بقلم: د.عبدالخالق حسين شيء عن فلسفة التاريخ ولذلك، فعندما غزا نابليون بونابرت ألمانيا، وشاهده هيغل يتفقد جنوده وهو على صهوة حصانه، علق بسرورر رغم احتالال مدينته قائلاً: (اليوم شاهدت روح التاريخ على ظهر حصان)، لأن هيغل كان يؤمن أن نابليون وأمثاله هم الذين يمثلون روح التاريخ البشري فيحركونه إلى الأمام. ومهما قيل عن دوافع نابليون من حروبه، إلا إنه كان مدركاً لمهمته، إذ كان هو نفسه من نتاج المرحلة ليقوم بالمهمة التاريخية المطلوبة، فقام بغزو أوربا ونقل إليها مبادئ الثورة الفرنسية (الاخاء والعدالة والمساواة)، وأشعل في شعوبها روح الثورة والتمرد على التخلف والاقطاع، اقتداءً بالثورة الفرنسية. وهكذا اشتعلت أوربا عن آخرها في ثورة عارمة، وحروب أهلية طاحنة ضد الانظمة الاقطاعية المتخلفة، والانتقال إلى مرحلة تقدمية ديمقراطية جديدة. ونابليون هذا هو نفسه الذي وقف مخاطباً جيوشه التي كانت تدك أسوار القاهرة في أول حملة على منطقة الشرق سنة 1798، قائلاً :«انتم اليوم أيها الجنود الأشاوس تقومون برسالة جليلة في قلب الشرق، فأنتم تجلبون أنوار الحضارة والتمدن للشرق الغارق في ظلمات الجهل والتخلف». لذلك فنابليون أراد فعلاً نشر أنوار الحضارة، فالحملة الفرنسية كان لها دور رئيسي مهم جداً في النهضة المصرية الحديثة. مهمة بلير وبوش التاريخية وبعد إسقاط الفاشية في العراق، ثارت ثائرة القوى المعادية لبوش وبلير، من اليمين واليسار المتطرفين الذين أعتقدوا خاطئاً بأن صدام حسين هو يساري وإشتراكي، لا لشيء إلا لأنه كان معادياً لأمريكا، رغم أنه دمر القوى اليسارية في العراق بسراديب التعذيب المظلمة وأحواض الأسيد المذيبة للأجساد البشرية. ومن هنا تنطبق عليهم مقولة لينين: (إن اليسار المتطرف واليمين المتطرف يلتقيان في نهاية المطاف ولكن عند حوافر الفرس). وهكذا التقى اليساريون في أوربا مع أعتى القوى اليمينية الرجعية بما فيها التنظيمات الإسلامية المتطرفة، بل وحتى مع قوى الإرهاب البعثي- القاعدي في العراق، كرهاً لأمريكا، واعتبروا هذا الإرهاب "مقاومة وطنية شريفة" قاموا بدعمها مادياً وتمجيدها معنوياً. بلير ولجنة الاستجواب والصحافة البريطانية دام الاستجواب ست ساعات، وخرج منها بلير منتصراً باعتراف العديد من خصومه في الصحافة البريطانية، (أدناه مقتطفات منها) وأنه كان يعمل وفق قناعاته وضميره دون أن يتأثر بابتزاز الشارع له، خاصة عندما يكون المرء في موقع المسؤولية الخطيرة كرئيس دولة كبرى مثل بريطانيا، يرى أمن بلاده مهدداً من قبل حكومة مارقة تخطط لامتلاك سلاح الدمار الشامل. فكما علقت صحيفة الاندبندنت المناهضة لتحرير العراق وبلير وبوش، كتبت على لسان بلير مانشيتاً يقول: "لا اعتذار.. لا ندم .. واذا عاد الامر لي، فان ايران ستكون الخطوة القادمة". وهنا تكمن عظمة بلير وشجاعته وصراحته وإلتزامه بالواقعية، وما تتطلبه سلامة الحضارة البشرية من إجراءات شجاعة لحمايتها من تهديدات بلطجية الدول المارقة من أمثال صدام حسين بالأمس، والرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، اليوم. موقف أعداء العراق من التحرير وسبب آخر للتذمر من بوش وبلير، أن البعض، وحتى من بعض الناس المؤيدين لإسقاط البعث، كانوا يتصورون أن العراق سيقفز مباشرة بعد تحريره، من استبداد البعث الفاشي إلى ديمقراطية الدول الغربية العريقة. وهذا مستحيل ومخالف لقوانين التطور الاجتماعي. وبما أن هذا التحول السريع لم يحصل مباشرة بعد سقوط حكم البعث، راح هؤلاء ومعهم البعثيون وأنصارهم، يروِّجون أن الشعب العراقي غير مهيأ للديمقراطية، وأن أمريكا فشلت في العراق. وهذا طبعاً مجرد تمنيات ورغبات، فالمشروع الأمريكي في تحرير العراق وبناء دولة ديمقراطية حقق نجاحاً كبيراً، حيث تحقق العديد من الإنجازات الكبرى في هذا المضمار، مثل: الدستور الدائم، والانتخابات العديدة، والبرلمان، وهناك عشرات الأحزاب ومئات الكيانات السياسية، ومئات الصحف، وعشرات الإذاعات والمحطات التلفزيونية الفضائية، معظمها تابعة للقطاع الخاص، وليس للحكومة أية وصاية عليها أو على حرية التعبير والتفكير. كما وهناك المئات من منظمات المجتمع المدني، والشعب مازال يتعلم قواعد الديمقراطية، والإرهاب في تراجع. وهذا انتصار للشعب العراقي كما هو انتصار لبير وبوش. ومن المفيد هنا أن نذكِّر القراء الكرام بما قاله الرئيس بوش بهذا الخصوص: "لقد مرت فترة كان العديد يقولون أن الثقافتين اليابانية والألمانية ليستا قادرتين على استدامة القيم الديموقراطية، لقد كانوا على خطأ والبعض يقول الشيء ذاته عن العراق، وهؤلاء أيضا مخطئون". ويؤكد "أننا لم نخلف وراءنا جيوش احتلال وإنما تركنا دساتير وهيئات برلمانية ولم نخلف أعداء دائمين بل وجدنا أصدقاء وحلفاء جدد". كما وقال في مكان آخر: "ان الديموقراطيات الناجحة تحتاج الى وقت كي تنمو كما فعلنا نحن. لقد استغرقت رحلتنا نحو الاندماج والعدالة 200 سنة". المهم هنا أن نجح الشعب العراقي، وبدعم من أصدقائه، في أزاحة العقبة الكبرى (حكم البعث) عن طريق الديمقراطية والحداثة، وراح يحث الخطى لبناء دولته العصرية الديمقراطية كتحدياً الصعاب. هذا الكلام من الصعب أن يفهمه ويقبله الذين تبرمجت عقولهم بالآيديولوجيات الشمولية التي أكل الدهر عليها وشرب، فهم سجناء كهوفهم المظلمة، ولا يستطيعون التفكير خارج صناديقهم المقفلة، ومصابون بعمى الألوان، فلا يفرقون بين التحرير والاحتلال. أجل، بلير المنتصر دائماً، لقد انتصر في تبوئ قيادة أعرق حزب ديمقراطي بريطاني يهتم بالعدالة الإجتماعية والحرية، وحقق الكثير من الانجازات للشعب البريطاني خلال رئاسته للحكومة لعشر سنوات، ولأول مرة أستطاع أن يفوز حزبه بقيادته لثلاث دورات برلمانية متتالية، وانتصر مع بوش في إسقاط أشرس وأعتى الأنظمة الرجعية الفاشية في العالم، حكم طالبان في أفغانستان والبعث الفاشي الصدامي في العراق. وحتى في استقالته من قيادة الحزب والحكومة في حزيران 2007، كان منتصراً حيث خرج مرفوع الرأس، ولأول مرة في تاريخ بريطانيا يصفق النواب ويقومون له احتراماً عندما غادر البرلمان بعد إلقاء خطبة الوداع. وآخر نصر حققه هو في يوم "ملحمة الساعات الست" في 29/1/2010، التي أفحم فيها لجنة تشيلكوت بكل رباطة جأش وصمود وصراحة وشجاعة وإصرار على صحة قراره في إسقاط الفاشية في العراق، وخرج منها منتصراً مرفوع الرأس باعتراف خصوصمه "لا اعتذار.. لا ندم .. واذا عاد الامر لي، فإن ايران ستكون الخطوة القادمة". |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت | عدد التعليقات: ٢ تعليق |