الدوجما، هو لفظ مرادف للقوالب الفكرية الجامدة، وأفضل تعريف لكلمة «دوجما» هو ما قاله الفيلسوف كانط: الدوجما هى الاعتقاد الزائف فى قدرة الإنسان على امتلاك الحقيقة المطلقة.
الشخص الدوجماتى هو الذى يعتنق فكرًا أو مذهبًا أو أيديولوجيا معينة لدرجة القداسة والعبادة، ولا يقبل المراجعة والتشكيك. والدوجما أنواع، ليست فقط الدينية، لكن أخطرها على الإطلاق هو الدينى، لأن الحقيقة المطلقة فى هذه الحالة حقيقة إلهية. وقد عاصرنا بأنفسنا فى الفترة السابقة نموذجًا واضحًا وصارخًا للدوجما التى تتستر وراء الدين، وهى الدوجما الإخوانية، وكيف تدنوا من مرتبة الإنسانية إلى كائنات تشبه البشر شكلا، لكن تسير كالقطيع إلى درجة الانتحار الجماعى، لكى تبقى وتعيش الدوجما الإخوانية. والدوجما ضد الإبداع والابتكار، ولذلك لم يكن مستغربًا هذا الغباء المنقطع النظير حين كانت لديهم كل مفاتيح السلطة، وكان يمكنهم بقليل من الذكاء الضحك على الشعب وتنفيذ مخططهم القذر قبل أن يصل الشعب إلى ثورته فى غضون عام واحد، فى أكبر تظاهرة فى تاريخ البشرية. ورغم غبائهم الشديد، فإن لهم نقطة تميز واضحة فيما يتعلق بحرب الشائعات والتدليس والكذب لخدمة أهدافهم. عندما قامت ثورة 25 يناير كان هناك مخطط قبلها بسنوات للركوب على الثورة، وسرقتها بمساعدة دول وأجهزة مخابرات. وانفضحت المؤامرة بكل عناصرها على المكشوف، واستغلوا أهداف الثورة المستحقة لتغيير بوصلتها نحو الخلافة الأممية الوهمية والتنظيم الدولى بدلا من مصلحة الشعب الذى ثار ضد الاستبداد.
كانوا يعلمون جيدًا منذ اليوم الأول من الثورة أن العائق الأساسى ضد تنفيذ المخطط هو الجيش المصرى، فبعد أن تم اختراق الشعب بالزيت والسكر تارة، والخديعة الكبرى بما يسمى المشروع الإسلامى، واللعب على وتر الدين تارة أخرى، أيقنوا أن الشعب تم تحييده، ومع انهيار الشرطة لم يبق أمامهم سوى الجيش المصرى، وهو الذى سحقهم أيام جمال عبدالناصر، فالتاريخ شاهد، فبدأوا فى صياغة وتدشين «دوجما» تخدم غرضهم، وكان لفظ «حكم العسكر» الذى انزلقت وانزلقنا فيه فى 2011، ولا أبرئ أيضًا التعامل السياسى الخاطئ للمجلس العسكرى حينذاك، بدءا من التعديلات الدستورية التى تخدم مخططهم، وبدأوا فى حملة ممنهجة لغسل الوعى وعقل الشعب المصرى الذى كان فى حالة ثورية بأن الحكم العسكرى هو سبب كل المصائب على مصر، رغم أن أهداف الثورة عيش - حرية - عدالة اجتماعية لم تتضمن رئيسًا مدنيًا كهدف فى حد ذاته. ثم بدأ يتسلل مطلب رئيس مدنى منتخب كأحد أهداف الثورة، رغم أنه من الطبيعى وضع المفاضلة بين رئيس مدنى ورئيس عسكرى فى إطار وسيلة للحكم الرشيد أيا كان، وليست غاية فى حد ذاتها، لكنهم نجحوا فى زراعتها فى الوعى الشعبى كغاية وهدف فى حد ذاتها، لتحييد المؤسسة العسكرية أو أى شخص ينتمى إليها، لعلمهم أن من ينتمى لهذه المؤسسة عقيدته وطنية خالصة، وصعب اختراقها، وإلا كانوا اخترقوا الجيش المصرى!
طبيعة الحاكم أو الرئيس لا يصح أن تكون هدفًا فى حد ذاتها «خلفية عسكرية أو هندسية أو طبية أو فنية»، لكنهم نجحوا فى أن يجعلوها كذلك، بالإضافة إلى الخلط المتعمد بين رئيس ذى خلفية عسكرية والحكم العسكرى! فرق كبير بين الاثنين، الحكم العسكرى يعنى أن يتحكم الجيش فى كل مفاصل الدولة من قضاء ونيابة وحكومة ونقابات ومنظمات، أعظم الزعماء فى التاريخ كانت لهم خلفية عسكرية: محمد على - جورج واشنطن - أيزنهاور - ديجول - تشرشل - جون كينيدى و33 من 44 رئيسًا أمريكيًا لهم خلفية عسكرية. نجح الإخوان فى زرع هذه الدوجما فى 2011، ثم انطفأت بعد حكمهم الفاشى، ولكن مازال نشطاء آشتون ومشروع الربيع العربى الحقوقيون واليسارجية يدسون السم فى العسل، واللعب فى عقول الشباب بدوجما «حكم العسكر».
نقلا عن اليوم السابع |