CET 10:17:48 - 25/03/2014

مقالات مختارة

بقلم خالد منتصر

قابلت صديقى، الذى أناديه بأبوالبنات، والذى دائماً أقول له يا بختك يا أبوالبنات، فأنت تستمتع بالحنان والرقة والدلع والرعاية من بناتك، وكأنك ملك متوج، لم يكن هذا من باب الحسد حاشا لله، ولكنه كان من باب إقرار الحقائق، ومن بينها هذه الحقيقة الواضحة كالشمس والتى تقول إن من يعتنى بك فى شيخوختك بصورة أفضل هى بنتك ومن يحنو عليك كأب هى بنتك، ومن تهتم بمشاكلك وعندما تراك شارداً تسألك «مالك يا بابا»، هى بنتك، اليوم وجدت صديقى يرد وهو فى غاية الضيق والغضب على عكس العادة: «اسكت دى كارثة إنك تخلف بنت فى مصر، يا ريتنى ما خلفت بنات»، اندهشت وتعجبت كيف لهذا الصديق الذى كان دائماً يتفاخر بأنه أبوالبنات المدلل يتنكر اليوم لكل آرائه السابقة، ويتمنى لو كان قد أنجب ذكوراً، بدد اندهاشى قائلاً: «خلفة البنات اليومين دول مصيبة، إذا كان ياراجل كريمة المجتمع ونخبته بيدينوا البنت ويتهموها فى التحرش وإيه اللى جابها هنا، ولبسها كده وسايبين الولد البصباص السافل اللى بيعتبر البنت قطعة لحمة وبيتعامل معاها على أنها فريسة مستباحة وبيكرموه كمان، وبيقولوا له شاطر وراجل ودكر، إذا كان رئيس الجامعة وأستاذ القانون والإعلامى الشهير معشش فى مخهم نفس الثقافة، ثقافة الفريسة والصياد، ثقافة أنها صورة الشيطان لما تخرج من بيتها، ثقافة أنها وقود جهنم، ثقافة أنها إغوائية حية أفعوانية، وهى السبب فى طردنا من الجنة مخلوقة عوجة من ضلع أعوج»، إلى أين وصلنا؟، هل يعقل أن يأتى اليوم الذى يتمنى فيه أب طيب محترم غير متزمت أن تكون ذريته وخلفته كلها أولاد؟!، هل يعقل أن يردد هذا الأب المثل الشعبى السخيف: «يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات»!!؟، مسيرة البنت فى مصر هى كمسيرة سيزيف الإغريقى الذى يصعد الجبل وهو يدفع الصخرة، فيجذبه المنحدر، اشمئناط وحزن عند الولادة وختان وبتر وهى طفلة وتغطية وكلفتة وهى مراهقة وتربص، وتنصت، وهى شابة ونخاسة وبيع فى مزاد وهى عروسة واغتصاب مقنن وخدمة جوارى وحرمان وهى زوجة إلى أن تدفن منتقلة من قبرها الواسع إلى قبرها الضيق!، فتاة محرومة من الشارع، لأننا ربينا ذئباً بشرياً ونفخنا فيه منذ أن كان طفلاً وأقنعناه بأن تاء التأنيث نجاسة وأن الشارع ملكه الخاص، مكبوت يشمشم كالضبع عن قطعة لحم يستبيحها، يتذكر المجتمع كل المحرمات التى تدينها والنصوص التى تجلدها ولا تتذكر غض البصر الذى يلزمه، الأب المصرى قرر أن يتعامل مع الفراشة الجميلة التى تنشر البهجة بألوان جناحيها الزاهية بقصقصة الجناح وتجفيفها بين صفحات كتب التراث الصفراء وتعليقها كجثة صامتة زينة على جدران البيت، ولأن الشارع محرم عليها، والمشرع صامت على انتهاكها والشرع قد احتله الذكور وفسروه على هواهم وطردوا منه أحلام البنات، أصبحت البنت حرمة والمرأة جرسة والأنثى فضيحة، عذرت أبوالبنات على حزنه وغضبه، ومضيت فى طريقى أردد أبيات نزار قبانى:

ثقافتنا

فقاقيع من الصابون والوحل..

فما زالت بداخلنا

رواسب من (أبى جهل)..

وما زلنا

نعيش بمنطق المفتاح والقفل.

نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع