بقلم /نادين بدير |
أن تكونى مهمشة، فقيرة، تستوطنين العراء وتحلمين بالمجهول بوجه ذهبت معالمه وغاب لونه الأصلى، وثوب مهلهل، وشعر مغطى بالحجاب فتكلفة التسريحة مستحيلة، تنتبذين زاوية من الشارع وترقبين المارين والمارات بصمت. دون أى حق بأى شىء. قد تصل أسماعك أهازيج احتفلت بيومك التاريخى قبل عدة أيام، أو وصلت أنفك رائحة الولائم بيومك المعهود، احتفلوا بيوم المرأة العالمى، الذين احتفلوا انتموا للمجموعات المثقفة. للنخب. نساء ناشطات، أكاديميات، جمعيات خيرية، رؤساء، وزراء، صحافة وإعلام، الوحيدة التى لم تكترث لتلك الأهازيج والحفلات هى صاحبة الشأن، فبطلة الاحتفالية قد غابت عنها. لم يحطها أحد بموعد المناسبة ووقت الحضور، وحتى لو علمت فليس لديها الوقت لتلك المناسبات المرفهة، ذلك أنها امرأة عاملة ويومها مشغول جدا. ليس مشغولا بوظيفة مرموقة أو عادية ولا مشغولا بواجباتها المنزلية من طبخ وكنس فتلك المسؤوليات رفاهية عظمى بالنسبة لها بل حلم يدغدغ أعصابها قبل النوم فقط. إنها مشغولة بالبحث عن لقمة وسبب للعيش فى كل زاوية وركن وشارع فى مدينتها المضاءة ليل نهار، المشهورة بحسن نسائها وتعليمهن ومناصبهن السياسية والاقتصادية الرفيعة. تلك هى المرأة التى احتفلنا بيومها: امرأة القاع. هل يحق لى أن أكتب عن فقرها؟ قال لى شخص قبل عدة سنوات: بأى حق تكتبين عن الفقر، لن يتمكن أحد من تمثيلهم سوى شخص عاش بينهم وشرب العلقم مثلهم. كتاباتك عنهم ترف بالنسبة لك. ووردتنى رسالة تعتبر كتابتى عن الرقص نوعا من الرفاهية لأن النساء المهمشات لا وقت لديهن لإضاعته فى البحث عن حركات وإيقاعات توحد أجسادهن مع أرواحهن. هذا الكلام صحيح. والأهم أنى أعرف أنهن لا يملكن المكان لتلك الممارسة الروحية، فمنزلهن ليس به مساحات وغرف. عش ضيق وسط عشوائيات القاهرة وأزقة سوريا والمغرب ومخيمات اللاجئين فى لبنان، وحوارى وضيعة تتفرع من شوارع الثراء السعودية. ورغم النظرة السطحية لذلك الشخص الذى يعتقد أن فئات المجتمع البرجوازية بعيدة عن فهم الفئات المعذبة وكأننا نعيش عهد إقطاع زمان، ورغم رؤية صاحب تلك الرسالة الإلكترونية لكنى سأكتب عن الفقر. إذا ما علمنا أن نسبة الفقر فى الدول العربية فى تزايد مستمر وأن نسبة من يعيشون دون خط الفقر المدقع فى تزايد مستمر فإن المحتفلات بيوم المرأة لم يمثلن بقية النساء. كان أغلب الحديث كالعادة عن منجزات المرأة ، عن تقدمها، عن أنها قد تمكنت وصارت وأصبحت ووصلت. وكأن كل متحدثة تحكى عن منجزاتها الخاصة. وامرأة القاع تمر بالمحفل لا تدرى ما يشغل نساء القمة، بعض الأفلام الوثائقية والسينمائية صورت أولئك اللواتى يستوطن الحضيض أو اللواتى استوطنهن الحضيض. كانت البطلة فى إحداها صبية عربية تعيش فى مكان لا يشبه الأمكنة، تعيش مع أبويها وإخوتها الستة فى تجمع لحديد وصفيح، لكن لا مكان للنوم سوى فوق بضعة ألواح من الخشب فى العراء، فارق بين الطبقات يتسع شيئا فشيئاً، وحياة تختلف جذريا بين فئات الشعب الواحد الفتاة محرومة من الدلال كبقية المراهقات، من ارتياد النوادى، من الاستماع للموسيقى الصاخبة، من تناول الهمبرجر والتسكع مع الصديقات وشراء الملابس الجديدة أو تقليد إحدى المغنيات. محرومة من الاعتناء بنفسها. وممنوعة من الأحلام ومن التفكير. من الصحة والتطعيم والتغذية والتعليم ومن الكهرباء والمياه النقية وحتى دورات المياه. ماذا بقى؟ شاشة تلفاز معلقة على جدار بمكان مجاور، حوله جمع، تقف تحدق من خلاله ما يمارسنه بقية الفتيات العالميات. ماذا ننتظر لتلك الصبية أن تكون؟ عالمة أو ناشطة أو مربية أو ماذا؟ على الأخص فى ظل المشاكل المخيفة التى تصيب الساكنات فى العراء. تحرش جنسى، اغتصاب، أطفال غير شرعيين، تشرد فى الشوارع، تسول، سلوكيات شاذة ، أمراض مزمنة. هل ستصبح امرأة أم مجرد كائن ولد فى الحضيض وسيعيش على الهامش وكم عدد المهمشات؟ وما الفارق بين المشردين فى الغرب وبين الساكنين فى العراء هنا؟ فوق السطوح أو تحت الصفيح، فى عشة أو بين ألواح الخشب المتهالكة، كلهن معذبات. لن يطفئن شموع عيد المرأة فلو امتلكن الشموع لاحتفظن بها للحظات الليل الحالك الذى يمر عليهن دون ضوء أو نور. قبل يوم المرأة العالمى نشرت مؤسسة فريدوم هاوس للحريات تقريرا يشير إلى تصنيف جديد لنساء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بناء على معدل الحريات والحياة العادلة فنالت تونس المرتبة الأولى تلتها المغرب والجزائر...و...إلخ هل سينفع التصنيف فى شىء وأولئك المهمشات مازلن ضائعات بين الطرقات؟ وماذا تفعل امرأة القاع بالقوانين التى تدفع دولتها لاحتلال المراتب العليا بنظر فريدوم هاوس إن كانت القوانين لا تطبق والاتفاقيات الموقعة لا تنفذ والفقر يخفى، بل تعده الحكومات من أسرارها الدفينة. وفى النهاية تخرج المتحدثات باسم السلطة للتأكيد بأن المرأة قد صارت ونالت وأصبحت وتمكنت. albdairnadine@hotmail.com |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |