CET 09:32:44 - 05/03/2010

صحافة نت

الشرق الاوسط

وصف الملك عبد العزيز بالشخصية الأسطورية بعد أن قرب إلى العالم مسرح أعماله البطولية * الرياض.. أرخبيل من الجزر الخضراء في بحر من الصخور * تساءل الرحالة عن سر قيادة ومراقبة المدينة لمليوني كيلومتر مربع من قصور طينية في صحراء قاسية
صراف نقود يعرض ما لديه في سوق الرياض
علامات أرضية للطائرات وضعت من قبل سلطات الجيش البريطاني على مسافة قريبة من الحدود السعودية العراقية في صورة التقطت عام 1942
مارشيللو موكي في الرياض ومركز البريد والبرق والعمل جارٍ في توسعته
الشارع الرئيسي المؤدي إلى السوق مرورا ببوابة الثميري بالرياض

تظل رحلة الإيطالي مارشيللو موكي إلى السعودية قبل 70 عاما واحدة من الرحلات المهمة خصوصا أنها حملت معلومات وانطباعات مهمة في فترة ذات شأن من تاريخ المنطقة والعالم حيث سنوات الحرب العالمية الثانية، وتوتر العلاقة بين إيطاليا والسعودية بسبب حادثة وقعت بالخطأ عندما قصفت إحدى القاذفات الإيطالية أنبوبا نفطيا في الظهران اعتقادا من فريق قيادة القاذفة أن اللهب الناجم عن الغاز المحترق في الظهران هو مصفاة البحرين التي كانت هدفا لأربع قاذفات قنابل إيطالية من نوع «صافيا مارشيتي إس - 82» حيث كانت البحرين في وقتها محمية بريطانية وهدفا شرعيا لعمليات الجيش الإيطالي، كما شهدت هذه الفترة إغلاق البعثة الإيطالية بجدة بسبب هذه الحادثة وكان موكي وقتها يقول برحلته هذه إلى عاصمة البلاد حيث حل ضيفا شخصيا على الملك عبد العزيز ومن رحلته استطاع الإيطالي أن يجمع معلومات ويسجل انطباعاته عن هذه الرحلة التاريخية التي استخدم فيها السيارة وضمنها في كتاب ترجم إلى الإنجليزية ثم إلى العربية.صراف نقود يعرض ما لديه في سوق الرياض

ووفقا لمترجمَي الكتاب من الإيطالية إلى الإنجليزية أنجيليو بيشيه، وبيير جيوفاني دونيني فإن مارشيللو قام برحلته إلى السعودية عام 1361هـ (1942م) ونفذ المهمة قبلها بسنة وهو موضوع الدراسة. ومن المحتمل أن الرحالة في أثناء إقامته في السعودية أو لدى انتهاء عمله فيها قام شخصيا بتسليم تقرير مفصل عن رحلته هذه إلى السفير جيوفان باتيستا جار نشيلي، المُهدَى إليه هذا التقرير، لافتين إلى أن بحثهما الدقيق أثبت أن أرشيف وزارة الخارجية الإيطالية لا يحتوي أي سجل لهذا التقرير، ومن حسن الحظ أن صورة كربونية كاملة منه مع صورة فوتوغرافية ملصقه فيه سلمت إلى المترجمين من قِبل المؤلف نفسه، أو من قبل جار نشيلي إلى المعهد الإيطالي للشرق في روما، وقد حالت عدة ظروف دون تحقيق مشروع الكتاب الذي تأخر بعض الوقت حتى أصبح على يقين أن التقرير الأصلي الوحيد الباقي في الوجود. باستثناء صورة التقرير، قد اختفى من أرشيف المعهد الإيطالي للشرق، وبالتأكيد أن الشخص الذي أخذه يعلم قيمته، وفي ضوء المخاطرة بفقدان هذا التقرير إلى الأبد من ناحية ولكونه جوهريا من ناحية أخرى، عرضه المترجمان على مؤسسة التراث لنشره باللغتين العربية والإنجليزية بصفة مبدئية ووافق رئيس مجلس إدارتها ومديرها العام على نشره، وتمت ترجمته إلى العربية من قبل الدكتور أحمد عبد الرحمن وراجعه الدكتور عوض البادي والدكتور عبد الله المنيف.

ولطول الكتاب فقد اكتفت «الشرق الأوسط» باستقطاع أجزاء منه لعل أهمها بعض المعلومات الهامة عن السعودية وقت رحلة المؤلف قبل 7 عقود، كما أن هناك معلومات مهمة عن عاصمة البلاد الرياض آثرنا تسجيلها كما وردت في تقرير المؤلف مع الإشارة إلى أن هناك أخطاء تم تصحيحها في هوامش الكتاب لكنها أخطاء قليلة لا تؤثر على بنية الكتاب ولا قيمته التاريخية.الشارع الرئيسي المؤدي إلى السوق مرورا ببوابة الثميري بالرياض
وبخصوص بعض المعلومات العلمية والعامة عن السعودية يشير مؤلف «رحلة عبر المملكة العربية السعودية» مارشيللو موكي الذي وصل في مشوار حياته الوظيفية مندوبا فوق العادة ووزيرا سياسيا مطلق الصلاحية وتوُفي يوليو تموز عام 1970 إلى أن المملكة العربية السعودية مغلقة أمام الأوروبيين وغير المسلمين، ويحتاجون إلى إذن من الحكومة - في الواقع من الملك - للسفر إلى المملكة أو الإقامة فيها، ويسمح للأجانب بالنزول إلى جدة عندما ترسو سفنهم في مينائها، ولكن لا يسمح لهم بالحركة خلف حدودها، وتقوم المفوضيات السعودية في القاهرة أو بغداد والقنصلية العام في القدس بإرسال طلبات الأجانب لزيارة المملكة وإصدار التأشيرات اللازمة عند تعميدها بذلك من الرياض.
وهناك أسباب عملية، تجعل من الصعب التنقل في المملكة العربية السعودية دون مساعدة السلطات الحكومية، ولا يستطيع أي شخص التجوال في المملكة دون دليل أو دون أن يحمل معه الوقود اللازم لتغطية المسافات الطويلة، وتمتلك الحكومة إمدادات الوقود والزيت على طول الطريق، وقد قامت في السنوات الأخيرة بإنشاء محطات وقود مجهزة بشكل جيد في المدن الرئيسة أو في نقاط الانطلاق.

وينصح بالقيام بالرحلات الطويلة بعربتين على الأقل مزودتين بإطارات صحراوية وإمدادات معقولة من قطع الغيار بسبب الأعطال التي قد تتعرض لها السيارات، وقد أثبتت سيارات فورد «في 8» من النوع الصندوقي أو سيارات النقل الصغيرة «بيك آب» مقدرة كبيرة في كل أنواع التضاريس، ويجب أن لا تتجاوز الحمولة الإجمالية للسيارة الكلية خمسين في المائة من الطاقة العادية لتجنب الإجهاد الشديد، وهو أمر لا يقلق السائقين المحليين كثيرا، ومن الضروري وجود إمدادات كافية من المياه في جهاز تبريد السيارة (الرادياتور)، ويسافر السائقون المحليون دائما ومعهم ما لا يقل عن قربتَي مياه مثبتتين عند أعلى العجلات أو متدليتين من مقدمة السيارة.
ويحتاج المسافر - إضافة إلى الدليل - إلى سائق اعتاد القيادة في الصحراء، وميكانيكي ماهر عند استخدام سيارة خفيفة، أما عند استخدام السيارات الثقيلة فيجب اصطحاب طاقم أكبر من أجل التغلب على العوائق الطبيعية والأعطال الميكانيكية، ويتولى العاملون المحليون تحضير طعامهم والوفاء بمتطلباتهم الخاصة، وهم متأقلمون مع بيئتهم، ولا يحتاجون إلى الكثير من الطلبات كغيرهم.
وكما هو الحال في أي رحلة صحراوية طويلة، يجب على المسافرين الأوروبيين أن يجلبوا معهم كل ما يحتاجون إليه من الطعام ومياه الشرب، وخيمة رحلات وكل أسباب الراحة المطلوبة للاعتماد المستمر على الذات، وعندما يكون المسافر بعيدا عن مدينتَي الرياض وجدة، لن يجد ما يتزود به إلا بعض الخراف التي يمكن شراؤها من الرعاة على الطريق وهي بكميات محدودة أيضا.

الطقس جاف وصحي جدا في منطقة نجد، ويمكن أن يكون الطقس في الليل باردا جدا، وينزل إلى درجتين تحت الصفر على الأقل في الشتاء، لذلك يحتاج المرء إلى بطانيتين على الأقل، وتكون درجة الحرارة خلال النهار عالية في الصيف، ولكنها لا تصل إلى مستويات مرتفعة بفضل الرياح التي نادرا ما تغيب عن السهل والنسيم الذي تتولد من حركة العربة.
أما الطقس في الحجاز فمختلف تماما، فهو حار ورطب طول السنة تقريبا، مع ليالٍ حارة وموهنة معظم الوقت، وترتفع درجة الحرارة إلى مستويات عالية (45 درجة في الظل) في الصيف ويصبح الأمر غير محتمل مع درجة الرطوبة العالية (تصل إلى 80 - 90%) وبحجزها الرياح الممطرة من البحر، تحول السلاسل الساحلية سهل تهامة الساحلي إلى مرجل خانق، والسكان المحليون أنفسهم يجدون نجد حارة على نحو شديد، ولا يستطيعون البقاء هناك طويلا دون تغيير الهواء. إن التكيف مع الطقس مهمة طويلة ومؤلمة بالنسبة إلى الأوروبيين تصحبها كل مخاطر الطقس المداري كفقر الدم ومتاعب الكبد وغيرها.
ولا توجد حيوانات متوحشة خطيرة في نجد ولا في الحجاز، لذلك ليس هناك حاجة إلى احترازات خاصة في هذا الجانب، إلا أنه يوجد الكثير من العقارب والعناكب السامة، وفي بعض المناطق توجد الثعابين، لذلك يجب على المرء أن ينام دائما على سرير مرتفع عن سطح الأرض، بعيدا عن أكوام الحجارة أو الأعشاب الكثيفة، وأن لا يترك أبدا الملابس والأحذية قريبة من الأرض.

علامات أرضية للطائرات وضعت من قبل سلطات الجيش البريطاني على مسافة قريبة من الحدود السعودية العراقية في صورة التقطت عام 1942بلد تحترم فيه الحياة
* يمكن للمسافرين أن يعتمدوا على الأمانة المطلقة للسكان، حتى عندما يكونون بعيدين عن المناطق المأهولة، إن الجزيرة العربية، التي كانت تعج بالسرقات، تحولت بإرادة الملك عبد العزيز المرنة وبحكم القانون الصارم إلى بلد شرقي تحترم فيه الحياة والممتلكات بشكل كبير، وتنفذ العقوبات التي حددتها الشريعة (بتر يد السارق وقطع رأس القاتل) بحيث أصبحت الجريمة الخطيرة نادرة، ويستطيع الأجانب أن يتمتعوا بالحماية الملكية السفر بأمان تامّ ودون سلاح، ويعيّن الملك مرافقين مسلحين لأصحاب المقام الرفيع أو المجموعات الأجنبية من المسافرين في حالات استثنائية، وحينئذ يكون الأمر طريقة لإظهار الاحترام أكثر منه لأسباب أمنية، والسعوديون الذين يعملون في الجيش النظامي (الدائم) ذوو مظهر حسن ومنضبطون ومزودون بالمعدات.
وفي ما يتعلق بالقواعد الخاصة والبروتوكول والأخلاق الحسنة، فإن المسافرين الذين يقومون برحلة إلى بلد مسلم يفترض أن يكونوا على دراية به، ويجب على المرء أن يضع في ذهنه أن العقلية العربية ونظرة المسلمين إلى العالم لم تتغير بالاحتكاك المتواصل بالمجتمع الغربي، ولكنها تكرست بدلا من ذلك بالاعتزاز بالاستقلال السياسي التام وبرعاية الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، ولا تفوت السعوديين أي فرصة لترك انطباع لدى الأجانب بهذا التقدير للذات القائم على هذه القاعدة ذات الأساس المزدوج، ولا يصل هذا التوجه إلى مستويات غير سارة، إلا أنه على المرء أن يظهر احتراما لمشاعر المواطنين، ومن أجل التحرك والمراقبة بحرية ينصح المرء بأن يبدو عاديا - خصوصا في نجد، حيث الكبرياء مشوبة في الغالب بالحياء - وذلك بارتداء بعض عناصر الزي المحلي، وبصرف النظر عن الوفاء بهذه المتطلبات، فإن ارتداء الغترة، غطاء الرأس البدوي التقليدي، خلال الرحلة طريقة سهلة لتغطية الرأس من الشمس والرمال دون فقدان التهوية اللطيفة.

إن ما يتلقاه المسافرون الأجانب مهما كانت أهميتهم من سلوك مهذب من كبار القوم المحليين، قد يسبب لهم الضيق إذا فُهم على أنه لا يتناسب مع المفاهيم الغربية عن الصحة، فالرفض ليس من الأدب، والطريقة الوحيدة لتجنب الالتزامات الاجتماعية هي تناول الوجبات والتوقف لنيل قسط من الراحة بعيدا عن أي مدينة، إلا أن السائقين المحليين والموظفين الآخرين لن ينظروا في الغالب إلى هذه الميول الغربية بكثير من الاستلطاف، والحقيقة أن الطريقة المحلية في تخزين الطعام وطهوه وتقديمه تتمثل في وجبات جماعية ويأكل الشخص بيديه العاريتين، غالبا ما يدفع المضيف قطعا مختارة من اللحم إلى ضيفه بعد أن تغوص يده من أجلها في الطبق المشترك، وهي أكثر نظافة بكثير مما هو الأمر في بلدان أخرى في الشرق. إن الطقس الجاف والصحي والمظهر الفخور لعرب نجد والطبيعة الصحية للطعام الذي يتألف - غالبا - من الأرز المسلوق مع لحم الحملان (ويمكن القول إنه الطعام المحلي لنجد) تساعد المسافرين الأوروبيين على التعود بسرعة على العادات المحلية في جو المملكة الودي المضياف.
يجب التذكر عند وضع جدول للمواعيد، أن السائقين وغيرهم من العاملين يحتاجون إلى ساعتين على الأقل، في الصحراء لجمع الحطب وإشعال النار والطبخ وتناول الطعام ما عدا الوقت المطلوب للصلاة، ولا يتم السفر عادة بعد مغيب الشمس إلا في القليل النادر.
وهكذا يختصر وقت السفر الفعلي إلى عشر ساعات في اليوم كأقصى حد.

وسوف يلاحظ المسافرون في الحال الفرق في الميول والسلوك بين عرب نجد وعرب الشرق الأدنى، حيث أدى النفوذ الغربي إلى تشويه الفضائل القديمة للعرب وإفسادها، فالنجديون لا يدخنون أبدا علنا، ويطبق حظر الكحول بدقة.مارشيللو موكي في الرياض ومركز البريد والبرق والعمل جارٍ في توسعته
وبالنسبة إلى العملة المتداولة فإن القطع المعدنية الوحيدة في المملكة العربية السعودية هي الجنيه الذهبي والطالر أو الدولار الفضي (مقسم إلى قطع معدنية فضية ونيكل)، وهو نسخة مطابقة للروبية الهندية ومسكوك في لندن، على الرغم من أن حروفها العربية تفيد بأن مصدرها مكة المكرمة، ولا توجد أي أوراق نقدية من أي بلد، معترف بها ومقبولة، إلا لدى تجار تبديل العملة الذين يوجدون في أكثر المستوطنات أهمية، والبنوك غير معروفة، والدولار السعودي مقسم إلى نصف ريال فضي وربع، والقرش الفضي ونصف القرش هي القطع المعدنية الأخرى الوحيدة المتداولة، وبينما يوجد سعر صرف ثابت هو 1.22 بين الريال والقرش، فإن الريال والجنيه الذهبي يتذبذبان وتبعا للأسعار العالمية لمعدنيهما.
وهكذا يختلف سعر الريال إلى الجنيه يوميا دون أي قيود رسمية، وغالبا ما يبديان فرقا كبيرا من أسبوع إلى آخر، وحتى في المناطق الداخلية البعيدة، يتكيف تجار تبديل العملات مع التذبذبات في سوق العملات الدولي بسرعة ودقة مذهلة، على سبيل المثال فإن الفروق في أسعار العملات بين جدة والرياض نادرا ما تتجاوز نصف ريال في اليوم نفسه.

