بقلم: مينا ملاك عازر
بعد الكسر الذي ألم بقدمي، أكثر شيء أفضله الآن في أي مكان أدخله هو الكراسي، وأبحث عنها بـ"منكاش" حتى أجد طريقًا لراحة قدمي، والكرسي أمر هام لأبعد الحدود لمن هم في حالتي، لكنني كنت أكرهه قديمًا، فأنا أحب الوقفة والحركة، حتى أنني أذاكر وأنا "بتمشى"، وكثيرًا ما كانت حركتي أثناء مذاكرتي تثير أمي، وتضيف "يا حبيبي صاحب بالين كداب"، لكن صدقوني ما كنت أفهم شيئًا قدر فهمي لما أذاكره وأنا أتحرك، ولذا أنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي تستعيد فيها قدمي لياقتها الذهنية عفوًا البدنية، وطبعًا لما أستعيد لياقتي البدنية سأعود لأستمتع بدراسة الكتب وقراءة الجرائد من وضع الحركة.
نسيت أقول لك إنني منذ أن بدأت اهتمامي بالكراسي في الآونة الأخيرة وجدت أمرًا غريبًا جدًا أن هناك كراسٍ مريحة راحة طبيعية، وهناك كراسٍ تجذبك ألا تقوم من عليها لراحتها ولاستفادتك منها، ووجدت أن هناك من يتصارعون على الكراسي، وكأن الكرسي هو الذي يعطيك قيمة، فبمجرد أن يقوم المدير، يجري الكل ليجلس على كرسيه خلسه، وكأنه بذلك سيصبح المدير، ولا يعرف أن المدير لو جلس على الأرض سيبقى مديرًا، والغفير سيبقى غفيرًا، والمدير "الهايف" يتمسك بكرسيه لأنه يخشى على ضياعه، والمدير الخايف يتمسك بكرسيه لأنه يخشى أن يأتي من بعده ليفضح أعماله، ولذا الكراسي مهمة لكل من يطمح في الراحة، وكريهة لكل من يطمح في الراحة الحقيقية، ليس كلامي هروبًا من المسؤولية، وإنما راحة حقيقية لأن من يجلس على كرسي الإدارة، العيون كلها تتجه إليه إما تملقًا له أو حسدًا، ولذا في أوروبا والعالم المتقدم، الناس لا يجلسون طويلاً على كراسيها، لذا بلادهم تتقدم، فهناك حركة دائمة بين المسؤولين، وأنت اليوم هنا وغدًا هناك ومن كان هناك سيأتي "مطرحك" وهكذا.
أما العالم "النايمة"، فتفضل عن الكرسي السرير، كم تتمنى أن تستبدل الكرسي بالسرير أمام مكتبها حتى تستطيع أن تبقى بمكتبها، أي بسلطتها أطول فترة ممكنة حتى في غير ساعات العمل، حتى تضمن أنها ستمارس السلطة أطول فترة ممكنة، والسلطة والكراسي في مصر لها قصص كثيرة عندي لا يتسع وقتكم لسردها، لكن أنا على ثقة بأن لديكم ما هو أكثر منها، نعرف الجديد منها كل يوم في أعمالنا ومن ثم نلتقي بها في وجه كل مدير نلقاه على الصبح.
وأفضل الكراسي لدى "المحششين" كرسي الدخان إللي بيعمل أحسن دماغ، والدماغ في البلد دي بقت حاجة صعبة.. "إنك تعيش في بلد أهلها غابت أدمغتهم" حين صار كل حلمهم أن "يروح بالليل ليجد عشاء" حتى نسى أن يبحث عن حقه الذي أهدره من جلسوا على الكراسي، والناس إللي بتنسى حقها هي نفسها المسؤولة عن بقاء الكراسي على الكراسي، مش كده ولا إيه؟!. |