بقلم : صفوت سمعان يسى
مذبحة نجع حمادى علامة فارقة فى تاريخ الأزمات الطائفية فباقتراب ذكرى الأربعين على مقتل زهور الشباب فى عملية دموية أدمت قلوب جميع المصريين وقد أدانها بشدة المسلمين أكثر من المسيحيين وكانوا يعتذروا وهم فى شدة الأسف عما حدث وبالرغم أنهم غير ملزمين أطلاقا بتقديم اعتذار فالذى قتل هم أبنائنا كلنا والذى ذبح هو وطننا جميعا وان الذى يجب ان يقدم اعتذار حقيقيا هو نظام الدولة بالكامل الذى ترك الأمور لسنوات طويلة دون ان يضع حل جذرى لتلك الأزمات الطائفية وبسكوته أعطى شرعية لها وفى أحيان كثيرة للأسف الشديد كانت يديه مخضبة بدمائها و فى أحيان أخرى كان يساهم بفعالية فى إدارتها بالسلب وإشعالها وسكب البنزين عليها .
ولكن هل الدولة جادة فى معالجة الأزمات الطائفية ، هذا سؤال يصعب الإجابة عليه وتتوقف أجابته على ما هى الإجراءات التى ستتخذها لوضع حل جذرى لا يتوقف على الحل البوليسى فقط وإنما تجديد وإضافة التشريعات الخاصة بالمواطنة وتفعيلها بالقوانين المنفذة وبدون ذلك ستكون المواطنة مجرد صورة فى برواز معلق على حائط الدستور المصرى كما هو حادث الآن .
فمن يرى تصرفات رئيس مجلس الشعب والأعضاء يصدم منها وكأنه مجلس شعب جمهورية طالبان لا جمهورية مصر فجزء كبير من الأزمة الطائفية وعدم معالجتها يرجع بالأساس للمجلس ، فالدكتور فتحى سرور كم مرة هدد بأن المادة الثانية خط احمر لا يجوز الاقتراب منه !!! و فى المقابل كانت مادة المواطنة يسمح بأن تنتهك بجدارة ضد كل المصريين جميعا والأقباط بصفة اكبر فقانون الطوارئ سىء السمعة مازال يأخذ شرعيته القانونية كل فترة على يد هذا المجلس وكذلك رفض أدراج قانون دار العبادة الموحدة بحجة الخوف من ردود فعل المتطرفين وكذلك ردود أعضاء المجلس ، وهو ما يعد سبة فى جبين نظام التشريع المصرى ، وما حدث مع النائبة جورجيت أثناء مناقشة إحداث نجع حمادى يظهر مدى ما وصل إليه الحال من النظرة الأحادية والفكر الواحد اما مطالب الطرف الآخر غير معترف بوجودها وكأنه غير موجود على خريطة هذا الوطن .
اما دور رئيس الوزراء أحمد نظيف فهو دور غريب فلم يصدر منه أية إدانة أو تصريح ضد الأحداث الأخيرة وكأن منطقة نجع حمادى لا تخضع لوزارته ،ولذلك ليس من المستغرب ان
فالمتابع بعين الواقع المعاش يرى ان الدولة المصرية تفقد هويتها تدريجيا لحساب الهوية الدينية متجهة بخطوات حثيثة وسريعة نحو الدولة الدينية بنظام الحكم الثيوقراطى الذى يقوم على التلقين و السمع والطاعة المطلقة ونظام تعليمها لا يخرج إلا أجيال عقولها مصمتة غير قابلة للفكر والمناقشة وأنها تحتكر الحقيقة المطلقة ويسهل قيادتها بعقلية القطيع وهذا شأن الدول ذات النظم الديكتاتورية والشمولية .
فما نراه فى الشارع المصرى من زيادة مظاهر أظهار الهوية الدينية يدعو للقلق من اختفاء اللبس المصرى لصالح الدينى ومن استبدال التحية من صباح الخير ومساء الخير إلى التحية الدينية وعند الرد على التليفون يبادرك بالتحية الدينية قبل ان تبادر بتحيتك وكذلك نغمة رنين التليفون المحمول أصبحت تعبر عن هوية المواطن الدينية وكذلك التحلى بالذهب أو الفضة يظهر الهوية الدينية وكذلك وضع الرموز الدينية فى السيارات الخاصة والعامة بالرغم من وجود قانون المرور يحظر ذلك ، وكأن إيمان الشخص يزداد ويتوقف على إظهارها ويضاف إلى ذلك عملية تغيير الأديان وإظهارها ونشرها فى الأعلام المرىء والمقروء وما ينتج عنها من احتقان وشحن وكأن كل طرف يحتاج إلى تأكيد وزيادة أيمانه بقدوم إفراد من ديانة أخرى له بالرغم من انه شأن خاص بالفرد وليس بالمجتمع ، ومن المثير للسخرية ان الذين يقومون بتغيير أديانهم عن قراءة وفهم واقتناع لا يتعدوا المئات فمعظم الحالات تتم بسبب علاقات عاطفية أو جنسية أو مادية أو هروب من أحكام بسبب تغيير الاسم أو للحصول على طلاق أو الهرب والعمل بالخارج .
ففى قراءة للشارع المصرى تظهر جرعة التدين الزائد بكثافة ولكنه تدين شكلى وسطحى يتوقف المظاهر لا على الفعل والعمل وإلا ما مبرر وجود مصر ضمن الدول الأكثر فسادا ورشوة ومحسوبية حيث احتلت المركز 121 مكرر هى والجزائر فى الشفافية من أصل 180دولة فى العالم للأسف الشديد ، والأكثر خجلا هو عدم حصول اى جامعة مصرية على اى مركز متقدم فى الجامعات العالمية بالرغم من أنها فى العصر الملكى كانت من ضمن قائمة الأفضل عشرة جامعات !!!.
ان علاج الأزمة الطائفية يتوقف على وضع خطة جذرية متكاملة لعلاج وطن بكامله بكافة طوائفه لا لحساب طائفة واحدة وهو ما يعنى بكل وضوح وصراحة دولة مدنية على الإطلاق يعامل الفرد فيها كمواطن كامل الأهلية يمارس حقوقه كاملة غير منقوصة ومن أهمها حقوقه السياسية طبقا للنظم الديمقراطية المعمول بها وان تحترم كافة الأديان سواء السماوية أو غيرها وان يكون الأيمان بها شأن شخصى للفرد والمواطن ولا يجب الحض على كراهيتها أو تكفيرها أو الحط من شأنها أو القيام بعمل عدوانى ضدها. وبغير ذلك مهما تم من إجراءات فهو حرث فى البحر وضياع للجهد والوقت ، وما تم فى السابق ما هو إلا مسكنات لمرض استشرى داخل جسم الوطن ، وسيظهر كالعادة عند كل أزمة طائفية وما أن ننام حتى نستيقظ على كارثة أخرى أكبر وأشمل !!!
صفوت سمعان - باحث و ناشط حقوقى |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|