ويبخس تجار تبديل العملات المحليون الأموال الورقية بشكل كبير، لذلك ينصح - إن أمكن - بتغييرها إلى جنيهات ذهبية قبل مغادرة المرء بلده.
وفي حين كانت الحكومة السعودية حتى سنة 1361هـ (1942م) تقبل رسميا القطع المعدنية بوصفها عملة مبرئة للذمة (وبذلك تقبل مخاطر تذبذب سعر العملات، والتي سوف تستخدم جيدا على أي حال مضاربة في سوق العملات)، فإن الريال السعودي هو العملة الوحيدة المعترف بها الآن بصفته عملة المملكة الرسمية، ويرجع ذلك إلى انخفاض واردات الذهب بسبب انخفاض عدد الحجاج منذ بداية الحرب وإلى تناقص قيمة الفضة السريع مقارنة مع الذهب في السوق العالمي، مما دفع بالقطع الذهبية إلى خارج التداول وإلى الادخار الشخصي.
من الواضح أن الذهب في أي شكل وبأي قطع معدنية مقبول في المملكة، ولكن تناقص قيمة القطع المعدنية الأخرى بالنسبة إلى الجنيه، بغض النظر عن أنه القطعة المعدنية الوحيدة المعروفة للجميع، فينظر إليه على أنه المقياس الوحيد في الوزن والمحتوى المعدني، يجعل مثل ذلك الخروج على العادات التقليدية غير مربح.
يوضح ملخص كل مرحلة الوقت المطلوب لتسهيل مهمة إعداد جدول زمني، ويجب النظر لمثل تلك البيانات دائما على أنها تقدير تقريبي، وتبنى كل الحسابات على أساس الرحلة العادية في شاحنة ذات حجم متوسط، ويمكن أن تصل سرعتها القصوى 60 - 70 كيلومترا في الساعة، ولكنها من ناحية أخرى، تتمتع بثبات ملحوظ في السفر، ويمكن خفض الوقت المطلوب للسيارات الخفيفة بالثلث، ولكن يجب توقع معدل عالٍ من الأعطال الميكانيكية.

ويمكن الحصول على أفضل النتائج باستخدام سيارات «الركاب الطويلة» أو «الشحن الصغيرة» التي تجمع - كما ذكرنا - بين متانة الشاحنة وقوة العربة وسرعتها، وقد تم قطع المسافة بين مكة والرياض (أكثر من 900 كيلومتر) على مثل تلك السيارة بما لا يزيد على 19 ساعة متصلة في إحدى الحالات.
وتتضمن المواقيت الموضحة لبعض الطرق الصعبة أيضا التجربة الحتمية للغوص في الرمال، وعموما للصعوبات التي يجب فيها توقع تأخر «رحلة عادية» هناك طرق أخرى، يكون فيها المسار أفضل من المتوسط، وتوضح السرعة القصوى الآمنة التي يمكن تحقيقها، وقد ذكرنا سلفا تأثير مختلف الفصول على ظروف الطريق، ففي حالة الأمطار من الصعب الالتزام بتقديرات المواقيت، وربما من الأفضل التوقف في إحدى المحطات انتظارا لتحسن الطقس.
ولا يمكن الاعتماد على تقديرات استهلاك الوقود، حيث تختلف المعدلات وتبعا للسيارة المستخدمة، وحالتها العامة وطريقة القيادة.
والبترول المتوافر في المملكة العربية السعودية أميركي المنشأ، فالمملكة تنتج الزيت الخام الذي يكرره الأميركان جزئيا في البحرين المجاورة، وخزانات وقود الحكومة السعودية ممتازة، وهي مصنوعة من الإسمنت وتقع تحت الأرض، ويعبأ الوقود بمضخة يدوية، لذلك من غير المطلوب وجود صفايات وخلافه، أما الزيت فيقدم في أوعيته المعدنية الأصلية.

الرياض مدينة غامضة
* تحدث موكي عن الرياض لافتا إلى أكثر من سبب يجعل الرياض مدينة غامضة الوصول إليها أمر في غاية الصعوبة، وينطبق هذا أيضا على باقي وسط الجزيرة العربية المعزول بفعل صحرائه التي لم يكن من الممكن اختراقها حتى سنوات قليلة.
لكن الشخصية الأسطورية للملك عبد العزيز القائد الكبير الذي نجح من خلال جهده الشخصي في أن يصنع في أقل من ثلاثين سنة مفاجأة جديدة، انطلقت من أرض الجزيرة نفسها وهزت العالم عندما أوصل الجزيرة العربية إلى الأضواء، وقرب إلى العالم الرياض موطن أسلافه ومسرح أعماله البطولية، هذه المدينة هي منذ سنة 1351هـ (1932م) عاصمة مملكة موحدة يسود فيها النظام وتغطي نحو ثلاثة أرباع شبه الجزيرة العربية.
وحتى سنوات قليلة ماضية لم يتمكن إلا عدد قليل من الأوروبيين الوصول إلى الرياض والإقامة فيها عدة أيام، وكان معظمهم من المستكشفين البريطانيين، وكما هو متوقع فإن بريطانيا التي تسيطر على بحرين يحدان شبه الجزيرة من الشرق والغرب - سوف تبدي أكثر من أي دولة أخرى اهتماما خاصا بمتابعة التطورات السياسية المحلية، وندين لفيلبي - الذي خلف الكابتن شكسبير الذي قتل في إحدى المناوشات بين الملك عبد العزيز وبين أعدائه المتحالفين مع الأتراك، بوصفه مستشارا لسلطان نجد آنذاك - بأول وصف كامل للرياض، والذي يعود إلى أخصب فترات نشاطه العلمي والاستكشافي، أي نهاية الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م).

تقدمت الرياض كثيرا في وقت قصير من معقل لسلالة ملكية فخورة بنفسها تبسط سيطرتها على المرتفعات الوسطى لنجد فقط، إلى عاصمة لمملكة مستقلة تغطي تقريبا كل الجزيرة العربية، لتكون على مستوى الدور الجديد، وهذا ما يمثله مجمَّع المباني الملكية الجديدة رمز ازدهارها.
في وقت قريب خصوصا بعد سنوات (1928 - 1930م) عند إدخال السيارات إلى البلاد، وحتى بداية ظهور النقل الجوي، ظل الغربيون يزورون الرياض دائما: دبلوماسيون وصناعيون، وخصوصا الأميركيين، وبعض الشخصيات السياسية، وعلى الرغم من ذلك فإن أكثر وصف تفصيلي هو ما كتبه فيلبي، بينما ظلت المادة التوثيقية المصورة نادرة نسبة إلى الصعوبات التي واجهها أولئك الذين حاولوا التقاط الصور، وحسب معرفة كاتب هذه السطور، لم تنشر مثل هذه المادة في سياق علمي وتوثيقي.

تقع مدينة الرياض في منخفض طويل يمتد من الشمال إلى الجنوب، تشكل فيه المياه الجارية من جبال الجبيل مجرى الشمسية، وجنوب المدينة مباشرة يرتبط مجرى الشمسية بوادي حنيفة الذي يستقبل معظم المياه من جبل طويق، وهو جبل ذو سطح مستوٍ عريض، وتشكل منحدراته الجانب الأيمن من منخفض الرياض، ويحتوي هذا الحوض الطويل على واحة شمالية قامت عليها مدينة الرياض وواحة ثانية ضخمة هي منفوحة، وهي غنية ببساتين النخيل وحدائق ومساحات صغيرة تزرع فيها الحبوب والخضراوات والفواكه (اسم الرياض يعني «الحدائق»)، وغرب هاتين الواحتين، وبمحاذاة أحد الأودية الذي يمتلئ موسميا بمياه الأمطار (الباطن)، توجد عدة واحات صغيرة، وتضم واحدة من هذه الواحات التي تقع على بعد ستة كيلومترات من الرياض، القصر الملكي الصيفي المعروف باسم «البديعة».
كل تجويف وكل متر مربع يمكن أن يوجد فيه الماء من الآبار أصبح مغطى بزراعة كثيفة دائمة، إذ إن كل المنطقة - بما في ذلك القطاع الشمالي من وادي حنيفة بقراه وأراضيه الصغيرة - مملوءة بالمساحات الخضراء مفصولة بعضها عن بعض بالصخور الجرداء لجبل طويق، وتشكل أرخبيلا من الجزر الخضراء في بحر من الصخور الصحراوية بنية اللون.

تقوم واحة الرياض على مساحة بعرض كيلومترين وطول 4.5 كم، وقد بُنيت المدينة في الجزء الشمالي (من الوادي)، والمباني الأنيقة مفصولة بعضها عن بعض بحدائق خاصة معتنى بها جيدا حتى الحدود مع الصحراء في الجانب الشمالي، وخارج الواحة في الصحراء نفسها، يرتفع مجمع المباني المهيب الذي يشكل مع القصر الملكي الجديد «المربع» وهذه هي العلامة الأولى للحياة التي يقابلها المرء عند دخول الرياض من الخليج وأيضا من مكة.
بنى الملك عبد العزيز قصور المربع في العصر الذهبي لحكمه بعد فترة قصيرة من ضم الحجاز سنة 1342 - 1344هـ (1924 - 1925م). إن السلام والاستقرار اللذين وفرهما الملك عبد العزيز لوسط الجزيرة العربية والحجاز بعد قرون من الصراع الدامي وغياب القانون أحدثا صعودا سريعا وغير متوقع في عدد الحجاج القادمين إلى مكة والمدينة، حيث كان الحجاج في ذلك الوقت مصدر البلاد الرئيس من الإيرادات، وفي ما بين سنتي 1346 و1351 (1927 و1932م) قام آلاف من العمال والحرفيين ببناء القصور والمنازل الجديدة، وعن طريق الشاحنات التي كانت جديدة عندئذ في الصحاري العربية، وصلت إلى الرياض مواد مثل الخشب والمنسوجات والسجاد والأثاث من كل الأصناف من أنحاء المملكة ومن بلدان ما وراء البحار، وقد اعتمد الملك عبد العزيز - المتمسك بأصالته - على العمال المحليين، ورفض محاكاة النظم المعمارية الأجنبية، ولذلك فقد احتفظت الرياض بشخصيتها العربية الأصيلة في أقرب مبانيها عهدا وأكثرها حداثة.

كانت مواد البناء هي المواد المستخدمة في أي مكان آخر في نجد وكذلك الأسلوب، جدران سميكة من الطين المخلوط بقش مهروس تقوم على قاعدة من الحجر ربعت ودفنت على عمق عدة أمتار داخل الأرض أساسا قويا، وتوجد عوارض خشبية تقوي الجزء الداخلي من هذه الجدران أفقيا كل 60 أو 70 سنتيمترا، والعناصر الإنشائية أيضا من الخشب وكذلك سقوف الحجرات وأرضياتها مصنوعة من ألواح الخشب المرن مرصوصة بعضها بجانب بعض ومغطاة بفرش من القش، وتأخذ الزخارف شكل تصميمات هندسية بسيطة محفورة على الجدران المبيضة

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع