CET 10:36:37 - 13/02/2010

مقالات مختارة

بقلم: د. رفعت السعيد

كلما استطال حديثنا عن الفتنة الطائفية‏,‏ استطال التساؤل الذي قد يكون مريرا أو بريئا أو هما معا‏..‏ اذا كان الجميع يجمعون علي ضرورة وأد هذه الفتنة فورا والي الأبد. 
فلماذا لا نبدأ بالقرار الحاسم والذي يمثل أكثر من نصف مسببات الفتنة؟ لماذا لا يصدر القانون الموحد لبناء دور العبادة؟ ولعلي لاحظت دون تصريح من أحد أو حتي تلميح‏,‏ أن ثمة ترددا في هذا الأمر‏,‏ وإذ يسهم الكثيرون معي في المطالبة بإصدار القانون ومحو هذا التردد فإننا اعتدنا أن نستند الي الفقه والدستور والقانون والممارسات الإسلامية الإولي‏,‏ التي اتسمت بالعدل واحترام حقوق المسيحيين في بناء كنائسهم‏,‏ فإذا كان هذا كله لا يكفي فإننا نعتقد أن مراجعة حصرية لأحكام القضاء في هذا الشأن سوف تضعنا جميعا في موقف التخلي التام عن أي تردد في هذا الشأن‏,‏ فقط وقبل أن نقرأ أحكاما قضائية حكيمة نذكر الجميع أن الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة‏.‏
ونبدأ‏:‏

ـ ففي عام‏1924‏ أصدرت محكمة النقض حكما ينص علي أن من حق المواطنين عقد اجتماعات في أي مكان شاءوا لإلقاء المواعظ الدينية والصلاة وذلك دون الحصول علي إذن من جهة رسمية‏,‏ أو حتي دون حاجة لإخطارها‏,‏ وقد صدر هذا الحكم بناء علي طلب القمص سرجيوس وذلك بعد ملاحقة البعض له بدعوي أنه يقيم الصلوات المسيحية في مكان غير مخصص أو مرخص بالعبادة فيه‏.‏
ـ وثمة حكم آخر في‏1954‏ أصدرته محكمة سمالوط قضت فيه بما يلي‏:‏ ولا جدال في أنه من حق القس بأن يتخذ من مسكنه الخاص مكانا يقيم فيه شعائر الصلاة وترتل فيه الترانيم الدينية حتي ولو ارتفعت أصواتهم بما يترتب عليه إقلاق راحة جيرانهم‏,‏ ويمضي الحكم القضائي قائلا ذلك أن علينا أن نقارن ما يفعلونه بمن اعتادوا ـ دون احتجاج من أحد ـ تلاوة القرآن بصوت مسموع وإلقاء الشعائر الدينية بين جماعة من الناس‏.‏

ـ لكن الحكم الأكثر حسما والأكثر أهمية يأتي من أستاذ أساتذة القانون في مصر بغير منازع الدكتور عبدالرازق السنهوري وهو الحكم في القضية رقم‏538‏ سنة‏5‏ قضائية والمقامة من حنا سليمان جرجس والذي قال في صحيفة دعواه إنه أقام بناء خصصه فيما بعد للصلاة مع اخوانه من الأقباط الأرثوذكس وأطلق عليه اسم كنيسة القصاصين‏,‏ ولما كان قد صدر قرار إداري بإيقاف ممارسة الشعائر الدينية بالكنيسة حتي يصدر مرسوم ملكي يسمح بإنشاء هذه الكنيسة‏,‏ فإن الشاكي يطلب في دعواه ابطال القرار الإداري المشار إليه في صحيفة الدعوي‏,‏ فماذا كان رأي أستاذنا الدكتور عبدالرازق السنهوري؟ لنقرأ معا من حيث أن المدعي ينعي علي الأمر المطعون فيه أن وزارة الداخلية لا يدخل في اختصاصها منع الاجتماعات الدينية وتعطيل الشعائر لمنافاة ذلك للحرية الفردية ولحرية العقيدة وحرية العبادة وكل هذه أمور كفلها الدستور‏,‏ وليس في القوانين واللوائح ما يمنع حرية الاجتماع لممارسة الطقوس الدينية وشئون العبادة في مكان مملوك للمدعي أطلق عليه اسم كنيسة القصاصين‏,‏ فإن المحكمة تري أن الدستور يحمي هذه الحريات مادام انها لا تخل بالنظام العام‏,‏ ولا تنافي الآداب‏,‏ ومن ثم يكون الأمر بتعطيل الاجتماع الديني قد وقع باطلا مما يتعين معه إلغاء الأمر المطعون فيه‏.
 
