بقلم: صبرى فوزى جوهرة
طالعت انباء نجاح الجراحة التى اجريت للرئيس حسنى مبارك باهتمام مثلى فى ذلك مثل باقى المصريين. ولما كانت هناك بعض التفاصيل التى قد تخفى على غير الاطباء, خاصة الجراحين منهم, و نظرا لاهمية المريض, ارجو ان تسمحوا لى مشاركتكم بعض ملاحظاتى على ما جاء من انباء فى هذا الشأن تعرفت عليها من الصحافة .
ملخص ما اعرف عن الحالة هو انه يبدو ان المرض قد فاجأ الرئيس ربما بنوبة حادة و ان كان من المحتمل معاناته من بعض الاعراض الاقل حدة فى الماضى. سافر الرئيس الى المانيا بغتة, مما يوحى ربما باشتداد الاعراض او فجائيتها, لاستئصال الحوصلة المرارية وهى جراحة بسيطة رغم احتمال حدوث مضاعفات خطيرة لها اذا لم يجريها جراح على درجة من المهارة و المعرفة بالاختلافات التشريحية العديدة التى قد يقابلها احينا ليست بالقليلة. تبين ايضا وجود ورم فى الاثنى عشر, وهو الجزء الاول من الامعاء الدقيقة وهو الجزء الاول منها الذى تنتهى عنده المعدة. هناك اورام عديدة تصيب هذا الجزء من الامعاء بعضها حميد و ان افرز هرمونات قد تؤدى الى تقرحات فى المعدة او الاثنى عشر و منها ما يتشعب ليغزو الانسجة المجاورة (ملازمة زولنجر اليسون) و منها ما يفرز هرمونا يسبب مرض السكر و منها ما هو اكثر ندرة تكمن فى جدار الاثنى عشر منها الحميد و منها السرطانى. الا ان من اخطر اورام الاثنى عشر هو سرطان يصيب الجزء السفلى من القنوات المرارية و البنكرياسية المنتهية فى جداره.
اعلن فيما اعلن عن جراحة الرئيس انها تمت بطريقة "مفتوحة" (و ليس بطريقة المنظار) تم فيها استئصال الحوصلة المرارية و جزء من الاثنى عشر يحمل الورم, و ان فحص العينة الجراحية اثبت انها حميدة تماما و بكاملها. تكرر هذا الوصف الاخير باصرار لاسباب انسانية و بالطبع سياسية ايضا. و ارجو مخلصا ان تكون هذه هى الحقيقة فعلا و ليست اقوال مضللة تهدف الى التأثيرفى الوضع السياسى الحالى الحرج بمصر خاصة فيما يتعلق بهوية من سيتولى رئاسة البلاد بعد عام 2011.
اما ما يستحق التعليق فهو ما يلي:
1. لا شك ان فى مصر اطباء مهره فى الجراحة و العناية المركزة كان باستطاعتهم العناية بالرئيس. فلماذا السفر الى المانيا؟
2. معنى وجود ورم فى الاثنى عشر.
3. لماذا كان اختيارالجراح للجراحة المفتوحة, وهى اشد وقعا على المريض و نقاهته, خاصة من كان منهم فى مثل سنوات الرئيس, عوضا عن استئصال الحوصلة المرارية بالمنظار وهو ما لا يتطلب سوى ثلاثة او اربعة "طعنات" بالمشرط فى جدار البطن لا تتعدى الواحدة منها ثلاثة سنتيمترات او اقل يسمح للمريض بعدها بالعودة الى منزله خلال ساعات قليلة من انتهاء الجراحة بعد افاقة كافية من مفعول المخدر و الاطمئنان على حالتة العامة.
تتشابك الاجابات على ما سبق الى حد بعيد. ففى اعتقادى ان الورم فى الاثنى عشر قد تم اكتشافه مسبقا (قبل استكشاف التجويف البطنى اثناء الجراحة). و نظرا لعدم التأكد من انه حميد و احتمال ان يكون ورم سرطانى, كان من الافضل اختيار الجراحة المفتوحة عن المنظارية لاسباب تتعلق بمنع انتشار الخلايا الخبيثة فى البطن اذا استخدم المنظار, وربما ايضا لتمكين الجراح من القيام باستئصال تام للعينة الجراحية حسب قواعد الجراحة المعروفة. فى اعتقادى ان السبب الرئيسى لاجراء الجراحة فى المانيا هو عدم معرفة طبيعة ورم جدار الاثنى عشر او التأكد منها. و اقل احتمالا هو الشك فى ان الحوصلة المرارية ذاتها مصابة بالسرطان وهو امر محتمل عند اصابة المرضى المتقدمين فى السن باعراض المرضلاول مرة, و يصعب الفصل فى هذا الامر قبل الفحص المجهرى للعينات الجراحية. فى كلتا الحالتين يستلزم الامر جراحة قد تكون ممتدة و عناية مركزة خاصة لمريض فى العقد التاسع من عمره.
هناك كذلك درجات مختلفة لمدى الاستئصال الجراحى اللازم لاورام الاثنى عشر. فهناك اورام حميدة يمكن استخراجها مثل النواة ((enucleation, و هناك اورام يتحتم استئصال الاثنى عشر جزئيا (وهو اجراء نادر) اوكليا بالاضافة الى البنكرياس, و تعتبر هذه الجراحة الاخيرة من اكثر الجراحات تعقيدا و تحتاج الى خبرة خاصة للتقليل من المضاعفات و الحد منها. و يلجأ الجراح اليها فى حالات وجود اورام خبيثة اسفل القنوات المرارية و البنكرياسية حيث تصب فى تجويف الامعاء بعد اختراق جدار الاثنى عشر.
اما عن الاستئصال المنظارى للحوصلة المرارية, فهى الوسيلة المفضلة الا فى ظروف خاصة, علما بان نسبة لا بأس بها من جراحات المرارة تحتم التدخل الجراحى السريع احيانا. اما اللجؤ الى الجراحة المفتوحة فيكون تحت ظروف اقل منها:
1. المعرفة المسبقة باصابة الحوصلة المرارية بالسرطان.
2. وجود التصاقات كثيفة بالتجويف البريتونى.
3. التعرض لنزيف شديد او ضرر غير مقصود للقنوات المرارية اثناء جراحة المنظار.
4. اصابة المريض بهبوط متقدم فى وظائف القلب او الجهاز التنفسى.
5. وجود حمل متقدم مع ضرورة الاستئصال العاجل للحوصلة المرارية لاسباب مختلفة.
و مما نعرفه عن التاريخ الصحى للرئيس مبارك ربما استطعنا بثقة استبعاد هذه الاسباب جميعا اللهم الا اذا كانت احوال و هموم المصريين, المعروفين بالقدرة على خرم التعريفة و دهان الهواء دوكو, قد احبلت الرئيس المحبوب و عملوها فيه. و لكن, ما يقال و يشاهد هو انهم يشكون من ان الرئيس هو اللى ما زال بيعملها فيهم.
على اى الاحوال, نرجو للرجل شفاء تاما و سريعا, كما ان الغالبية العظمى من المصريين يتمنون له و لنجله الكريم ان يحلوا عنهم فى تقا عد طويل ملىء بالصحة و السعادة و الهناء.
و طبعا الله اعلم. |