CET 22:47:34 - 20/01/2010

مساحة رأي

بقلم: هانى مينا ميخائيل
 تدور حولنا أحاديث وآراء المصريين وردود فعل، يبدو فيها الإختلاف بل العداء أحيانا فى التقييم، بخصوص وقائع الإستشهاد والإضطهاد فى تاريخ الكنيسة قديما وحديثا، بل وفى أساليب الحوار عموما فى الإعلام والكنيسة أيضا، بين ناقد ومدافع.
و أعتقد أن السبب الرئيسى لهذا الإختلاف أو العداء الظاهرى، هو داء إجتماعى وحضارى وهو غياب الوضوح والتمييز بين الفعل والفاعل فى حواراتنا، ونظرتنا لكل منهما على حدة، بأسلوب منطقى ومتحضر والذى هو أسلوب الرب يسوع المسيح نفسه.
و يظهر هذا العنف الشفاهى أيضا أحيانا بين آراء من ينتقد بعض أفعال وتعاليم قيادات كنسية، وآراء من يستميتون فى الدفاع عن هذه القيادات، ظنا منهم أن نقد الأفعال هو هو بذاته نقد الفاعلين (أو حتى إهانتهم!).
وبتبنى الدفاع عن الفاعل وتأكيد إحترامه (الواجب قطعا)، يخطىء المدافعون ويحاولون تصوير الفعل الخطأ ذاته على أنه قمة الحكمة والبر! وبذلك يَتهمُ المدافعون الأخوة الناقدين على أنهم أعداء للكنيسة، أو فى أفضل الأحيان أعداء لأشخاص القيادات المنتقدة أنفسهم، مع أن لا هذا ولا ذاك هو الصحيح المقصود من النقد الموجه للأفعال وليس لأشخاص الفاعلين.
لو ميزنا بوضوح، كما فى أى نقد أو إعتراض راقى ومتحضر وعلمي بين الفعل والفاعل لما قرأنا الكثير من المقالات الهجومية أو الدفاعية التى هى كلها وليدة الخطأ الواحد، وهو الخلط وعدم التمييز بين الفعل والفاعل (و بدون أدنى داعى). يجب أن نميز جيدا ونفصل بين الفعل والفاعل كما أن الله يفصل ويميز بين الخاطى المحبوب جدا لقلب الله، والخطية الكريهة جدا فى عينى الله، لا لأن الخطية تهين الله، حاشا، فالله لا يُهان بكل شر الخليقة ولو زدناه أضعافا مضاعفة (أيوب 35).
إنما الله، كأب محب يحزن علينا (سلف!) ويتأسف علينا بسبب الموت الذى تنتجه الخطية ذاتها فى كيان الخاطى (و ليس الله بقصّاصٍ عادلٍ، كما يدعى البعض).
ولهذا يغضب الله على الخطية وليس على الخاطى (الذى يحبه ويحترمه الله : الله لا يشاء موت الخاطى بل أن الخاطى يرجع ويحيا). ولذا يقوم الله ليصنع الخلاص علانية، لكى ينتقم من الخطية (رباطات الظلم، كما فى صلاة التحليل) وليس لينتقم من الخاطى الحبيب جدا إلى قلب الله.
وهذا الموقف هو ذاته موقف الطبيب الواعى الذى يحب ويشفق على المريض من كل قلبه ولكنه يكره المرض بكل ما أوتى من قوة وعلم ويسعى جاهدا لفضح المرض (أى تشخيصه بدقة) لكى يقضى على المرض ويخلص المريض منه.
 نأتى لموقفنا من القتلة والمضطهدين للكنيسة: هناك من ينادى بالصمت ويخطىء تفسير (أنتم تصمتون والرب يدافع عنكم) فى غير سياقه، وهناك آخر ينادى بشنق الجناة لتحقيق العدل!!! لا هذا ولا ذاك يحقق الدفاع أو العدل المسيحى (نسبة إلى المسيح ذاته).
الصمت هو قطعا إساءة تفسير حديث الرب عن المغفرة لمن يسىء إلى أنا كشخص على إستعداد للتنازل عن حقى الشخصى، إن أردت ذلك (و إن كنت يحق لى أن أقف أيضا موقف الرب نفسه من الذى لطمه أثناء محاكمته بدون أن يثبت على الرب عمل أى شيء ردىء، وأعترض دفاعا عن نفسى - إن شئت).
أما معاقبة الجناة فهذا فى حقيقة الأمر يكون فقط لردع أمثالهم فى المستقبل، ولكن هذا الردع لايصنع العدل بمعناه الحقيقى : لأنه لا يعيد لنا الحياة المسفوكة ولا يُصلح الجُرم!!! أعلم أن هذا حديث فيه رائحة من الغرابة والتطرف السلبى لمسامع البعض، ولكن دعونى أشرح ما أقصد : إن كسر أخى ذراعى، فالعدل الحقيقى لا يتحقق أبدا إلا بإرجاع ذراعى إلى وضعه الصحيح والسليم قبل الكسر !!! الفعل الماضى "عَدَلَ" معناه الوحيد الكامل هو إعادة الحال المائل إلى نصابه الصحيح، أو الشىء الذى أصابه الضرر إلى حالته الأصلية ، أو المائت إلى الحياة.
هذا هو عدل الله. هذا هو معنى الفداء اللغوى الحقيقى والمسيحى. لذلك نحن أبناء الكنيسة نترجى عدل الله فقط. أما معاقبة الجناة فهذا ما يتوقعه ويطالب به المجتمع البشرى من الدولة، وهو ما يطالب به السياسيون، بإسم الدولة والنظام، وردع جناة المستقبل إن كانوا هم ومن يحرضهم يرتدعون: مع أن أبونا إبراهيم قد قال للغنى الغبى: عندهم موسى والأنبياء، ليسمعوا لهم، لأن منهم من لن يرتدع ولا حتى لو قام لهم ميت من الأموات ليعظهم!!! نحن نحب أعدائنا جميعا ونغفر لهم جميعا، ونصلى لأجلهم ونطلب لهم البركة، كما الرب أيضا.
نحن نميّز بين المجرم والجريمة. نحن ندين الجريمة ولا نطالب بالتشفى من المجرم، بإسم المسيح أو الكنيسة.. نحن نصلى لكل خاطى أن يتوب ويتعرف على نور المسيح رئيس السلام وصانعه ومعطيه.
 
ولكننا أيضا لنا كل الحق أن نطالب بكل الطرق السلمية وبلا أى عنف، ولا حتى فى الحديث، كما علمنا الرب، ونتوقع من الدولة أن: تعترف بكل ما هو معوج وما ينادى بعدم إحترام الآخر، وأن تصلح المعوج من جذوره ( خاصة فى مجالات التعليم والإعلام والخطاب الدينى وحق بناء الكنائس) وأن تسمع لنداء العقلاء المصريين، المسلمين قبل المسيحيين، اللذين بُحّت أصواتهم وهم ينادون بالدولة المدنية كحقيقة واضحة لا كشعارات جوفاء، وفصل الدين عن كل ما هو للدولة (التى هى ليست شخصا يمكنه أن يؤمن ولا يؤمن!) خاصة فى مواد الدستور والقوانين؛ وإلغاء كل ما من شأنه إعطاء الفرصة للبعض لتفسير القوانين والأحكام بأى صبغة دينية غير مدنية، وكذلك إلغاء خانة الديانة فى كل الأوراق الثبوتية.
تحقيق المطالب المذكورة، والمتكررة لسنوات عديدة، يجب أن يكون هو محور وبؤرة حوار السياسيين المصريين (المسلمين قبل المسيحيين) والدولة، وليس لقيادات الكنيسة أن تنزل إلى ملعب السياسة؛ ليس هذا مجالها ولا رسالتها ولا يحفظ لها إحترامها الواجب.
ليكن ما لقيصر لمن يلعبون الدور السياسى فى ملعب قيصر، وأما الكنيسة كقيادة روحية فلها النفوس وخلاصها، هم مجالها وملكوتها، قبل أن يطلب الرب منهم دمها. وفى الكنيسة نتوقع من كل خادم للإنجيل أن لا يتطرف نحو التفسيرات الخاطئة لآيات الكتاب المقدس بحيث تبدو كأنها تدعوا للصمت والخنوع، ولا أيضا للمطالبة بالقصاص بإسم المسيح، فهذا أمر قبيح. القصاص دوره للردع فقط ولا يحقق أى من هذه المطالب المذكورة ولا يحقق العدل المنشود.
لا يصح إضاعة فرص الحوار فى البرامج الإعلامية حول القصاص ومن المجرم ومن المحرض. هؤلاء جميعا هم مجرد أعراض المرض وليسوا المرض ذاته. ليكن الإصلاح الشامل هو بؤرة ومحور الحوار دائما، مهما حاول بعض مقدمى البرامج التليفزيونية الإصرار على التشويش فى الحديث وإتاهة الضيف القبطى كما رأينا فى العديد من البرامج مؤخرا. القصاص للردع هو مجال دعوة السياسيين والقانونيين ومن وضعت عليهم المسؤلية أمام الله لحفظ النظام والدولة من التفكك والإنهيار، مسلمين ومسيحيين علمانيين .
المطالبة بالقصاص لا تكون بإسم الكنيسة ولا المسيح لأن مملكته ليست من هذا العالم، بل بإسم الدولة والقانون، كما علمنا أبونا متى المسكين أيضا. أما إشراقة نور المسيح فى القلوب، وهو وحده ما يحقق العدل والسلام الحقيقى للإنسانية كلها، فهو مجال الصلاة ... الغافرة، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ... لأنهم لو علموا لما صلبوا رب المجد فى مصر (رؤ 11)
 
طبيب إستشارى بإنجلترا

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق

الكاتب

هانى مينا ميخائيل

فهرس مقالات الكاتب
راسل الكاتب

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

مواضيع أخرى للكاتب

الفعل أم الفاعل؟ شتان الفارق

جديد الموقع