بقلم: القس أيمن لويس
تطور الخطاب القبطي من المودة والخلاص إلى الخصومة والصراع:
تحدثنا في المقال السابق عن جوهر وطبيعة وخصائص الخطاب المسيحي وذكرنا أن الخطاب المنبري يختلف عن الإعلامي. فالأول تعليمي موجّه للمؤمنين وهو ما تحدثنا عنه، أما الثاني وهوالإعلامي موضوع حديثنا الآن، فهذا الخطاب يغلب عليه الطابع التبشيري الدعوي بأعتبار أنه موجه لمن هم خارج الكنيسة أى كان أنتمائهم الدينى على أعتبار أن التبشير ركن أساسى من أركان الإيمان، ثم من سمات الخطاب الإعلامى أيضا مواجهة الأراء النقدية والتشكيكية فى العقيدة وهو عمل مشروع طالما لم يخرج عن السلوك المقبول وفى الغالب هذا ما يقصده الكاتب فى مقالاته ويثير ضيقه وغضب الآخرين من فريق الأغلبية بمجتمعنا وقد سبق وتكلمت فى مقالين سابقين بهذه الجريدة، كما تم نشرهما ببعض المواقع الإلكترونية عن هذه الإشكالية تحت عنوان "الإنفلات الإعلامى والحوار والنقد الدينى".
وبعدما تأكدنا بالتحليل من خلال المقال السابق برأة الخطاب المنبرى المسيحى من التهمة الموجه له يبقى لنا إشكالية الخطاب الإعلامى وبخاصة البرامج الفضائية وهى محدوده ومعروفة القناة المقصودة، ولست أعلم ماذا يمكن أن تفعل الكنيسة بكل طوائفها ليصدق الجميع أن العمل فى هذه الفضائيات يتم من خلال توجهات شخصية وليس بخطة أو ترتيب من النظام الكنسى أو أنظمة سياسية أوهيئات دولية تأمرية حتى التمويل المادى هو عبارة عن تبرعات من أفراد أو كنائس محلية وطبعاً من خارج مصر، وأعلم أن ما أقوله يرفضه الاغلبيه فى منطقتنا لان الثقافه التى نشئنا فيها علمتنا ان الدين جزء من العمل السياسى والانظمه القائمه، وبالاضافه لما ذكرناه عن الخطاب الاعلامى فهو يقدم أيضًا نوع من أنواع حوار النقد الدينى وقد سبقنا المسؤلين عن الخطاب الاسلامى فى هذا العمل وقاموا بنقد كل أسس العقيده المسيحيه مثل التجسد الالهى وصلب السيد المسيح والوحده فى ثالوث والتشكيك فى عصمت الوحى (الكتاب المقدس)..الخ. وما ظهر من المسيحيين مؤخرًا فى هذا الامر ما هو إلا رد فعل لما قام ويقوم به حشد من الدعاة بالتعرض للعقيده المسيحيه وبكتابهم المقدس والتطول حتى على النص الدينى، وان كان ظهر من بعض المسيحيين طابع الهجوم او استخدام الاسلوب الاستفزازى والذى يحسبه البعض تطاول فاللوم الاكبر يقع على المبتداء، كما أن الامر لم يتعدى الحوار الفكرى الاكاديمى ولم يتطرق ابداً للتحريض بالاعتداء للأرتكاب أى أعمال عنف وللحقيقه أيضاً لم يصل الامر لحد السباب كما يدعى البعض لسبب بسيط وهو ان السباب فى العقيده المسيحيه منهى عنه"وأما الان فكتبت إليكم : إن كان أحد مدعو أخاً زانياً أو طماعاً أو عابد وثن أو شتاماً أو سكيراً أو خاطفًا، أن لا تخالطوا ولا تُؤاكلوا مثل هذا"(1كورنثوس11:5). "غير مجازين عن شر بشر أو عن شتيمه بشتيمه، بل بالعكس مباركين، عالمين أنكم لهذا دعيتم لكى ترثوا البركة"(1 بطرس9:3) وذلك أقتداًء بسيدنا ومخلصنا يسوع المسيح "الذى إذ شتم لم يكن يشتم عوضًا"(1بطرس23:2).
لذا فمن المؤكد أن العاملون بالخطاب الاعلامى حرصون على السلوك المسيحى ولاسيما لو كان منهم أحد الاباء الموقرين، وانى أرى أنه عوضاً عن الصياح والضجر والانفلات بسبب الاسلوب كان الاولى والاصوب عدم الالتفات للاسلوب بقدرالاهتمام بالرد الموضوعى المقنع على الماده النقديه المقدمه من المراجع مع الوضع فى الاعتبار رفضنا من حيث المبداء أسلوب الاستهزاء بالاخر أو استفزازه، إلا أنه من المؤسف ان الجميع هنا وهناك لايزال ينتهجون هذا السلوك المعيب، وان كان يصدر الامر من منطلق فردى من الجانب المسيحى حيث أن الكنيسه بجميع طوائفها ممثله فى قادتها تلتزم بروح الحكمه والسماحه المسيحيه للحد الذى يجعلها مرات فى موضع الاتهام بالضعف والجبن الا ان الامر يحدث من جانب الاغلبيه بموافقة الاجهزه الرسميه والقياديه !!. أننا نود ان نقول لكاتب المقالات كان الاجدر به ان يقدم لنا تناولا محايدا للمشكله قبل توجيه اللوم للمعتدى عليه ولا سيما انه لم يقدم لنا تصرفات او اقوال أو أفعال صدرت من الكنيسه الرسميه تعتبر دليل مقنع على تطور الخطاب القبطى من الموده للعداء، فبدا الامر لنا انه يحمل شيئا شخصى تجاه الكنيسه اكثر منه تناول لمشكله او ظاهره اجتماعيه. إن أقباسكم لما تحدث به البابا أثناء أحداث الخانكة موجهاً حديثه للكهنه"أنتم كم؟مائه وستون،عايزكم ترجعوا ستة عشركاهن،والباقى يفترشون الارض افتراشاً ويستشهدون" للتدليل على تحول الخطاب من الود للعداء إنما هو فى الحقيقة تحامل غير موضوعى.. أولاً لأنك تخفى ما حدث من أحداث جسيمة كانت سبباً لهذا الكلام..
ثانياً ليس عيباً أو حراماً أن يغضب الإنسان حينما يستوجب الأمر الفعل ومن حقه أن يعبر عن غضبه ففى كتابنا تقول الأية " أغضبوا ولا تخطئوا " (رو 12: 15) وعندما طالب من الكهنة الأستشهاد دفاعاً عن الكنيسة إنما يعنى الأستشهاد بحسب الفهم المسيحى وقد سبق وتكلمنا عنه فى مقال ( ثلاث كلمات سيئة السمعة، حلقة الجهاد ) والرجل لم يخطىء عندما طالب بصوم فى الكنيسة. لست أعلم..هل أصبح حتى ليس من حق المسيحيين التجاوب مع المشاعر الانسانيه الطبيعيه من أنفعالات ومعهم رموزهم الدينيون ؟!! وهل أصبح حتى الألتجاء لله وقت الشده والغضب تصرفاً يستحق اللوم وهو عمل يدعوا للخصومه والصراع ؟!! فليس فيما أستشهدت به سباً أوتحريضاً أو أو.. فأين العداء إذا ً ؟!! أى ثقافه هذه التى ترفض أى مظهر من الاحتجاج للانسان حتى لو سلمياً ؟!!. وما يؤكد التحامل انه يُرجع أن بداية الخطاب العدائى تزامن مع بداية تولية البابا القياده متجاهلاً الاحداث السياسيه فى هذا الوقت وتزاوج السلطة مع تيار الاسلام السياسى وما نتج عنه من اعتداءات على المسيحيين بدايتها احداث الخانكه واخرها حتى كتابة هذه السطور احداث فرشوط وكتابات محمد عماره ويوسف زيدان وتصريحات زغلول النجار.. الخ، اليس من العجيب ان يتجاهل احداً بقامة وفهم الاستاذ الجليل كل ما يحدث للمسيحيين من أضطهاد مما نسمعه من مكبرات المساجد وشرائط الكسيت والاذاعه والتلفزيون ونقراءه فى الصحف والمطبوعات والمناهج الدراسيه ولا تحرك له ساكن، بينما تثيره علامات الغضب من الكنيسه وقادتها ويعتبره خصومه وصراع ؟!!.
ومن الاسانيد التى أستند عليها أيضاً لتأكيد ما يرمى به الخطاب المسيحى خطاب أسقف القوصية الأنبا توماس فى معهد هدسون بواشنطن وأعتبارها أنها سلسلة من المغالطات والأكاذيب والزيوف على حد قوله وبها يعلن رفضه لفكرة المواطنه أى الاسقف. والحقيقه هى أن الكاتب يعلن رفضه أن يكون لأحد من الأقباط رأىً مخالف فى قرأة التاريخ والاحداث عن الذى يتم بثه وتخزينه فى عقول المجتمع، متجاهلاً الأحداث والدوافع التى منها خرج الخطاب وهى حقيقيه، فالواقع والحقيقة أنه لنا رؤيا مختلفة فيما يقدم لنا من تعليم موجه فى الأحداث التاريخية ولنا كثير من الملاحظات على سرد التاريخ فى مجتمعنا حيث يغلفه جانب كبير من التحيز أكثر من الموضوعية والصدق ؟ فلست أعلم لماذا ترى أن خطاب أسقف القوصية خروج على مبدء المواطنة ؟ مع أن مضمونه هو ترسيخ المواطنه ورفض ضغوط الأسلمه. فنحن لم ننادى ابداً بدولة قبطية ولامسيحية بل بدولة مصرية مدنية تسمح بالتعددية على أن تكون الديانة لله.
وهكذا نرى أن خطاب المفكر الكبير لايخرج عن كونه لوم وأنتقاد للمسيحييين من كبيرهم لصغيرهم، فلم يذكرلنا ولا كلمه واحده يرى فيها أن المسيحيين يواجهون أى نوع من المتاعب أو التجاوزات بل يرى ان الصوره ورديه ونحن نراه يعيش حاله من النرجسيه التى من خلالها يطالبنا أنه ينبغى علينا العوده للعقل والكف عن جحودنا لتنكرنا لجميل من حمونا من الرومان.. أستاذنا الفاضل اليس من غير المنطقى ان يعطى فريق نفسه الحق فى مهاجمة الاخر ونقده والتعرض لمعتقداته بالازدراء وتشكيك اتباعه فى إيمانهم ليقدم دعوته على انقاض الاخرين بينما يرفض بشده ممارسة الاخر لهذا الحق ويعتبره أعتداءً وتحريضًا !! عزيزى الاستاذ جمال البنا وأنت القارىء المطلع أليس بقراءه عابره للعهد الجديد يتضح لك أن نصوص الوحى تامر المسيحيين بالدفاع عن أيمانهم بالحوار وبالكتب "لأنه كان بشتداد يفحم اليهود جهرًا، مبينًابالكتب أن يسوع هو المسيح"(أعمال28:18)، "فقبلوا الكلمه بكل نشاط فاحصين الكتب كل يوم : هل هذه الأمور هكذا؟"(أعمال11:17) حتى وأن وصل الامر للاستشهاد وهذا ما فعله الرسل عبر التاريخ الكنسى. من هنا نستطيع أن نقول أن الخطاب المسيحى لم يخرج بعد عن جوهره ومضمونه وهو الحوار السمح وإن كان يحتاج الى تطوير فهو غير ما تقصد وليس المجال الان لهذا الموضوع. أعلم اننا نتكلم من خلال منطق مختلف انت تتكلم من منطلق الدوله الدينيه كامر مسلم به والتى تمنح تابعيها امتيازات خاصه من مبداء وحدة الدين والسياسه ونحن نتكلم من منطلق الدوله المدنيه التى تؤمن بالمواطنه والمساواه بين أبناء الوطن الواحد بمبداء فصل الدين عن السياسه..
عزيزى القارىء يهمنا أن تميز إن دفاعنا هذا ليس القصد منه هو الدفاع عن رموز دينيه نكن لها التقدير والاحترام من خلال دوافع عاطفيه، بل افهم انك تدرك أننا تخطينا مرحلة الانسياق وراء المشاعر، بقدر ما هو رغبه لأظهار مقاصد غافله على النحو الاشمل. والان بعد ما قلنا وجهة نظرنا فى موضوع الاتهام الموجه للخطاب المسيحى القبطى. يبقى لنا التعليق على بعض الاشارات الاخرى التى وردة بالمقالات أنتظرونا بمشيئة الرب. |