CET 00:00:00 - 03/03/2009

مقالات مختارة

بقلم: سمير مرقس

 (١)
لم أصدق نفسى وأنا أسمع أحد نواب البرلمان المصرى يحرِّض الناس على عدم تنفيذ بعض بنود قانون الطفل، بعد أن أقره مجلس الشعب.. حدث هذا فى أحد البرامج الجماهيرية التى يبثها التليفزيون المصرى الرسمى.. ومصدر عدم التصديق هو أن أى قانون، ما إن يقره البرلمان وينشر فى الجريدة الرسمية حتى يصبح محل التنفيذ، وأى معارضة له قبل إقراره، سواء أثناء إعداده أو مناقشته وهو لم يزل مشروع قانون، تصبح منتهية بمجرد الموافقة عليه..

وأى تصويب للقانون بعد إقراره ينبغى أن يتم من خلال الوسائل الشرعية المتعارف عليها.. ولكن أن يدعو النائب البرلمانى المواطنين إلى عدم الالتزام ببعض البنود التى جاءت فى القانون، ومن خلال تليفزيون الدولة، فهذا أمر غير مقبول، ويتعارض مع الأعراف البرلمانية وتقاليد السلطة التشريعية المتعارف عليها تاريخيا.

بالطبع من حق الناس أن يعرفوا مَنْ من النواب أو من الأحزاب كانوا مع، أو ضد، القانون.. ولماذا، وأن يتم تسجيل ذلك فى مضابط البرلمان بالطبع مع الحرص على ألا يتم تسجيل أمور قد تكون متعارضة مع العلم وذلك بتأثير السياسة.. ولكن أن يحرِّض المشرِّع الناس على عدم الامتثال للشرعية فهو أمر لا يمكن تصديقه.

(٢)

الطامة الكبرى أنه بالإضافة إلى ما سبق.. فإن النائب، فى محاولة منه لتبرير «فعل التحريض»، قال: « بسبب أن هذه البنود تتعارض مع الشريعة الإسلامية».. هكذا وببساطة شديدة، ومن أجل تدعيم موقفه المناهض من بعض بنود القانون، يضع النائب البرلمانى من يشاهدون البرنامج التليفزيونى فى مواجهة مع تديُّنهم وإيمانهم.. فلم يعد الأمر مجرد الحض على عدم تنفيذ قانون وإنما وضع المواطن فى:

* حالة تناقض بين «الولاء الدينى المطلق» (أو ما يعرف فى أدبيات المواطنة)بـ Pietization، فى مواجهة الولائية الوطنية الدستورية Constitutional Patriotism. ولعل هذا التناقض من أخطر ما قد يتعرض له مجتمع هو هذا الشعور بالانقسام.. وكأنه يعيش فى واقعين متناقضين أحدهما «سياسى ـ مدنى»، والآخر «دينى ـ مقدس»..

 أو كأن الواقع الأول يستمد شرعيته من الله كى يعيش فى مدينة الله، أما الواقع الثانى فيستمد شرعيته من الدستور الوطنى، ما يعنى أنه يعيش مدينة الإنسان الزمنية.. أو لنقل إنها حالة من حالات الخصومة المجتمعية، حيث ينقسم المجتمع إلى مجتمعين.. وينقسم المواطن بين شرعيتين..

إنه ما يمكن أن نسميه «تناقض الولاءات».. وعلى الرغم من الأسانيد التى وردت على لسان مشاركين آخرين فى البرنامج التليفزيونى من حيث سلامة الموقف الدينى الداعم لقانون الطفل بما تضمن من بنود، وبخاصة ما يتعلق بمناهضة الختان، والإشارة إلى فتويين تاريخيتين حاسمتين:

الأولى للإمام رشيد رضا، والثانية للشيخ القرضاوى، فى هذا المقام تحرِّمان هذه العادة الضارة، ومن حيث إنها عادة غير مقبولة طبيا ولا توجد فى كتب الطب وتسبب خطورة شديدة على البنات.. إلا أن النائب ظل على موقفه المحرِّض والباعث على الشعور بالتناقض بين الولاءات.

(٣)

لا شك أن هذه الواقعة، التى لو رواها لى أحد كنت سأتصوره مبالغًا، بالإضافة إلى ما كتبته فى الأسبوع الماضى، والذى أشرنا فيه إلى الحوار الذى دار فى البرلمان، وأظهر كما لو كان التمثيل النيابى يقوم على أساس دينى-تحتاج إلى مراجعة شديدة..

فأنا دائما أطرح على نفسى وعلى آخرين أهمية مراعاة ما يبدر عنا من كلمات ومواقف، فكل كلمة نقولها أو موقف نأخذه يحمل رسالةً ما بالنسبة للآخرين، وبخاصة الأجيال الجديدة (٨٠% من سكان مصر تحت سن الأربعين، أى ما يزيد على الـ ٦٠ مليون نسمة/ نصفهم تحت سن الـ ١٥).. ولابد من التأكد من أن هذه الرسالة للبناء والتقدم وليس الهدم.
*نقلاً عن المصري اليوم

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع