بقلم: محمود كرم التافهون ينتصرون دائماً ، هكذا يجدون الأمر ، ينتصرون بالتفاهةِ للتفاهةِ ، لأنهم ينتصرون دائماً في معركةٍ فارغة ، في معركةٍ ليست قائمة ، إنهم يقيمونها في الفراغ الأصم من أجل أن يتأكدوا أنهم قد انتصروا ، إنهم حتماً ينتصرون ، لأنهم يأتون من فراغ الماضويات الهالكة ومن فراغ الاحترابات والتشاحنات ومن النصوص الهادمة للحب والجمال والإبداع ، ومن الكتب والمنقولات الهادرة بالغضب والويل والثبور ، ومن صراخ المحاريب الضاجّة بالسخط والكراهية والشتائم ، إنهم ينتصرون في معركةٍ خاوية ، يستفرغون فيها كل ما لديهم من بلادة وغباء وعبث وكراهية وصراخ وعنف وخراب وعُقد وتشوهات ، لأن مَن ينتصر هو ذلك الذي ينتصر للإنسان والعقل والجمال والحب والفكر والعلم والحرية والفن ، إنهم لا ينتصرون إلا للتفاهةِ والقتل والكراهية والقبح والدمامة والفراغ والعبث ، ينتصرون لكل ذلك من أجل أن يبقوا في نشوة الانتصار مزهوينَ بضجيج التفاهةِ في معركة الوهم ، إنهم لا ينتصرون إلا في معركة التكرار والوهم والإعادة والاستعراض والتلقين والتفسير والقدامة ، إنهم لا ينتصرون إلا على فراغ الفراغ ، ينتصرون للنص تقديساً للنص ، للماضي تثبيتاً على الماضي ، للتكرار تأكيداً على التكرار ، للتلقين سبيلاً إلى التلقين ، للاستعراض طريقاً إلى الاستعراض ، للتفاهةِ تعميقاً للتفاهات .. التافهون يأتون من تخشبات الماضي ومن احتراباته وتخندقاته وتوجساته واحترازاته وتحيزاته وتعقيداته وحمولاته ومنقولاته العدائية ، ويبقون أبداً في هذا الماضي ، لا يغادرونه إلى أبعد منه بخطوة ، الزمن لديهم يقف متخثراً بتقيحاته عند أعتاب القرن السابع ، والماضي في أبجدياتهم يشرَّعن بقداساته المتحفية للقمع والاستلاب والمصادرة ، الماضي لديهم يقف في الحاضر بكل حمولاته النصيّة الانفعالية والعاطفية والتحيّزية صارخاً في الناس ولاعناً وشاتماً وموبخاً ، إنه الماضي الذي يتواجد في الحاضر بعقلية اليقين اللازمني ، مرتدياً أثواب الأبدية والنزاهةِ والأخلاق والنرجسية والكبرياء والمجد ، ومدفوعاً دائماً بتوجساته التوترية الارتجاجية من المختلف والجديد والمتغير .. فالتافهون والفارغون يأتون من فراغ الماضي الذي ما زالوا خائفينَ من تجاوزه ومن القفز عليه ، إنهم يبقون مدافعينَ عنه ، ليس لأنه يستحق الدفاع عنه ، بل لأنه أصبح أقوى منهم ، وأقوى من وجودهم وحاضرهم واختيارهم وحريتهم ، ولذلك فهو الماضي الذي لا يزال يلزمهم بكل فروضاته وأدبياته وتوجيهاته ويقينياته وحمولاته الثقافية ، ويلزمهم بكل تعقيداته وتشوهاته وافرازاته ، إنهم يبقون يعايشون هذا الماضي من دون أن يملكوا في ذلك موهبة نقدهِ أو رفضهِ أو تجاوزه ، يعايشونه وهم مسلوبو الإرادة والحرية والاختيار والذكاء والرفض والتحديق .. التافهون ينتصرون للقبح والدمامة ، إنهم يجدون في ذلك انتصاراً على الجمال ، لأنهم لا يستطيعون أن يروا غير صورتهم وأفكارهم وتعاليمهم في القبح الذي يناصرونه ويدافعون عنه ، ويدعون إليه ، إنهم واهمون حين يعتقدون أنهم ينتصرون على الجمال بالقبح ، فالجمال أكبر مَن أن يكون نداً للقبح والدمامة ، لأن الجمال ميراث الإنسان في الانجاز والإبداع والروعة والتألق ، إنه لا يقوم على نقيض القبح ، ولا يتأسس لأن في مواجهته قبح وقباحة ، إنه يتأسس في مناخات الجمال نفسه وفي تخلقات ابداعاته وحرياته ومستوياته وتفتحاته وانجازاته وانطلاقاته ، فحينما ترى الجمال لا تستطيع أن تفكر في القبح ، لأنه لم يأتِ على أنقاض القبح ، إنه يأتي دائماً متفرداً بلغتهِ ووجوده وتمثلاته الفلسفية والثقافية ، إنه يبني وجوده وفضاءه ومناخه وفقاً لما فيه من جمال وفكر وألق ودهشة ، إنه يأتي مساوياً بالضرورة لنتيجته وانجازه وابداعه وتطوره .. |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت | عدد التعليقات: ١ تعليق |