بقلم / ماريان جرجس
كان يعشق الحياة.. استرغد العيش.. زواه الدهر في كل مناحي المتعة ودهسه في سواقيه التي تدور بلا توقف.. تأخذه معها وقد تخيل أنه هو الذي اصطحبها في رحلة دائرية أو حتى تخيل أن بيده أن يوقفها تارة من ساعة الزمان، ولكن هيهات.... لم يكن الحال هكذا على الإطلاق.
هو رجل في منتصف العمر في زهوة الشباب وزهوة الحياة.. كان يملك الكثير -في نظر مَن سكنوا العالم- كان لديه المال والنفوذ، الصحة والنشوة, ولكنه كان أفقر رجل في نظر مَن سكنوا السماء وعرفوا إلهها!
فكان لا يعرف له إله.. ولكن إلهه عرفه من قبل أن يخلقه.. ابتعد عنه بكل الطرق وساقته الحياة إلى المصير الطبيعي والمحتوم على كل نفس تنغمس في ملذات الحياة التي سرعان ما تذهب صلاحيتها وتفسد كحال الأطعمة عندما يهزم الزمن صالحها..
وبعدما كان يعتلي عرش العالم نزل إلى أسفله عندما فقد المال والجاه والصحة وجلس لا يملك إلا حطام إنسان مجهول المصير وتسأل في نفسه قائلاً: تُرى ما الذي أودىَ بحياتي إلى تلك النقطة؟
فلقد كانت الحياة حليفتي وبدون سابق وعيد أنهتني.. ترى لماذا؟؟ لماذا؟؟!
وعندما ذبحته الأسئلة التي بلا إجابات جن جنونه وذهب عقله إلى طريق اللا عودة فساقته قدميه إلى مكان عال مرتفع بعد أن ملأت الأوجاع بين ضلوعه وتضاءلت الحياة الواسعة التي عاشها إلى نقطة لا تسوى فقرر أن يلقيها عندما ألقى بنفسه من ذلك الارتفاع الشاهق الذي كان سيمنحه الحل القاطع... ولم يتردد بفعلته الآثمة وما أسرع الجاذبية التي سرعان ما وجدت نفس ساقطة تشدها إلى القاع.. ولما كان الارتفاع عال جداً.. أخذ جسده ينقلب عدة مرات في الهواء...
وفي تلك الدقيقة تراءت له الدنيا التي هي نفسها التي كان يحيا بها في الأمس ولكن في شكل مختلف تماماً... كانت منقلبة ولكن في الحقيقة كانت بمشهدها الحقيقي دون زيف.. فالملاهي التي كان يمضي أوقاته بها ظهرت بوجهها القبيح والأناس الذين أمضى معهم أوقاته السعيدة -في نظره- رآهم دون أقنعة وهم سعيدين بسقوطه ربما أو لا يعبئون به أساساً على عكس ما تظاهروا به يوماً ما..
وقرب أن تنته تلك الرحلة القصيرة.. رأى ما لم تلمحه عينيه قبل ذلك.. رأى أناس آخرون وأطفال كانوا متألمين لأجله رغم أنه لم يعبأ بهم من قبل.. حينئذ أدرك الجواب لكل سؤال وصرخ: لماذا لم تساعدني يا إله هذا الكون؟! يا ليتني عرفتك.. وأغمض عينيه بعد أن أيقن إن الوقت قد فات وأن كل شيء سيتحطم كما سيتحطم جسده بعد أقل من جزء من الثانية.. وساد الصمت مسيطراً على فكره وإحساسه وكل نقطه دم تجري في جسده.
ولكن لا !!يا للعجب...!!!! فقد شعر أنه وقع على سطح أملس ولا ألم أو كسور أو.. فتح عينيه فجأة ليجد نفسه أمام وجه عظيم قائلاً له: (لأنه يوصي ملائكته بك ليحفظونك وعلى أيديهم يحملونك لئلا تعثر بحجر رجلك).
إلى هنا أيقن مرتعداً... أنه أمام الإله الحقيقي ولكن روحه لم تفارق جسده و خر باكياً وعرف أن أمنيته تحققت وأنه تعرف عليه وأصبحت أول دقيقة جديدة في عمره هي ذات الدقيقة التي كانت إلا خيره...
ومن هنا بدأ عمره الذي وهبه الله له ولم يتركه أبداً وعلم أن محاولة انتحاره ما قتلت إلا الإنسان القديم الذي كان يحيا بداخله وأخذ يعشق الحياة مرة أخرى ودارت ساقية الزمن مرة ثانية في الاتجاه الصحيح ولكن تلك المرة قادته إلى أعالي العالم وليس إالى أسفله وكان يقول إلى كل من يعرفه أن حياته هي وليدة دقيقة في مهب الريح......! |