الرئيس السوداني يتحمل مسؤولية العديد من الجرائم
في مقابلة مع "دويتشة راديو كولتور" تحدث القاضي لويس مورينو أوكامبو، رئيس القضاة في المحكمة الجنائية العالمية والمسؤول عن ملاحقة ثلاث جنايات هي: الجرائم بحق الشعوب وبحق الإنسانية وجرائم الحرب، تحدث بالتفصيل عن الملاحقة القانونية الجارية بحق الرئيس السوداني عمر البشير مبينا تفاصيل هذه الملاحقة ومشيرا الى نتائج التحقيقات التي جرت في منطقة دارفور حول الجرائم بحق المواطنين العزل التي بني عليها قرار إعتقال البشير، حيث تم جمع العديد من الأدلة على تورط البشير في هذه الجرائم، كما ورد على لسان القاضي أوكامبو. ومن مهمات هذه المحكمة ملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم في البلدان التي وقعت على دستور المحكمة، ولا تشمل البلدان التي لم تصدق عليه والتي يعتبر السودان بضمنها، غير أن المحكمة وجدت مخرجا قانونيا لملاحقة البشير بعد أن نشط مجلس الأمن في ملاحقة الجرائم التي وقعت في دارفور، وبناء على ذلك تمكن مورينو أوكامبو من إصدار قرار الملاحقة القانونية للبشير الذي وافق عليه مجلس الأمن في شهر آذار الماضي.
في بداية الحوار أوضح أوكامبو أن البشير يتحمل المسؤولية في العديد من الجرائم التي ارتكبت بحق سكان دارفور مشيرا الى أن المحكمة لا تطلب التدخل مباشرة في السودان عن طريق القصف الجوي، بل تطالب الحكومة السودانية بأن تتحمل مسؤوليتها تجاه هذه الجرائم وأن تتخذ الإجراءات الكفيلة باعتقال البشير وتسليمه الى المحكمة لكي تبت في التهم الموجهة اليه وقال ان المحكمة ستواصل توجهها الى مجلس الأمن في حالة عدم حصول ذلك حتى تأخذ العدالة مجراها. وفي هذا الإطار تحدث عن محاكمة كل من سلوبودان ميلوسيفتش وتشارلس تايلور اللذين لم يفلتا من قبضة العدالة، ما يؤكد أن العدالة ستأخذ مجراها مهما طال الزمن. وينطبق هذا أيضا على البشير، كما يرى أوكامبو. "السؤال الوحيد كم سيستمر هؤلاء في ممارسة جرائمهم بحق البشرية." وهذا ما ينتظر عمر البشير كذلك، كما قال أوكامبو. وإجابة على سؤال يتعلق بكيفية إعتقال البشير وتقديمه الى المحاكمة أجاب أوكامبو "هذه عملية قد تستغرق فترة طويلة". وبين أن المحاكم الجنائية تسعى إلى مطاردة المتهمين وسجنهم في الحالات الإعتيادية، غير أن هذا لا ينطبق على البشير لـ "كونه رئيس دولة يقيم في بلده محاطا بحماياته.." لذا يرى أوكامبو ضرورة زيادة الضغط والملاحقة على البشير، حتى يفقد أهميته في البلاد، ولا يستطيع قضاء إجازته على شواطئ الريفييرا ولا أن يتبضع في فرانكفورت "فيكون عمليا سجينا في بلده.
هذه هي استراتيجيتنا أي زيادة الضغط، حتى يتم تسليمه لنا.." أما في ما يتعلق بردود الفعل الدولية المختلفة بصدد مذكرة الإعتقال فقد أكد أوكامبو على كونه يتحمل مسؤولية الملاحقة الدولية كقاض جنائي بهدف تحقيق القانون وهذا ما يتطلب من الهيئات الدولية التي ساهمت في تكوين هذه المحكمة أن تساعدها في عملها. وهو يرى أن قضية البشير هي عبارة عن اختبار لقدرة البشرية على الوقوف بوجه جرائم من هذا النوع. وطالب كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تمتنع من إعطاء البشير تأشيرات دخول، بل وأن تمنعه من دخول حدودها، وإلا فإن عليها أن تطلب منه، في حالة دخوله أراضيها بأن يخضع لقرار المحكمة الجنائية الدولية.
وأوضح أوكامبو أن المحكمة ستواصل الإصرار على مطلبها هذا في كل اللقاءات الثنائية والجماعية لدول العالم، مؤكدا في الوقت ذاته على الدور الحاسم للدول الأعضاء في الإتحاد الأفريقي، فهو يعتقد بأن على المنظمات الإقليمية أن تلعب دورا حاسما في تطبيق قرار الملاحقة. ويقع هذا أيضا، وفق أوكامبو على عاتق المواطنين البسطاء، حيث ينبغي عليهم ممارسة الضغط على الحكومات لدفعها بإتجاه تطبيق قرارات المحكمة. "نحن لسنا بحاجة الى جيوش ولا نحتاج الى أموال طائلة، فممارسة الضغوط الشعبية هو أمر لايكلف الكثير وله أثر كبير." وإجابة عن سؤال حول الطريقة التي تم من خلالها تقديم الشكوى ضد البشير بأن مجلس الأمن توجه اليه بتقرير يتحدث عن الجرائم البشعة التي تجري في اقليم دارفور في السودان، ما دفعه لأن يشرع في تحقيقاته حول تلك الجرائم في العام 2005 مركزا جهوده على البحث عن المسؤولين الأساسيين عن هذه الجرائم، وقد كشفت هذه التحقيقات عن الكثير من الجرائم التي جرت بحق سكان القرى ومن ضمنها تطويق قراهم من قبل ميليشيات الجنجويد وتهجيرهم الى الصحراء، حيث وجدوا أنفسهم معرضين للموت جوعا، ونهب ممتلكاتهم. من خلال ذلك أتضح له أن المسؤول عن هذه الجرائم هو شخص يدعى علي كشيب، وهو عضو في العديد من اللجان والهيئات الخاضعة لإشراف وزير الداخلية السوداني أحمد هارون. ويستطرد أوكامبو كلامه مشيرا الى أنه كتب الى الحكومة السودانية مطالبا إياها بتسليم هارون و علي كشيب الى المحكمة الدولية. وجاء رد البشير برفض تسليم الأشخاص المطلوبين، موضحا أن هارون يخضع لأوامره، من هنا فإنه هو المسؤول عما يقوم به هارون. على ضوء هذا الرد السلبي قرر أوكامبو أن يوسع تحقيقاته لتشمل البشير كذلك. "من هنا بدأت بجمع ما يكفي من الأدلة لإصدار مذكرة التوقيف بحق البشير."
من المعروف أن المحكمة الدولية الجنائية كانت قد تأسست في العام 2002 وقد التحق بها منذ ذلك الوقت 18 قاضيا كما أقر دستورها من قبل 108 دول، في الوقت الذي امتنعت فيه الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين من التوقيع عليه إضافة الى عدد من الدول الصغيرة ومن ضمنها السودان. في هذا الصدد يقول أوكامبو إن فكرة المحكمة الأساسية هي جديدة نسبيا، فهي قد تأسست لفرض قوة القانون تجاه العنف. وقد تمكنت المحكمة خلال الست سنوات الماضية أن تحقق الكثير، كما أنها على اتصال دائم بمجلس الأمن كذلك بصدد أوضاع دارفور. وأشار في هذا الصدد الى ان الصين رغم كونها ليست من ضمن البلدان التي وقعت على دستور المحكمة أكدت له التعامل مع المحكمة وتبادل المعلومات معها بخصوص الأوضاع في دارفور. "أما روسيا فقد توجهت الى المحكمة بشكاو تتعلق بإنتهاك حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة مع جورجيا." وينطبق الأمر كذلك على الولايات المتحدة، إذ أنها بدأت، كما يقول أوكاندو بالتخلي تدريجيا عن موقفها المتصلب "مما يؤكد على قوة الفكرة التي أدت الى تشكيل المحكمة." وأكد قناعته على أن أغلب بلدان العالم ستكون قد وقعت على هذه المعاهدة خلال العشرين سنة القادمة. "والا فاننا سنجد امامنا عالما لا يختلف عما عليه اقليم دارفور الآن."
هامش:
ولد لويس مورينو أوكامبو في العام 1952 في بوينس ايريس ودرس القانون في جامعتها وحصل على شهادة الدكتوراه في القانون في العام 1978.
عمل بعد ذلك كنائب للمدعي العام وأشتهر بملاحقته للجنرالات الذين كان يستند إليهم النظام الدكتاتوري السابق في الأرجنتين، وبعد ذلك شغل منصب المدعي العام ليتابع المسؤولين عن حرب جزر المالفين (فولكلاند). وقد تخلى عن منصبه بعد أن واجه الكثير من العراقيل في ملاحقة الجنرالات المسؤولين عن العديد من الجرائم بحق المدنيين. بعد ذلك عمل في العديد من الجامعات في الأرجنتين والولايات المتحدة حتى تم تعيينه في المحكمة الجنائية الدولية. |