أما عن الخط الهمايوني وبرغم أن محكمة القضاء الإداري لا تملك الحق في الحديث عن مدي دستوريته إلا أنها تجد أنه من الضروري ألا يؤدي إعماله الي حرمان مواطنين من حقهم في إنشاء دور عبادة خاصة بهم يمارسون فيها شعائرهم الدينية‏,‏ ويمضي الدكتور السنهوري في حكمه ومن حيث أنه مما تجب مراعاته فوق ذلك أن اشتراط الحصول علي ترخيص في إنشاء دور العبادة علي نحو ما جاء في الخط الهمايوني لا يجوز أن يتخذ ذريعة لإقامة عقبات لا مبرر لها تحول دون إنشاء هذه الدور‏,‏ الأمر الذي لا يتفق مع حرية إقامة الشعائر الدينية إذ إن الترخيص المنصوص عليه في هذا الخط الهمايوني لم يقصد به عرقلة اقامة الشعائر الدينية بل أريد به أن يراعي في إنشاء دور العبادة الشروط اللازمة التي تكفل أن تكون هذه الدور قائمة في بيئة محترمة تتفق مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها‏,‏ وتمضي المحكمة لتطالب المشرع بإصدار تشريع يحدد الإجراءات اللازم مراعاتها في إنشاء دور العبادة والشروط الواجب توافرها‏,‏ حتي اذا ما استوفيت هذه الشروط وروعيت هذه الإجراءات تعين صدور الترخيص في مدة يعينها المشرع فإذا لم تصدر جهة الإدارة في هذه المرة قرار الترخيص كان الطالب في حل من اقامة دور العبادة التي طلب الترخيص لإنشائها‏,‏ وبعد ذلك يصدر الدكتور عبدالرازق السنهوري حكمه التاريخي ويقول ولذلك كله حكمت المحكمة بإلغاء الأمر الإداري الصادر من وزارة الداخلية بوقف الاجتماعات والشعائر الدينية والتي تقام بالمكان الذي خصصه لها المدعي بناحية القصاصين وألزمت الحكومة بالمصروفات‏.‏

والآ‏..‏ هذا هو الدستور‏,‏ وهذا هو القانون‏,‏ وهذا هو العقل والحق‏,‏ وهذه هي المصلحة الوطنية التي تعلو فوق أي تردد أو همهمات من هنا أو هناك‏,‏ وهذه هي أحكام القضاء‏,‏ بل هذا هو حكم أستاذ أساتذة القانون وقاضي قضاة مصر مهما امتد بها الزمان‏.‏
وفوق هذا وذاك‏,‏ هناك الممارسات الحكيمة التي امتدت أمدا طويلا وعبر قرون عديدة وهي ممارسات عاقلة وعادلة وتحترم حقوق الأقباط في إقامة دور عبادتهم‏.‏
وفوق هذا وذاك‏,‏ هناك القرآن الكريم إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏.‏
وأيضا شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه‏.‏
والآن‏..‏ وبلا تردد‏..‏ فلم يعد ثمة وقت للتردد‏,‏ فليصدر هذا القانون فورا‏,‏ حتي لا نعود فنلوم أنفسنا‏.‏

 نقلا عن الاهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع