CET 00:00:00 - 05/04/2009

مساحة رأي

بقلم : أحمد الاسواني
إذا تتبعنا نموذج الحاكم الديكتاتور حول العالم منذ القرن العشرين حتى يومنا هذا فسنجد أعلى هذه السلسلة نماذج ذكية مثل كمال أتاتورك في تركيا والجنرال فرانكو في أسبانيا استولت على حكم بلادها في ظروف مضطربة وحكمت بقبضة حديدية ولكنها استطاعت أن تضع بلادها على خريطة التقدم  وتبني أساسات ديمقراطية قوية للأجيال التالية، ولكن تنحدر هذه السلسلة بتدرج متتابع حتى تنتهي بنماذج ليست لها مثيل في البلادة والغباء تحكم دولنا العربية مثل صدام حسين والبشير والقذافي وغيرهم ممن تسببوا في النكبات التي تستوطن هذه المنطقة المظلمة من العالم والتي ستتحول على أيديهم القذرة إلى خارج العالم وخارج الحضارة الإنسانية.

ولكني لا ألومهم هم فقط ولكني ألوم الشعوب التي استكانت للعيش تحت حُكم هؤلاء المتخلفين الذين تدرك غبائهم من مجرد محاولة سماع خطبة لهم أو حديث متلفز لتدرك مستوى تعليمهم وثقافتهم المتدنية للغاية والتي لا تسمح لهم أصلاً بتولي حظيرة حيوانات ولكنها أيضا ليست غلطة الشعوب وحدها ولكن النخب المثقفة التي ارتضت في غالبيتها أن تصبح خدماً ومنافقين لهؤلاء الأغبياء.
واعتقد أن في قضية البشير والمحكمة الجنائية تتويجاً لهذه المرحلة المظلمة من التاريخ، فإذا تفهمنا مساندة الحكام العرب للبشير لخوفهم أن تدور الدائرة عليهم فما هو عذر هذه النخب المثقفة ممن يرفعون رايات حقوق الإنسان والحرية والكرامة؟؟ وكيف يزيفون ويزوّرون الحقائق ليساندوا هذا السفاح ليمارس جرائمه في مأمن من العقاب؟؟!!

أشد ما يحيرني هو موقف النخبة المثقفة المصرية التي تقف في غالبيتها مساندة للبشير بلا حدود وبلا أي معنى ويكفي أن تقرأ جريدة الأهرام المصرية العريقة وتقارنها بجريدة مثل الشرق الأوسط السعودية لكي تدرك الفارق الهائل، فمع أن الحكم السعودي كباقي الحكام العرب يساند البشير ولكن طارق الحميد رئيس تحرير الشرق الأوسط وعبد الرحمن الراشد كاتبها الأول كتبوا كثيرا يفضحون هذا البشير مخالفين الموقف الرسمي للمملكة.

وتعال ننظر لجريدة الأهرام لتشعر بالخزي والعار من كم الهراء الذي تنشره -سواء من رئيس مجلس إدارتها أو رئيس تحريرها المتباريان في ملء الصفحات بمقالات لا يمكنك إكمال قراءتها من كثرة الملل ورداءة الأسلوب- ولكن أكثر ما استفزني هو مقال لمساعد رئيس التحرير ويدعى محمود مراد مليء بالمغالطات والتزوير فهو يدّعي مثلاً أن قرار مجلس الأمن رقم 1593 قد صدر سنة 2007 وهو الخاص بتحويل قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية وأيضاً إن القرار ينص في مادته الثانية على إعفاء الجنود الأمريكيين من أي مسئولية أمام هذه المحكمة وبالطبع هذا كله محض هراء.

والصحيح ما يلي:
1-صدر قرار من مجلس الأمن الدولي في 18 سبتمبر 2004 بتكوين لجنة تحقيق دولية فيما يحدث من جرائم في دارفور وقد تكونت اللجنة من 5 شخصيات عالمية معروفة بحيادها وخبرتها في حقوق الإنسان ومنهم السيد محمد فائق رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان وقتها وهو مصري عربي مسلم ناصري الهوى، ومن أشد المعادين لأمريكا وقد سافرت هذه اللجنة إلى السودان عدة شهور وقامت بآلاف المقابلات مع آلاف الضحايا وشخصيات حكومية ومن المتمردين وقد سلمت تقريرها إلى الأمين العام في 25 يناير 2005 والتقرير متاح على الإنترنت بكافة اللغات، وقام الأمين العام بتحويل التقرير إلى مجلس الأمن بتاريخ 31 يناير2005.

2- انعقد مجلس الأمن الدولي بتاريخ 31 مارس 2005 وأصدر القرار رقم 1593 والذي ينص على تحويل التقرير إلى مدّعي عام المحكمة الجنائية الدولية لتوجيه الاتهامات للمتهمين في جرائم دارفور طبقاً لتقرير لجنة الأمم المتحدة السابق الإشارة إليها، ومن يطالع التقرير المتاح بكافة اللغات كما قلت سيجد إدانة واتهام صريح للحكومة السودانية لضلوعها في المذابح التي تجري هناك دون أدنى شك في ذلك وقد وافق مجلس الأمن على هذه الإحالة بجميع أعضائه بما فيهم الصين وروسيا مع امتناع أمريكا عن التصويت لرفضها كل ما يخص المحكمة الجنائية الدولية.

3- تقدم مدعي المحكمة في 27 فبراير2007 بطلب للمحكمة الجنائية الدولية للقبض على زعيم ميليشيا الجنجويد وأحد وزراء الحكومة السودانية لثبوت مسئوليتهما المباشرة وبشهادة الشهود عن كثير من الجرائم التي ارتكبت في دارفور، وقد وافقت المحكمة على الطلب بتاريخ 12 مايو 2007 فكان رد الفعل الغبي للبشير هو رفض القرار بل وترقية هذا الوزير ليصبح رسمياً مسئولاً عن دارفور أي ليمارس جرائمه بتكليف رسمي وشرعي من الدولة.

4- كان من الطبيعي بعد ذلك أن يتم توجيه الاتهام إلى البشير لأنه تستر على هؤلاء المجرمين ولم يوقف جرائمهما بل زادت حدة وعنفاً باستخدام القوات الحكومية والطائرات الخاضعة للجيش الحكومي وهو ما سبق وأشارت إليه حتى جريدة الأهرام القاهرية نفسها في سردها للأخبار عدة مرات خلال العام الماضي.

5- من الطبيعي أن يساند البشير نفس من ساندوا الصنم صدام حسين ونفس القوافل التي كانت تحج إلى بغداد لإعلان الروح والدم والتأييد مثل الإخوان المسلمين والناصريين، وبالطبع اتحاد المحامين العرب الذي أصبح المساند الأول للديكتاتورية في العالم العربي وبالطبع يجب زج اسم أمريكا في هذه القضية، بينما أمريكا هي الدولة الوحيدة في مجلس الأمن التي لم توافق على إحالة القضية إلى المحكمة كما سبق وذكرت بل وأعلنت أكثر من مرة أنها غير معنية بتنفيذ قرارات هذه المحكمة.

6- وبالطبع جرى الكلام عن الثروات الوهمية في دارفور من اليورانيوم للبترول والغاز والماس وهو ما يدعو للتساؤل إن كان كل هذا حقيقي فلماذا لم تكتشف هذه الثروات قبل اندلاع هذه المشكلة؟؟ ولماذا يعيش أهالي دارفور في مجاعة؟ وبالطبع يذكرنا الكلام عن البترول بما قيل عند غزو العراق أنه تم للاستيلاء على البترول بينما أمريكا لا تستورد ولم تستورد البترول العراقي وقيل أنها ستمنع بترول العراق عن الصين وروسيا بينما الواقع حالياً عكس كل هذا والشركات الصينية والروسية تعمل في أماكن كثيرة في العراق لاستخراج البترول، فكل هذا كذب وهراء لأنه في حالة وجود تلك الثروات المزعومة فكيف سيستخرجونها أو يستغلونها أليس بالتكنولوجيا الغربية أم سيفعلون ذلك بأيديهم؟؟ وهل سيشربون البترول أم يبيعونه لنفس هذه الشركات الغربية حتى الصين وروسيا الذين يعتمد عليهما البشير هم جزء من نفس النظام العالمي الدولي ومصالح الدولتين ترتبط بالباقي؟؟ ولا ننسى إن الدولتان وافقتا في مجلس الأمن على إحالة موضوع دارفور إلى المدعي أوكامبو بينما أمريكا امتنعت عن التصويت.

7- بالطبع حدث استغلال شديد للإسلام وأن المقصود هو ضرب الإسلام في السودان وأنا لا أفهم كيف هذا بينما القاتل والمقتول في دارفور هم من المسلمين وبمئات الآلاف وأيضاً السيدات والأطفال الذين جرى اغتصابهم وهم بالآلاف بشهادات موثقه هم من المسلمين وهو ما لا يقره دين أو شرع بل حتى إسرائيل المتهمة في كل شيء لم ترتكب أي جريمة اغتصاب وهي تحتل الأراضي التي تحتلها بينما الأشاوس وحماة الإسلام من الجنجويد يغتصبون أخواتهم المسلمات وأطفالهن الأبرياء دون أي رحمة أو شفقه وتجد بعدها كثيراً من الدعاة وعلى رأسهم القرضاوي يدعون لنصرة هذا السفاح الذي يقتل ويغتصب المسلمين والمسلمات دون أن تطرف لهم عين وكل هذا مذكور في التقرير الذي سبق الإشارة إليه والذي يمكن لأي باحث عن الحقيقة أن يجده على الإنترنت ضمن وثائق الأمم المتحدة ولكن لا أحد يريد الحقيقة فمادام الغرب ضد البشير إذاً فالجميع مع البشير دون أن يسأل أحد أو يهتم حتى بمعرفة إن كان قد ارتكب ما نسب له أم لا فلا يهم.

8- والمهزلة الكبرى عندما يتم استغلال شماعة العرب الكبرى أي قضية فلسطين والربط بينها وبين قضية دارفور وأن قبل القبض على البشير يجب القبض على حكام إسرائيل لما فعلوه في غزة، وبالطبع من أطلقوا هذا هم أول من يعلم غباء وتهافت منطقهم ولكن لأنهم يعلمون حال النخبة العربية من حكام ومثقفين الذين من السهل أن ينطلي عليهم مثل هذا الكلام لأن قضية دارفور كما رأينا في تسلسلها الزمني خلال خمس سنوات تم بحث القضية وتجميع أدلتها ولكن قضية غزة لم يتقدم أحد بطلب للمدعي العام لبحث ما جرى فيها لتأخذ وقتها في جمع الأدلة وتحديد ما يمكنه فيها وهو ما صرح به المدعي العام نفسه.

9- أشعر بالخزي والعار من الإعلام العربي سواء الرسمي أو المستقل الذي كان يزايد على بعضه أيام عدوان غزة ويتفنن فيما يقوله وينقله عن قتل 1300 فرد فيها بينما لم تهتم أي قناة عربية على مدى أكثر من 5 سنوات بأن تعرض صوراً مما جرى ويجرى حتى الآن في دارفور التي مات فيها 300000 فرد وتم اغتصاب الآلاف وتهجير أكثر من مليون ولا تعلم الشعوب العربية شيئاً في تواطؤ مخجل بين الجميع وسارت المظاهرات برعاية النخبة من الحكم والمعارضة لإدانة حرب غزة بينما تقف نفس الجموع مهللة ومؤيدة للسفاح البشير الذي قتل واغتصب من المسلمين والمسلمات أضعاف ما قتلته إسرائيل التي يصفونها بأنها ترتكب المذابح ولكم الله يا أهل دارفور بعد أن وطأكم الجميع من أهل دينكم.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق