بقلم: القس. سامي بشارة جيد
وسط عالم يموج بثقافة تفعل الموت وتروج له من منظار ديني أو من منطلق قومي أرضي طمعاً في أرض موعد أو جنة حور العين، يطل علينا عيد القيامة المجيد مع تباشير صباح أحد العهد الجديد وبإطلالة شمس البر والشفاء في حفيف أجنحتها تجيء وترف نسمات ربيع مختلف فريد معطر برائحة الورود تزهق رائحة الحنوط البالية لتعلن أن الميّت حي وأن ابن الإنسان قد هزم الموت بالموت وأن الله أقامه ناقضاً أوجاع الموت، ليبدأ بزوغ فجر ثقافة من نوع فريد مجيد تفوق الثقافة الهلينية العتيقة وتتفوق على الفلسفة اليونانية العريقة، ويصبح معلم الناصرة والنجار الفقير بطل فوق العادة ليس على طريقة الألعاب الأوليمبية ولا نتيجة الغزوات الهمجية لكنه بطل في قصة الحياة، فهو رب الحياة ونجار أبواب تؤدي إلى الملكوت وشبابيك مفتوحة بين السماء والأرض حيث ملائكة الله صاعدون ونازلون بلا حجب أو وسائط ولا وسطاء وبلا طقوس غيبية أو فرائض ناموسية وتعاليم هي وصايا الناس، إذ جلس ابن الإنسان عن يمين العظمة في الأعإلى "وبعد ما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله" (عبرانين 10:12) ملكاً متوجاً باكليل من شوك ليشفع فينا ويمارس لنا ومعنا محبته ويشجعنا على ثقافة الحياة ويدفعنا في طريق المحبة لله وللناس وينتظرنا على بوابة الأبدية عبر أعتاب دهرية حيث السماء الجديدة والأرض الجديدة والحياة الأبدية المجيدة مع العريس السماوي الذي سيأتي ليرتبط بعروسه الكنيسة بعهد المحبة الأبدي مع كل من يؤمن به مخلصاً شخصياً وفادياً محيياً.
إن حاجة الإنسان في كل زمان ومكان إلى فعل يدعم الحياة ويدفع إلى الإنجاز ويجعل من المستحيل ممكناً ومن الصعب سهلاً ومن غير المُستطاع مُستطاعاً، وهذا ما قدمه يسوع للعُمي والعُرج والسُقم والمرضى والفقراء والمهمشين والخطاة، وتلك رسالة القيامة التي أكدت على إمكانية الحياة في أبعاد جديدة وآفاق متجددة وأُطر تتوالد فيها الرغبة في إعلاء قيمة الحياة والحرص على التمتع بعلاقة حميمة مع الله وإمكانية الخلود والوجود في محضر الله كلي القداسة، بناءاً على ما قدمته القيامة من جسد ممجد للرب يسوع يستطيع أن يدخل حتى والأبواب مفلقة.
جسد ليس للموت سلطان عليه وليس للمرض إمكانية التأثير فيه وليس للشيخوخة وجود عنده.
بذلك تكون القيامة قد أضافت أبعاداً جديدة وجادة أرجعت الإنسان إلى إمكانات جنة عدن قبل السقوط، بل وأكثر إذ جعلت بوابة الدخول بر المسيح وتذكرة الولوج دمه الكريم وتذكرة الملكوت المتاجرة بوزنات وثمر ومواهب الروح المحيي القدوس الساكن في ديمومة لجسد الإنسان، إذ صار هيكلاً مقدساً مؤهلاً لعلاقة دائمة مع شخص الله بعد أن كان على الإنسان أن يوفي كل متطلبات الناموس الثقيلة والمرهقة والمضنية لأنه وضع بترتيب ملائكة، أما ما قدمه يسوع الإنسان يتناسب مع قدرات إنسانية البشر إذ عاش كالبشر يجوع ويعطش ويحزن ويبكي ويثور ويتألم.
إن قيامة المسيح فعّلت الحياة ويمكن رصد نواحي هذا التفعيل فيما يلي:
1. نوعية الحياة الجديدة:
إن قيامة المسيح قد أحدثت نقلة نوعية في حياة البشرية إذ قدمت نموذجاً فريداً وحقيقياً عندما ظل يسوع أربعين يوماً على الأرض بعد قيامته المجيدة يظهر لتلاميذه وللآخرين ليستردهم، كما قدم مرقص في الفصل السادس عشر استرداد بطرس وتلميذي عمواس كما ذكر لوقا (لو24:13-25) وليرجعهم إلى رسالتهم، فلما قال الملاك المبشر للمريمات "ليس هو ههنا لكنه قام كما قال!" (متى28:6) برهن على حقيقة صادقة لا تقبل القسمة على اثنين.
لقد اعتاد إبليس أن يكذب فهو الكذاب وأبو كل كذاب واعتاد آدم وحواء أن يكذبا وكذلك الشيوخ وروساء الكهنة وفي بعض الديانات الكذب مباح في الحرب وعلى الزوجة وفي الصلح بين المتخاصمين، ولكن الحال ليس هكذا مع يسوع فهو كلمته عهد ووعد كما أن كلمة الله لا ترجع أبداً، وهذا يجعل نوعية الحياة التي يعطيها يسوع صادقة، ويذكر متى أيضاً في العدد التاسع "سلام لكما" حاجة الإنسان إلى نوعية خاصة من السلام ليس كما يعطي العالم إذ يعطى سلاماً وقتياً زائلاً أما السلام الذي يعطيه يسوع فهو يفوق كل عقل، إذ يحفظ الفكر والقلب.
إن حاجة عالم اليوم إلى سلام المسيح هي أكثر من أي وقت مضى ولن يتمتع العلم بالسلام القائم على العدل إلا عندما يُتوج يسوع رباً وفادياً.
لقد وعد المسيح كل من يؤمن به بأن يكون معه كل الأيام وهذا يعطي الحياة أمناً وضماناً، وحاجة الإنسان إلى الأمن ضرورية بل وملحة ومستمرة أيضاً وذلك جزء من حزمة العطايا وسلة الإمكانات التي يهبها يسوع المُقام كما ذكر في العدد العشرين.
لقد قدمت القيامة الحياة الأفضل في أبدع صورها وأمتع تجلياتها، ويركز الطبيب لوقا على استمرار إنسانية يسوع المُقام "انظروا يدى ورجلى: إني أنا هو! جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظم كما ترون لي وحين قال لحم أراهم يديه ورجليه... فنالوه جزءاً من سمك مشوي وشيئاً من شهد عسل" (لو24:39-42)، وكما جاء خصيصاً ليرد توما مرة أخرى إذ يقدم يسوع حياة تطلب الفرد في علاقة شخصية خاصة، نقله من ثقافة الكم إلى ثقافة الكيف، من منطق أن نمتلك إلى فكر أن نكون وأن نمتلك الحياة الأفضل هنا والآن من جسد يرتع ماءاً مالحاً إلى جسد جديد مقدس.
إن القيامة حولت التلاميذ من مجرد متلقين لتعاليم المسيح إلى مختبرين لحقيقة وواقعية تلك التعاليم، ومن مجرد تعاليم إلى مفاهيم حياتية يمكن أن يعيشوها هم بأنفسهم، كما أكدت القيامة كلمات المسيح وحولتها إلى نموذج يمكن محاكاته مما أحدث ثورة في حركة التعليم بعد اختبار قيامة المسيح إذ هم معلمين.
ويقدم بولس يسوع المُقام على أنه شريك في رحلة الضعف لكن في قوة، إذ يضع موت المسيح النيابي مركزاً لحياته ونقطة انطلاق لخدمته "لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته" (في3:10).
إن الحياة التي تقدمها القيامة حياة ثرية في نوعية المعرفة وعمق الشركة وعدم الخوف من الموت، إذ كسرت القيامة شوكته وأبطلت سطوته.
مع المسيح المُقام الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً حتى كما أقيم المسيح من الأموات هكذا نسلك نحن في جدة الحياة. (رومية6:4).
2. تبني الرسالة الفريدة:
لقد غيرت القيامة حياة التلاميذ وغير التلاميذ حياة العالم، فعالم التجارة والمكسب والخسارة تحول إلى مجتمع الكرازة وشركة المؤمنين في الكنيسة المجتمع الجديد (وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات) (أع2:42)، وصيادي السمك تغيروا إلى صيد الناس، إن صيد السمك ينقله من الحياة إلى الموت أما صيد الناس فينقلهم من الموت إلى الحياة، فتفعيل الكرازة والإرسالية العظمى نقلة من الأنانية إلى الغيرية من الآثرة إلى الإيثار ومن الإتجار في البشر إلى الإستثمار فيم لله، ونرى ثقافة قوة الكرازة في حدث يوم الخمسين وحضور الروح القدس بصورة ملموسة في حياة التلاميذ، من الحياة الروتينية القلقة المتحيرة إلى الحياة الخمسينية المتفجرة ومن ثقافة الإنغلاق الجائرة إلى ثقافة الإختراق المتواترة.
لقد تفعّل بالقيامة دور الروح القدس بصورة عاملة في الشهادة عن نوعية الحياة الجديدة للمسيح والتلاميذ "لكنكم ستنالون قوة (للشهادة) متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض" (أع1:8) عندما ذكر الحي المُقام بركة حضور روحه القدوس إذ هو مرسله بفضل وفعل القيامة وفي إرسالية المؤمنين "وها أنا ارسل لكم موعد أبي، فاقيموا في مدينة اورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي" (يوحنا24:48).
فبقيامة المسيح أصبحت الرسالة فريدة في مضمونها وفي قوتها وفي نوعيتها وفي أيضاً امتدادها إلى العالم أجمع فيما يُعرف الآن بالكونية.
إن قيامة المسيح أعطت الكرازة دفعة بل قفزة طويلة المد، فلم تعد قاصرة على التلاميذ وإن بدأت بهم بل هي مأمورية عظمى لكل مؤمن اختبر تغيير الحياة بفعل موت وقيامة المسيح، وفي القيامة تفعيل للحركة المسكونية إذ تشمل جميع الأمم وللتحرك نحو الهدف لا انتظار أن تسنح الفرصة فالحركة إيجابية مبادرة "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (متى28: 19-20).
والرسالة المسيحية لا تقتصر على الكرازة بالتعاليم المسيحية فقط لكن تمتد إلى كرازة الحياة اليومية، فما اختبرته مع المسيح أشارك به من يريد أن يختبر، وما حدث من تغيير في حياتي هو ما يجذب الآخرين إلى الحياة إلى المسيح فهي نقل حياة تماماً كما نقل المسيح عني حكم الموت ومات نيابة عني وأعطاني حياته، هكذا أنا أنقل ما أعطاه المسيح لي للآخرين، وهذا ما يجعل مشروع نقل الحياة هذه موضوعاً فريداً تنفرد به الرسالة المسيحية إذ أن جوهر المسيحية هو المحبة وعلامة هذه المحبة هي الصليب ورباط الكمال هو موت المسيح وكمال المحبة في قيامته وعدم قدرة الموت على الإمساك به إذ هو حي ومحيي يمارس محبته لنا لأنه معنا كل الأيام إلى انقضاء الدهر، ونحن نمارس محبته مع الآخرين.
فبقيامة السيد من الأموات أصبحت الأولوية الأولى والوصية العظمى وهي محبة الله من كل القلب ومن كل النفس ومن كل الفكر ومن كل القدرة وأصبحت المأمورية العظمى انعكاس محبة الله في تبني الإرسالية العظمى بالكرازة للقريب ومحبته مثل النفس، فكما تجسدت محبة الله في المسيح تتجسد محبتنا للمسيح في محبتنا للآخرين وتلك محبة فريدة وتلك رسالة أكثر تفرداً، وهذا تجلي في المجتمع الجديد في تشارك المؤمنين (وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة ولم يكن أحد يقول أن شيئاً من أمواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركاً وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم) (أعمال 4: 32–33)، قال ريك وارين "إن الإلتزام بالوصية العظمى والإرسالية العظمى سوف يجعلك مسيحياً عظيماً".
3. كسر الحواجز العنيدة:
لقد حطمت حادثة القيامة حاجز المكان حيث جاء المسيح ليقابل تلاميذه في علية الجليل حيث ذكريات حادثة الصلب ما زالت ماثلة ولن تمحوها إلا رؤية الرب المُقام، فقد كانت لحظات لا تُنسى ولا تُمحى وأحداث لا يقوى عليها حتى الزمن، فما أقسى أن يرى الحبيب على خشبة الموت وما أضنى أن يلفظ أنفاسه الحبيسة معلم اليهودية وهم عاجزون على مساعدته وما أصعب لحظات العجز والافتقار إلى مخرج وأنت ترى خليلك يفارق قلبك وكأنك تفارق الحياة في صعوبة، لقد جاء الرب إلى المكان حيث يعشش الخوف ويسكن اليأس ويتردد فحيح الأسى في جدران العجز وضياع الأمل، لقد جاء الرب بشحمه ولحمه ودخل والأبواب مغلقة والعقول مشتتة والقلوب ممزقة وكأنه يعطي كل منهم قبلة الموت لينتعش صدر معيي متشنج لتعود إليه نسمات الحياة ويسرى في عروقة دبيب الحيوية، إذاً حديث النسوة صحيح والرب حي وإذاً هو الرب في جسد ممجد يقوى على حواجز الأمكنة ولا تقوى عليه حدود المكان، المكان الذي ظل آلاف السنين عائق كبير أمام جهود الإنسان ولم يقوى على ترويضه وملاشته، ولكن يسوع بقيامته فعل وفعل ذلك حينما دخل والأبواب مُغلقة.
لقد ظل الإنسان سجين المكان وظل حبيس الجسد وقام يسوع ليحرر كلاهما فأعطى الجسد حرية سكنى روح الله القدوس وأعطى الروح أن تنطلق من أغلال الجسد، وبذلك تكون قيامته قد أعطت وأعتقت الروح والجسد وهذا ليس بغريب أو بمستغرب عن المحرر الأعظم في موته وقيامته.
لقد حطمت القيامة أيضاً الحجاب بين السماء والأرض إذ انشق حجاب الهيكل من أعلى إلى أسفل وأصبح الباب مفتوحاً أمام البشر ليتواصلوا مع الله بلا وسيط أو حجب، فلحظة موت يسوع حدث الإنشقاق ولحظة قيامته التئم مرة أخرى في وئام ووفاق في انسجام واتفاق.
ان قيامة المسيح جعلت من الإنسان رائد فضاء يسبح دون جاذبية أرضية فأضحت هناك إمكانية لأن يتخطى حدود المكان وأغلال الجسد، وأيضاً في قيامة المسيح انتصار آخر لإنسانية يتمثل في قهر عنصر الزمن، فمن الطبيعى أن يعجز الإنسان ويشيخ ويضعف ويفقد كثير من مقومات الحياة المبهجة، ولكن قيامة المسيح جعلت من الخلود ممكناً ومن الحياة الأبدية حقيقة لا حلم وواقع لا درب من الخيال.
فعندما قام المسيح وصار باكورة الراقدين انهزم الزمن وأصبح المستقبل أكبر وليس الماضي، وأصبح ما ينتظر كل مؤمن حقيقى بالمسيح رب وسيد ما لم ترى عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على بال إنسان ما أعده الله لمحبي اسمه، وفي الأبدية يهرب الحزن والتنهد والموت لا يكون فيما بعد ويكون الإنسان كملائكة الله.
أخيراً وجد الإنسان في قيامة المسيح ضالته المنشودة وجنته المفقودة وآماله المعهودة إذ أنار المسيح بقيامته إلى الأبد الحياة والخلود وإلى أبد الآبدين، لأن يسوع هو البداية والنهاية وهو الألف والياء، وبالقيامة كسر المسيح حاجز الخوف الذي ملأ قلوب المريمات والتلاميذ وأعطاهم سلامه الذي يفوق كل عقل.
4. جدوى الأبدية المجيدة:
في القيامة لم يعد الموت هو النهاية بل على العكس أصبح هو البداية.
فالموت هو بوابة الحياة والطريق الذي كرّسه يسوع بجسده إلى الحياة الأبدية "لأنه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين" (عبرانين 10:14).
الإنسان يستطيع أن يحيا بدون أشياء كثيرة لكنه لا يمكن أن يعيش بدون رجاء، فالرجاء أحد أضلاع مثلث اصحاح الطريق الأفضل الإيمان والرجاء والمحبة (1كو 13)، عندما رأى التلاميذ يسوع حياً تَفَعّل في عقولهم وقلوبهم جدوى الصليب وصارت تعاليمه ووصاياه من دون شك وصايا حية وروح وحياة، وعندما أراهم يديه ورجليه المثقوبتين وجنبه المطعون ووضع توما الديكارتي الشكاك اصبعه في آثار المسامير أدرك أن شعوراً قد تكون في مسام يدية ينمو كل لحظة ويكبر بداخله يحثه على المثابرة والإصرار ويعده بأمور عظيمة تفوق سفسطته الجدلية وصراعاته العقلية وتخلق منه عقله المفكر يقين في أن يسوع صادق وحي بل وحقيقى وأن عليه أن يطعيه ويقتفي أثر خطواته، وعندما صرخ يوحنا التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس على بحر طبرية: "هو الرب" ولم يجسر أحد من التلاميذ أن يسأله "من أنت؟"، إذ كانوا يعلمون أنه الرب (يوحنا 21 : 7-12).
إن قلنا أن التلاميذ كاذبون أو مخادعون، فماذا عن من وصف نفسه بالمضطهد والمجدف والمفتري على المسيح والكنيسة شاول الطرسوسي "فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا... لأننا بالرجاء خلصنا ولكن الرجاء المنظور ليس رجاء لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضاً" (رومية 8: 18–24)، من أعطاه هذا الرجاء إلا يسوع الممجد الذي التقى به في طريق دمشق، تاملوا أيضاً "إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم... إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس" (1كو 15 : 14-19)، ثم تأملوا قمة النضج الروحي لبولس عندما يقول "أنه أختطف إلى الفردوس وسمع كلمات لا يُنطق بها ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها" (2 كو 12: 1-4)، فنحن أمام خبرة مُعاشة وواقع ملموس على كل المستويات الروحية والجسدية من أناس تغيرت حياتهم وأصبح واضحاً وضوح الشمس أمام عيونهم أن ما قاله وما عمله يسوع حقيقى لا يقبل الشك، وأن ما وعدهم به وما ينتظرهم له جدوى وأن الأبدية حقيقة بين أيدهم وفي قلوبهم ومستقرة في وعيهم وفكرهم.
قال الدكتور ماهر عبد النور "القيامة للمسيحي الحي هي قبول لبذرة الحياة بحيث تتوفر لها التربة الداخلية وأنسب المناخ الخارجي اللذان يتحتم توافرهما لاستمرار الحياة للبذرة وفي النبات الصالح، ثم في وحدة متكاملة تنمو مع القيامة في تناسب وتناسق وتوافق".
لقد أدرك الجميع وأنا معهم هذه الخبرة الفريدة عندما تقابلنا مع يسوع المسيح، إن نوعية الحياة الجديدة فيه فيها عمق وغنى وفيض لا يستقصى، وإنها حياة مختلفة واعدة ومتجددة، وإنها كل يوم تحدث نقلة نوعية في الحياة بحب وصدق وروعة وإبهار، وإن الرسالة العظمى والفضلى هي أن نخبر عن الذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب، وإن المأمورية العظمى أن أعيش كخادم صاحب رسالة حياة مركزها الله.
وفي القيامة كسر المسيح حاجزي المكان والزمان إذ تبدأ الحياة الأبدية هنا على الأرض، والآن لحظة قبوله مخلصاً وتستمر إلى ما لا نهاية حتى وأن ضياع الكل في مقابل معرفة المسيح ليست بدون جدوى، بل ونحسب كل الأشياء أقل من نفاية عندما نختبر يسوع المصلوب ونكتشف أن ما نرجوه أجمل وأكمل بفضل يسوع المُقام، حينئذ نرى الكل حقيقي في وجه يسوع المُمجد، فنقرر أن نعيش الحياة بفاعلية أكثر وذلك بفضل فعل القيامة المبدع والممتع والمقنع.
القس: سامى بشارة جيد
ماجستير الدراسات اللاهوتية
Samy6868@yahoo/maktoobblog.com |