، خوفاً على سلطتها وأن يصلها الدور. وقد شاهدنا على شاشات التلفزة مناظر البهجة والفرح عمت جماهير شعبنا في جميع أنحاء العراق، بإعلان فرحتها بالتحرير والتعبير عن غضبها ضد البعث الساقط، ما عدا فلول البعث من أيتام صدام حسين الذين اختفوا في أول الأمر في جحورهم كالجرذان المذعورة، وليستغلوا فيما بعد رحابة صدر شعبنا وسماحة الديمقراطية التي طبقت خطأ باستعجال ودون تمهيد، ليخرجوا من مخابئهم وينتقموا من شعبنا بإرهابهم بكل خسة ودناءة.
أقول هذا وأنا واثق من أن هذا الكلام لا يعجب البعض من الذين أدمنوا على ذل العبودية البعثية والاستبداد العربي، لأن حتى العبودية تسبب الإدمان لدى البعض من البشر. فهناك قطاع من الناس في المنطقة، أدمنوا على الذل والخنوع، واستساغوا العبودية فيرفضون التحرر، إنهم أشبه بالديدان التي لا تعيش إلا في المستنقعات الآسنة، والخفافيش التي لا تستطيع العيش إلا في الظلام الدامس،لا تقوى على مواجهة أشعة شمس الحرية. فالذين يشتموننا ويناهضون الديمقراطية في العراق ويعملون على إجهاضها، يفضلون جلاداً عراقياً وحكماً جائراً على حكم ديمقراطي حضاري عادل لأنه جاء بمساعدة الأجنبي. أما نحن فنفضل النظام الديمقراطي العادل حتى ولو جاء بمساعدة الأجنبي، على حكم جائر داخلي، فـ"العدل أساس الملك".
نعم، كيف لا نتوقع الشتائم ضدنا من مرتزقة البعث ومثقفي كوبونات النفط الذين أغدق عليهم الجلاد صدام حسين بالسحت الحرام من أموال الشعب العراقي؟ ماذا نتوقع من كتاب وصحفيين ومحامين عرب بنى لهم صدام أحياءً سكنية وأهداهم سيارات لم يحلموا بها في حياتهم بعد أن كانوا حفاة مدقعين؟ ماذا نتوقع من عائلة فلسطينية فقيرة كان صدام يدفع لها ثلاثين ألف دولار مقابل كل انتحاري من أبنائها يفجر نفسه لقتل مدنيين إسرائيليين من أجل تعطيل حل الصراع العربي- الإسرائيلي سلمياً؟ ماذا نتوقع من مجتمع فيه 60% من نسائه و50% من رجاله غارقين في ظلام الأمية الأبجدية، و90% منهم يعانون من الأمية الثقافية تشويه الوعي؟
فهناك دراسات جرت في الأردن كشفت عن نتائج مخجلة. إذ تفيد الأرقام أن 77% من الأردنيين يخشون انتقاد الحكومة علناً، و60% من الأردنيين يؤيدون تنظيم القاعدة، و87% من نساء الأردن يؤيدن ضرب الزوج لزوجته. هذه حالة الأردن، البلد الذي يعتقد أن شعبه يتمتع بهامش من الديمقراطية والحرية، فماذا عن الشعوب العربية الأخرى المبتلية بالأنظمة المتخلفة المستبدة مثل النظام الليبي والسوري والسعودي؟
أيها السادة إن هكذا مجتمع لا بد وأنه مجتمع مريض يحتاج إلى علاج سريع. وعندما لم يكن العلاج متوفراً محلياً، فلابد من الاستعانة بالخارج لإنقاذه من هذا المرض العضال. فالأغنياء العرب وحكامهم يذهبون إلى الخارج وتحديداً بريطانيا وأمريكا بحثاً عن العلاج إذا ما أصيبوا بمرض ما. فلماذا يرفضون معالجة مجتمعاتهم المريضة بأكملها من قبل الغرب عندما يعجزون هم عن معالجة شعوبهم من هذه الأمراض الاجتماعية والسياسية؟ ففي عصرنا هذا يعتبر التخلف والاستبداد من أبشع الأمراض المتفشية في منطقتنا والتي تستدعي إلى التدخل السريع للعلاج وإنقاذ المريض، بل إن الأمراض السياسية والاجتماعية هي سبب جميع الأمراض البدنية والعقلية والأخلاقية.
راح البعض يستنكر تحرير شعبنا بمساعدة التحالف الدولي بقيادة أمريكا بحجة أنه كان على الشعب العراقي أن يحرر نفسه بنفسه. لقد نسي هؤلاء أن الشعب العراقي قد حاول عدة مرات للتحرر، وفي جميعها فشل بسبب شراسة القمع واستعداد النظام الجائر إبادة كل الشعب في سبيل الحفاظ على حكمه، فقوبلت هذه الانتفاضات بالمقابر الجماعية والسجن والتعذيب والتشريد. كما ونسي هؤلاء أننا نعيش في عصر العولمة، نعم العولمة التي مجرد ذكرها يقض مضاجعهم، ويثير فيهم الرعب والهلع لأنها تعمل على التقارب بين الشعوب والتعاون فيما بينها. فالعولمة هي نتاج الثورة المعلوماتية والتكنولوجية المتطورة والاتصالات السريعة التي حولت العالم إلى قرية كونية صغيرة. لذلك فقد أصبحت مصالح العالم متشابكة ومتداخلة، ولم تعد جريمة إبادة الجنس من قبل حاكم جلاد وطاغية أرعن، مسألة داخلية، بل كل مشكلة وطنية هي مشكلة عالمية ومن حق المجتمع الدولي التدخل لإنقاذ الشعوب المهددة بالفناء من قبل حكامها الطغاة من أمثال صدام حسين.
فالمقابر الجماعية في العراق وعمليات الأنفال، وقتل الألوف في حلبجة بالغازات السامة، ليست مشكلة داخلية، وإبادة الجنس وقتل نحو 300 ألف إنسان، وتشريد أكثر من مليون في دارفور على أيدي مليشيات النظام السوداني الفاشي لم تعد مشكلة داخلية، وإبادة شعوب البلقان على يد الفاشية الصربية ليست مشكلة داخلية، وقيام هتلر بهولوكوست ضد اليهود وتسببه في الحرب العالمية الثانية ليست مشكلة داخلية، وإبادة شعب تيمور الشرقية من قبل سلطة الدكتاتور الإندونيسي سوهارتو لم تعد مسألة داخلية...وهكذا هناك أمثلة كثيرة. فكل هذه الحالات تطلبت التدخل الدولي.
في الحقيقة، كل جريمة من جرائم البعث التي لا تعد ولا تحصى ضد شعبنا، منذ اغتصابهم السلطة في العراق في انقلابهم الدموي يوم 8 شباط/فبراير 1963 الأسود وإلى يوم سقوط نظامهم المدوي في 9 نيسان 2003، كانت كافية للتدخل الدولي لإسقاط هكذا نظام فاشي وتحرير شعبنا من شروره. فأمريكا تتحمل المسؤولية الأخلاقية لتحرير شعبنا من الفاشية البعثية، لأنها (أمريكا) هي التي جاءت بهذا النظام العاهر الجائر إلى العراق كما هو معروف من اعترافات بعثيين قياديين في الجريمة ومن مذكرات موظفين كبار سابقين في الاستخبارات الغربية.
ومن هنا نصل إلى الاستنتاج المنطقي، وهو أن تدخل قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا في مساعدة الشعب العراقي للتخلص من حكومته الجائرة كان ضرورة إنسانية وتاريخية ملحة لا غنى عنها ولا مناص منها. لقد أدمن مثقفو الكوبونات وأعداء الحرية والديمقراطية في العالم، ومنهم بعض قوى اليسار في الغرب، في معارضة تحرير العراق، لا لشيء إلا لأن هذا التحرير قد تحقق على يد أمريكا ولأنهم يكرهون أمريكا، ولأنهم سجناء أقفاص أيديولوجياتهم التي عفا عليها الزمن، فيصرون على التضحية بشعبنا ودعم الإرهاب في العراق، متنكرين لمبادئ التقدمية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتبجحون بها. فهؤلاء مصابون بالمرض العضال الذي لا شفاء منه وهو العداء لأمريكا حتى ولو سعت أمريكا لصالح الشعوب المقهورة.
إن شعوب منطقة الشرق الأوسط تعاني من ذهنية التدمير، ذهنية معاداة الغرب والحضارة الغربية، ومعها العداء لمنجزات الغرب بما فيها الديمقراطية والحرية والحداثة وحقوق الإنسان ومساواة المرأة مع الرجل وغيرها من القيم الإنسانية النبيلة الأخرى. وفي هذه الحالة لا يختلف فيها اليساري الشيوعي الستاليني عن الإسلامي المتطرف واليميني الفاشي، فنجد من يسمي نفسه بـ(الشيوعي الأخير) ينظم القصائد ويدبج المقالات في تمجيد ما يسمى بـ"بالمقاومة الوطنية الشريفة’" في العراق. وكذا الحال لشيوعيين مخضرمين أصيبوا بالجمود العقائدي راحوا يرددون كالببغاوات ذات الشعارات البالية التي كانت سائدة إبان الحرب الباردة في عدائها للغرب. وهؤلاء اليساريون الطفوليون لا يختلفون كثيراً في سلوكهم عن اليمين المتطرف، إذ كما قال عنهم لينين، "في النهاية يلتقي سيلتقي اليسار المتطرف مع اليمين المتطرف ولكن عند حوافر الفرس". وهذا ما نلمسه الآن عندما تقوم التنظيمات اليسارية في أوربا بجمع التبرعات المالية لدعم الإرهاب الإسلامي- البعثي في العراق بذريعة دعم المقاومة الوطنية ضد الاحتلال!! بينما هذا الإرهاب يفتك بأبناء الشعب العراقي كما هو معلوم للجميع.
إن عقلية معاداة الغرب، وبالأخص لأمريكا، هي التي أنجبت لنا الطغاة العتاة من أمثال صدام حسين والقذافي وبشار الأسد وأحمدي نجاد وغيرهم، وهي التي أنجبت زعماء الإرهابيين من أمثال بن لادن والظواهري والزرقاوي وغيرهم من الذين وضعوا الشعوب العربية والإسلامية في حالة مواجهة دموية انتحارية مع العالم. والغريب في الأمر أن معظم المثقفين المتياسرين الذين يشتمون الغرب والنظام الرأسمالي "المتوحش" حسب زعمهم، يفضلون العيش في هذه الدول الغربية "المتوحشة" وينعمون بنعيمها ويتمتعون بالحرية التي وفرتها لهم هذه الأنظمة.
وبهذه المناسبة التاريخية العظيمة، أتقدم بأحر التهاني وأزكى التبريكات لشعبنا العراقي الكريم على التحرير والبدء في بناء دولته الديمقراطية العصرية، والمجد والخلود لشهداء شعبنا الذين دفعوا حياتهم ثمناً لهذا التحرير، وعزاؤنا الحار لعوائلهم، وشعبنا سوف لن ينسى تضحياتهم. فهذا هو الثمن الباهظ الذي كتب على شعبنا ليدفعه مقابل حريته. كما وأتقدم بالشكر والامتنان إلى الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وجميع قادة العالم الذين ساهموا في التحالف الدولي بقيادة أمريكا، على قرارهم الشجاع لتحرير العراق. والمجد والخلود للجنود الأمريكان والبريطانيين وكافة جنود التحالف الدولي الذين ضحوا بحياتهم في العراق في سبيل تحريره ومحاربة الإرهاب لجعل العالم مكاناً أفضل للعيش فيه بسلام. إن قرار الرئيس بوش وبلير لتحرير العراق وصمودهما أمام معارضات البعض هنا وهناك من المستفيدين من النظام الصدامي الجائر، كان قراراً صائباً اتسم بالشجاعة الفائقة والحكمة البليغة، منسجماً مع إرادة التاريخ، وسيقيمهما التاريخ عالياً. فشكراً لهم على حكمتهم وتضحياتهم في تحرير شعبنا وإدخال شعوب منطقة الشرق الأوسط في الحداثة والحضارة الإنسانية التقدمية، وخلاصها من ذل تخلفها، وتحريرها من عبوديتها، ولمساعدتها في اللحاق بالشعوب المتطورة في الركب الحضاري الإنساني المتقدم.
لا شك أني سأسمع أو أقرأ بعد هذا المقال، نفس النغمة النشاز التي تتكرر بملل من أيتام البعث، ومن ذوي النوايا الحسنة المصابين بقصر النظر، أن أمريكا لم تحرر العراق من أجل سواد عيون العراقيين، بل من أجل النفط. وجوابي عليهم هو نفسه: السياسة وراء المصالح، فطالما اتفقت مصلحة أمريكا مع مصلحة شعبنا، فأهلاً بها. والسؤال المهم هو: ماذا استفاد الشعب العراقي من نفطه الذي يتبجح البعثيون بتأميمه؟ لقد بدد البعثيون الثروات الطائلة بالحروب والدمار، وحرموا شعبنا من التمتع بثرواته، كما وأغرقوا شعبنا بنحو 120 مليار دولار ديوناً ومئات المليارات الدولارات تعويضات حروبهم العبثية. لذلك لم ينل شعبنا من البعث غير الدمار الشامل والتخلف والانحطاط الحضاري، الدمار الذي ستبقى آثاره لأجيال قادمة. وشكراً لأمريكا التي سعت لإطفاء الديون، ونجحت في إلغاء نحو 90% منها، والدول العربية (عدا إتحاد الإمارات) التي تتباكى على السيادة الوطنية العراقية، هي وحدها التي رفضت لحد الآن إلغاء ديونها أو حتى التخفيف منها.
وأخيراً نقول، أن الحتمية التاريخية أيها السادة كالقَدَر المكتوب لا رجعة عنه، فالعملية السياسية تحقق النجاحات المستمرة، وقوى الإرهاب في اندحار متواصل، وعصر الأيديولوجيات الشمولية والأنظمة الاستبدادية قد ولى وإلى الأبد، وقد قيَّض التاريخ لنا أمريكا برئاسة بوش للقيام بتحرير العراق وخلاصه من الإبادة وتدشين عصر الديمقراطية في المنطقة العربية والشرق الأوسط الكبير وتحقيق حرية الشعوب وإدخال المنطقة في عصر التنوير انطلاقاً من بلاد الرافدين، وإن ما يجري في العراق لن ولا يقبل العودة إلى الوراء مطلقاً، وأن مصير الحكام المستبدين هو كمصير نظيرهم الطاغية صدام حسين، من حفرة إلى حفرة وإلى مزبلة التاريخ وبئس المصير. وكل عام وشعبنا والعالم بألف خير.
ـــــــــ
الموقع الشخصي للكاتب
http://www.abdulkhaliqhussein.com/ |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|