بقلم: د. رأفت فهيم جندي
نسمة هواء رطبة وسط عرق ولزوجة صيف شديد الحرارة، أنغام سيمفونية موسيقية راقية مسموعة وسط صياح وصخب الغوغاء، صوت سمائى رقيق يصل الأذن وسط شِجار الباعة الجائلين. هذه هي الصورة التي قدم بها الدكتور محمد البرادعي نفسه بدون قصد أو تمثيل منه وبدون مبالغة مني أيضًا. ملايين الأقباط رحبوا به في قلوبهم، وعشرات الألوف رحبوا به قبل حضوره على النت، والألوف خرجوا لاستقباله قبل وصوله لمطار القاهرة.
كان قبلها ملفتًا للنظر بتواضعه الجم وهو يعاند عيون الصقور الأمريكية التي تريد تبرير غزوها للعراق، وكان أيضًا واثقًا وبسيطًا وغير متكلف وهو يعلن نيته في الاستجابة لو ناداه الشعب لرئاسة مصر، نفي عن نفسه أنه من الممكن أن يكون المخلص للشعب المصري من كابوس حكم عسكري جثم على أنفاسه لمدة ستون عامًا، داعيًا الشعب لكي يخلص نفسه بنفسه بالضغط على الحكومة لتغيير الدستور لكي يستطيع ترشيح نفسه.
لو كان البرادعي مجرد شخص يحلم بالسلطة لكان أعلن ترشيحه للرئاسة من خلال أي حزب قائم ومنهم من دعاه بالفعل، ولكنه اشترط الترشيح كمرشح حقيقي مستقل قادر على عمل ما يراه بالرغم من احتمال استحالة هذا.
البرادعي ليس له برنامج معلن لأنه لم يترشح بعد، ولكنه أعلن عن برنامج عام في العدالة الاجتماعية في قبوله للكل بدون النظر للدين، واستعداده لضم الفئات المتمردة مثل الإخوان المسلمين والناصريين واليساريين بشرط التزام الكل لضوابط الحرية والعدالة والديمقراطية، وقال أن بيانه الرئاسي الأول سيكون من وسط العشوائيات التي ليس بها مياه أو مجاري أو كهرباء وليس من قصر جمهوري أنيق، واعدًا الشعب أنه سيكون لهم ولكنه لا يستطيع العمل بدونهم.
وهنا نسجل نقطة خلاف لنا مع البرادعي في استعداده لقبول قيام حزب إسلامي، لأن نوعية هذا الحزب لا يمكن لمبادئه أن تتطور أو تتغير أو تؤمن بمساوة الآخر، ولكننا أيضًا نقول أن النظام الحكومي الحالي في حقيقته إسلامي وهابي وبه كل العيوب، ولن يأتِ أسوأ منه.
لقد نجح البرادعي طوال حياته التى بلغت 68 سنة، وشخص مثله لا يحمل خططًا عشوائية بل فكرًا مرتبًا قاد به هيئة الطاقة النووية الدولية التابعة للأمم المتحدة في فترة صعبة من تاريخها واصطدامها بالقوة الأمريكية.
البرادعي ليس محتاجًا للشهرة.. فاسمه يرن في كل العالم، وغير محتاج أيضًا للمال، ولكنه يريد أن يأخذ من بلده بأن يعطيها، والمثل الذي أعطاه للبذل والعطاء كان راقيًا ساميًا وأشار إليه أنه من أقوال القديس فرانسيس "أنك في الحقيقة تأخذ عندما تعطي".
كيف ستكون مقاومة الفرعون لهذا وهو يحلم بتتويج ابنه؟ كيف سيتآمر عليه بقية أرباب القصر الذين لا يهمهم غير الكسب والسلطة هي طريقهم وقتل الأقباط غايتهم؟ وما هي استجابة الغوغائيين لأنغام تلك السيمفونية؟ وهل يقنع هذا الصوت السمائى من تربى على القتل والغدر والمكر؟
هناك طريقتان لتحقيق الأمل في تنازل مبارك وعائلته عن العرش، الأولى توليد قوه رفض جماهيري من معظم فئات الشعب، والثانية إجبار القوى العالمية والدولية للنظام الحالي.
فهل ينجح البرادعي ويشق الرب الإله طريقه مثل ما فعل مع الملك كورش لرد شعبه القديم من سبي بابل؟ لقد قال الرب عن كورش "أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أممًا وأحقاء ملوك أحل. لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا تغلق"، أم أن البرادعي أتى لكى يكشف للشعب الطريق ثم تنتهى حياته وبعدها يشق الشعب طريقه؟
وعلى كل هذه الأحوال.. لو لن يكن البرادعي رئيسًا لوددت أن يكون البرادعي رئيسًا.
رئيس تحرير الأهرام الجديد الكندية |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|