علي سالم |
بقلم علي سالم ومشى في بلاد الله، بلد يشيله وبلد يحطه.. إلى أن وجد نفسه في بلد غريب لم يعرف بوجوده من قبل.. الشوارع نظيفة، المرور منضبط، البيوت أنيقة تحيط بها حدائق صغيرة، والابتسامة تعلو كل الوجوه. بعد جولة طويلة في أحيائها شعر بالجوع فاقترب من محل يبيع ساندويتشات الكبدة وسأله: «بكم الساندويتش من فضلك..؟». فأجابه برقة: «بالصلاة على النبي». فرد: «اللهم صلّ عليك يا نبي.. أقصد كم أدفع؟». فقال البائع: «من الواضح أنك غريب عن بلدتنا.. ستقول لي أعطني ساندويتشا بالصلاة على النبي وأنا أعطيك الساندويتش». ظن في البداية أنه يمزح معه، لكنها كانت الحقيقة. لا توجد نقود في هذا البلد ولا حسابات في البنوك ولا أثرياء أو فقراء، الكل يحصل على احتياجاته بالصلاة على النبي. وعاش الرجل في البلدة، وتزوج واستقر، وذات يوم مر على السوق بعد انتهائه من عمله واشترى كيلو لحم وما يلزمه من الخضار، ثم حانت منه التفاتة إلى محل سماك قريب، فأغراه البوري الطازج فاشترى منه كيلو وعاد إلى البيت. سألته زوجته: «ما كل هذا؟».
فقال: «هذا كيلو لحم بتلو لزوم صينية بطاطس في الفرن، وهذا كيلو سمك سنشويه». فقالت له في اضطراب: «ماذا.. هل سنأكل لحما وسمكا؟».
فرد عليها: «لأ طبعا.. اليوم سنأكل السمك.. وغدا سنأكل اللحم».
عند ذلك ضربت زوجته على صدرها بكفها وهي تصرخ صرخة مروعة اهتزت لها جدران البيت: «يا للمصيبة.. يا للكارثة.. أيها الغبي الجاهل.. أنت تحصل على أي شيء بالصلاة على النبي بشرط أن تغطي احتياجاتك اليومية فقط.. أما عندما تحصل على طعام الغد فمعنى ذلك أنك حرمت آخرين من طعامهم اليوم.. روح يا شيخ الله لا يبارك لك». وطرد الرجل من البلدة.
هذا ما أتذكره من القصة القصيرة التي قرأتها عندما كنت طفلا للقاص صلاح ذهني في أربعينات القرن الماضي. أسعدتني القصة ونقلتني إلى عالم سحري. كم أود الذهاب لهذه البلدة. سأشتري كل ما ينقصني وكل ما أحلم به، ملابس.. شوكولاته.. بسكليت.. ساندويتشات كبدة وفول وفراخ، المطلوب مني فقط هو أن أقول للبائع بالصلاة على النبي.. إنها الجنة على الأرض. ومرت أعوام طويلة قبل أن أكتشف أن هذا النوع من الأفكار الساحرة الجميلة كان في إطار التبشير بالأفكار الشيوعية. لن يوجد فقراء وأغنياء، كل الناس سيكونون متساوين في الاستمتاع بكل شيء.
لا أحد سيمتلك شيئا ملكية خاصة، لأنها مصدر كل الشرور. الشعب فقط هو المالك لكل شيء.. «من كل حسب قدرته، ولكل حسب احتياجه» كانت هذه هي الثقافة السائدة في نهاية الأربعينات، ومن لا يعتنق هذه الأفكار كانت توجه إليه تهمة الجهل أو الرجعية. ولحسن الحظ كنت متهما بالجهل فقط، وهي تهمة لا يعاقب عليها القانون. ومن أمارات جهلي أنني كنت أؤمن بأنه لا توجد جنة على الأرض، هي موجودة فقط في السماء، وأن من حق الناس أن يتمتعوا بحقوق إنسانية أساسية، ولكن على كل فرد أن يدفع ثمن ما يحصل عليه، أن يدفعه من ناتج عمله.
نقلأ عن الشرق الأوسط |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |