CET 12:03:08 - 03/04/2009

مساحة رأي

بقلم: هيام فاروق
هي حكاية كثيرات من الزوجات اللاتي يفقدن أزواجهن في بداية طريقهن، ولا سيما اللاتي يكنّ قد أنجبن أبناء... هؤلاء السيدات في نظر المجتمع أموات مع أزواجهن، وليس لهن الحق في إعادة نضارة حياتهن مرة أخرى، و بعض العائلات يعتبرون زوجة ابنهم الراحل من ضمن ممتلكاتهم الخاصة -توارثوها من ابنهم-، يحسبون عليهن الخطوات، يتابعون تحركاتهن اليومية... أنا لا أتكلم عن جميع العائلات بل أتكلم عن شريحة هي ليست بقليلة وموجودة فعلاً في مجتمعنا المسيحي.
إحدي هذه المآسي سيدة في كنيستي التي اعتدت الذهاب إليها، هي في نهاية العقد الخامس من عمرها، كنت ألمحها بنظرات خاطفة، ولكني كنت منجذبة لها ولا أعلم سبب لهذا، يبدو عليها رغدة العيش والأناقة الجذابة الهادئة، ملامحها وديعة، وفي كل مرة ألمح في عينيها دموع حبيسة تكاد أن تتدفق خارجها... هذا كان إحساسي، وفي فترة ما لاحظت إختفاء هذه السيدة لفترة طويلة قد تكون شهور، ظللت أبحث عنها إلى أن وصلت إليها، فوجئت بزيارتي... رحبت بشدة لكنها لم تستطيع أن تخبئ دموع عينيها هذه المرة، لاحظت وجود صورة كبيرة لشاب وسيم فيه الكثير منها، قالت لي علي الفور والدموع تنهمر من عينيها "الصورة دي صورة إبني"، خُفت أسأل عنه خوفاً أن يكون جرى له مكروه، تركتها تسترسل في الكلام، ابني دكتور في أمريكا هاجر منذ عشر سنوات، لم أراه إلا ّ مرة واحدة بعد سفره إليها بسنتين، تزوجت أباه لكن الله لم يسمح له بالحياة فقد توفى وكان عمر ابني السنتين، طبيعي ومثل أي أم أخذت علي عاتقي أن أربي ابني حتى أراه شاباً جميلاً يافعاً يبهر عيني به...
كانت خطواتي محسوبة من أهل زوجي، كانوا دائمي التجسس عليّ بدون أي مبرر، حتي وصل بهم الحال أن يذهبوا إلي مقر عملي للسؤال عني بحجة أنهم يريدونني أن أتزوج من إبن لهم، لكي يعرفوا مدى أو حدود قابليتي للزواج الثاني، لم يصرفوا على ابني جنيهاً واحداً، لم أطالبهم بأي ميراث عندما توفى الأب الكبير، بل طلبت منهم أن يضيفوا ميراث ابني على حسابه الخاص في البنك بمعرفتهم... تعمدت أن لا أهتم بنفسي لكي لا أضع في نفوسهم أي شك، كان كل همي أن أخرج بابني إلي بر الأمان... وفعلا ً تخرج ابني بنجاح باهر ونجح في المعادلة الأمريكية وسافر عند عمه، تزوج و تركني وحدي بين عيون ما زالت تراقبني وتحوطني وتضع سياج حول حياتي.
طلبني للزواج أحد الأقارب.. ترددت وقتاً طويلاً، ولكن حدث موقف قطع ترددى علىّ... فقد إتصل بي ابني ليخبرني أنه سيأتي مع مؤتمر طبي للقاهرة بعد يومين وسيقضي بالقاهرة ثلاثة أيام.. فرحت جداً وانتهزت الفرصة لكي أستشير ابني قبل أن أخبر أهل زوجي من باب الإحترام لهم ولكي لا يفاجئوا..
ولكن جاء ابني وانتظرته طوال اليوم الأول ولم يأتِ، فاتصلت به فقال لى (سامحينى يا أمي اليوم.. سآتي غداً..)، وفي الغد انتظرته أيضاً ولكنه كرر ما فعله في اليوم الأول للزيارة، انتظرته في اليوم الثالث وتوقعت أنه حتماً سيأتي ولكنه بادرني بالمكالمة قائلاً (سامحيني يا أمي فأنا في مطار القاهرة في انتظار الرحلة العائدة إلى بلدي.. أنا آسف يا أمي.. لم أجد لحطة واحدة لكي آتي وأراكِ.. كنت مشغول جداً ولكني أعدك بتكرار الزيارة.. أراكِ على خير).
اعتصر قلبي ألماً وفاضت دموعي حزناً ثم قررت أن أخبر أهل زوجي، إلا أنهم ثاروا وهاجوا وقلبوا الدنيا عاليها واطيها... إتصلوا بإبني، وأبلغوه.. وطلبوا منه الرفض أن أتزوج مرة أخرى، قالوا له هذا ضد مبادئنا وعلى الست أن تبقى لزوجها حتى ما بعد الحياة...
تناقشت مع ابني في التليفون، كلمنى بعصبية بالغة لأنه لم يكن يتوقع مني حتى مجرد التفكير في الزواج الثاني، قلت له دي كانت مجرد فكرة يا ابني... ودّعني فجأة وقال لي "سوف لا أراكي مرة أخرى لأنك فكرتي تخوني أبي"، ومن وقتها لم أسمع صوته و لا أي أخبار عنه.

الآن يا إبنتي تجدينني أذرف الدموع على حياتي الأولى التي إنتهت فجأة وبسرعة, وأذرف الدموع لجفاء إبني (المشغول), وأذرف الدموع على ما يتبقى لى من عمر باقٍ.!! نتيجة لسوء فهم المجتمع.

فعلاً هي مشكلة لكثير من السيدات الأرامل، وهي مأساة لمجتمع ما يزال يستبد بالمرأة طبقا لموروثات وعادات قديمة، علينا بمواجهة هذا الفكر المتحجر والموجود في كثير من العائلات، طالما المرأة قامت بواجبها علي أكمل وجه بعد رحيل زوجها, وعلمت أبنائها... لماذا لا يتركها المجتمع لكي تقضي باقي حياتها مع أنيس بدلاً أن تعيش بمفردها؟
المشكلة الأصعب في هذا الموضوع.. لو الأرملة كانت إحدى أبنائها فتاة وتزوجت، وهنا الطامة الكبري... سوف تواجه هذه الفتاة الصعوبات في أن تجد شريك حياتها، فالكل سوف يتجنبها ويرددون المثل الذي يقول "تكفي القدرة على فمها تطلع البنت لأمها".....
والحقيقة إني أرى العديد من الأرامل اللاتي يستطعن أن يتعايشن مع أنفسهن و مع المجتمع بتكريس أنفسهن للخدمة داخل الكنيسة وخارجها، بل و أحياناً يعتبرن هذه الفترة فترة إنطلاق للحياة الأبدية، وما لم يستطعن فعله في الأيام السابقة حيث كثرة القيود وتحمل المسئولية يعوضنه في هذه الفترة بعد زوال كل هذه العوائق، و لكني في الحقيقة لا أطالب الكل بهذا فليست جميع الأرامل يستطعن هذا، و ليست جميع النفوس ذات طاقات واحدة، فما تستطيعه أرملة لا تستطيعه الأخرى.

خرجت من عند هذه السيدة الفاضلة وطلبت منها أن تلمس هدب ثوب يسوع لأنه هو الوحيد الذي يستطيع وقف نزيف دموعها..!!!

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٠ صوت عدد التعليقات: ٢٦ تعليق