CET 00:00:00 - 07/03/2010

مساحة رأي

بقلم: عماد توماس
قد يندهش البعض من قرار رفض الجمعية العمومية الطارئة لمستشاري مجلس الدولة تعيين المرأة في الوظائف القضائية بمجلس الدولة، حيث رفض 318 عضوًا في الجمعية العمومية من مجموع 319 عضوًا شاركوا في التصويت تعيين المرأة في الوظائف القضائية بمجلس الدولة.

وبحسب موقع صحيفة الشروق بتاريخ 17 فبراير 2010، فإن المستشار محمد الحسيني، رئيس المجلس قال مخاطبًا المستشارين: أضمن لكم عدم تعيين المرأة في الدفعات المقبلة بمجلس الدولة، طالما أن الثقافة المجتمعية في مصر لم تكتمل ولم تتفق على تولى المرأة منصب القضاء، وأتعهد لكم بأن مجلس الدولة سيكون آخر هيئة قضائية تعين الإناث.!!

ومنبع الدهشة أن القرار صادر من صفوة المجتمع المفترض أنهم يحكمون بالعدل وينادون بالمساواة، فإذا كانت صفوة المجتمع هكذا، فماذا نتوقع من عامة الشعب والبسطاء وغير المتعلمين؟.

ولأن القرار الصادر بأغلبية ساحقة هو قرار وليس حكمًا، وبالتالي فهو ليس كلامًا مقدسًا لا يجوز التعليق عليه، فإننا نرى أن هذا القرار يميز بين الرجل والمرأة ويقف مخالفا للدستور المصري في مادته رقم 40 التي تنص على أن " المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة".

فمن الواضح طبقا للمادة السابقة أن هذا القرار تمييز على أساس "الجنس" !!.

كما أن هذا القرار يخالف المادة الأولى من الدستور التي تنادي بالمواطنة التي تنص على أن "مصر دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة". فلا يمكن اختزال مبدأ المواطنة في الحديث عن المساواة بين المسيحيين والمسلمين، لكنها تشمل أيضًا المساواة بين الرجل والمرأة.

البعد الديني
لا يجب أن نعزل البعد الديني في قرار عدم تعيين المرأة قاضية، فالمرأة في نظر الكثيرون "ناقصة عقل ودين" و"الرجال قوامون على النساء" ومهما وصلت درجات التحضر، فإن المرجعية الدينية تكون حاضرة في أذهان متخذي القرارات، وإذا كان الله قد خلق جميع البشر سواسية فكيف نفرق نحن بينهم في الحقوق؟

فما أعلنه بعض القضاة باعتبار أن القضاء ولاية وليس وظيفة وأن المرأة لا تصلح للولاية، يعود بنا إلى فكر جماعة الإخوان المسلمين وبرنامجهم الذي يرفض تولي المرأة والأقباط لرئاسة الدولة باعتبار أن "لا ولاية لغير المسلم على المسلم".

وليس بعيدًا عنا الضجة الكبرى التي لاحقت رفض تعيين المستشار نبيل ميرهم رئيسًا لمجلس الدولة، بعد وفاة المستشار السيد نوفل، بقيام المجلس الخاص الذي يضم أقدم 6 مستشارين باختيار المستشار محمد الحسيني النائب الثاني رئيسًا للمجلس متخطيًا المستشار نبيل ميرهم الأقدم منه، لولا تدخل الرئيس مبارك.

وإذا كان اليوم قد قرر مجلس الدولة رفض تعيين المرأة في الوظائف القضائية، فهل نتوقع غدًا أن ترفض كليات الهندسة قبول النساء في بعض التخصصات الصعبة مثل الميكانيكا والطيران ومدني أو ترفض نقابة المحامين اشتغال المحاميات في بعض قضايا الاغتصاب والتحرش الجنسي حرصًا عليهن من الفتنة!! وهل ننتظر قرارًا من نقابة الأطباء بعدم السماح للطبيبات بالكشف على الرجال سترًا للعورة!!.

عبارة "الثقافة المجتمعية في مصر" جملة مطاطة والتحجج بها واستخدامها في أحيان وغض الطرف عنها في أحيان أخرى أمر غير مقبول، فكثير من معتقداتنا الثقافية لا تتناسب مع القيم الحضارية، التقليل من قيمة المرأة معتقد ثقافي في مجتمعاتنا الشرقية يجب كسره والوقوف ضده، دور المثقفين والنخب هو توعية المجتمع ورفع وعيه والتشابك معه في محاولة لنهضته وليس الانحدار وراء قيم المجتمع السلبية.

فهل يمكن التحجج بعدم إصدار قانون بناء دور العبادة الموحد بسبب أن الكنائس تستفز مشاعر بعض المسلمين!!

قيمة المرأة
كل المجتمعات التي تقدمت وسارت في نهج الحضارة، هي المجتمعات التي قدرت من قيمة المرأة واحترمت دورها في المجتمع، فالنهضة الحضارية التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية بدأت عندما أعطى للمرأة حق التصويت في اختيار المرشحين والقادة السياسيين في عام 1920، بعد صراع دام نحو 70 عامًا من الرفض. واليوم نرى المرأة في جميع الدول المتحضرة في أعلى مراتب القضاء ومناصب المجتمع المختلفة.

ولماذا نذهب بعيدًا، فمنذ عدة سنوات قليلة زرت دولة تونس العربية، وشاهدت حركة انفتاح نحو تمكين المرأة في تونس بأوضاع مميزة سواء في العمل أو الأسرة، فتعتبر تونس الدولة العربية الوحيدة التي تمنع تعدد الزوجات و الزواج العرفي. وإذا كانت بعض الدول العربية تمنع قيادة المرأة للسيارة، فإن المرأة التونسية ليس باستطاعتها فقط قيادة السيارة والطائرة لكننا لاحظنا أن من يقومون بتنظيم حركة المرور في العاصمة التونسية أكثرهن نساء. ولا يوجد أي حرج في ذلك فالثقافة المجتمعية هناك تقبل ذلك والقانون ينظم حقوق المرأة كإنسان مثل الرجل.

احتلت المرأة التونسية – طبقا لموقع إيلاف- المرتبة 36 من مجموع 138 دولة بالنسبة إلى تمثيل المرأة في الحياة البرلمانية على الصعيد العالمي وذلك استنادًا إلى نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2004 التي أتاحت للمرأة في تونس الفوز ب43 مقعدًا من جملة 189. ووصلت نسبة تمثيل المرأة في المجلس الأعلى للقضاء إلى نحو 14%، وتمثل المرأة في تونس 25 بالمائة من السكان النشيطين في تونس بنسب 32 بالمائة في قطاع الفلاحة والصيد البحري وأكثر من 40 بالمائة في قطاعات التربية والتعليم العالي و44 بالمائة في قطاع الصناعة و37 بالمائة في قطاع الخدمات و55 بالمائة من مجموع الطلبة، كما يبلغ عدد النساء صاحبات المؤسسات الاقتصادية حوالي 5000 امرأة.

ويبدو أن مصر أمامها 50 عامًا أخرى حتى تلحق بركب الحضارة والتمدن!!

المرأة قاضية
يذكر لنا الكتاب المقدس في عهده القديم، إحدى النساء التي تولت القضاء بنجاح منقطع النظير، وهى القاضية "دبورة" المرأة الوحيدة بين قضاة إسرائيل، واستطاعت أن تقود شعبها في الحروب مثلما فعل صموئيل النبي وغيره من القضاة قبل وجود ملك لبنى إسرائيل، لم تنكر "دبورة" الحضارة التي نشأت فيها، ولم يعوقها كونها امرأة وزوجة ولم تتمرد على هذا الوضع، لكنها لم تسمح لهذا العوائق أن تكون معطلاً لها عن أداء مهمتها في قيادة شعب بني إسرائيل.

ولا يمكنا أن ننسى مريم أخت موسى وهارون التي كانت مسؤلة عن ثلث شعب بني إسرائيل أثناء تشتته في البرية لمدة 40 عامًا.

المرأة عبر التاريخ الإنساني
وعبر التاريخ الإنساني نجد المرأة حاضرة في معظم الأوقات الفارقة في التاريخ، فالإمبراطورة كاثرين الكبرى حررت روسيا من الإقطاع، كما وحدت "جان دارك" قوات فرنسا، وتمكنت الملكة اليزابث الأولى في القرن السادس عشر من إنهاء حمامات الدم في الخلافات الدينية داخل انجلترا، وهل ننسى الدور الحيوي الذي قامت به أنديرا غاندي في قيادة شعب الهند لمدة 14 عامًا وهو من أكثر الشعوب تنوعًا وتعدادًا، بالإضافة إلى الدور الذي قامت به مارجريت تاتشر مع ريجان في إنهاء الحرب الباردة

وفي مصر الفرعونية، نجد الملكة حتشبسوت أشهر امرأة حكمت مصر القديمة بالإضافة إلى نفرتيتي وكليوباترا، ولا ننسى الدور الوطني الذي قامت به المرأة المصرية في ثورة 1919، ثم تأسيس أول حزب سياسي للمرأة وهو الحزب النسائي المصر في عام 1942.

ومنح المرأة حقوقها السياسية الكاملة طبقا لدستور 1956، ووصلت المرأة لأرفع المناصب في مصر من وزيرة إلى نائبة في مجلس الشعب والشورى إلى مأذونة وعمدة وغيرها من المواقع القيادية.

فهل بعد هذا السجل الحافل لا نقول إننا نعود للوراء بل إننا ننحدر إلى هوة عميقة لا مخرج منها إلا بالدولة المدنية الحقيقة التي تؤمن بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة، وليس مجرد شعارات بالتمدن والتحضر وعند أول محك حقيقي تسقط الأقنعة والشعارات الزائفة!!

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٦ تعليق