CET 09:22:20 - 19/01/2010

مقالات مختارة

بقلم: د. نوال السعداوى

دق جرس التليفون فى بيتى مع بداية العام الجديد ٢٠١٠، جاءنى صوت صديقتى منذ الدراسة، واحدة من القليلات طويلات العمر، ذوات النفس الطويل، وقفت إلى جوارى فى الملمات، تفرح بأى بادرة أمل، قطرة ضوء فى الخضم المظلم، قالت صديقتى.

الجرانيل بقت شبه بعض يا نوال، حكومة ومعارضة، المانشتات الحمرا والزرقا والخضرا والسودا والصفرا، صفايح حبر وفضايح، سياسة ودين وجنس، وجوه مكررة مكررة، زعماء فكر وسياسة ودين وأدب وفن، كلهم شبه بعض، الطاعة والولاء والنفاق، السهر بالليل مع السلطات والخيرات، فى الصبح يلبسوا بدل المعارضة والنضال، كلامهم شبه بعض، العلم والإيمان ومحاربة الفقر والاستعمار، كلهم ضد الفساد، طبعا الفاسدون أكثر حربا ضد الفساد من غيرهم غير الفاسدين، حاجة تلخبط يا نوال، لكن فيه أصوات جديدة بدأت تساندك وتؤيد أفكارك، مش الشتيمة إياها والاتهامات اللى شاعت عنك سنة ورا سنة، بشائر خير مع السنة الجديدة.

صديقتى مختلفة عن الآخرين، لا تبتهج بالأخبار السيئة عنى، تبحث دائما عن كلمات طيبة تساندنى، أخبار مفرحة، إنها صديقة عمرى، لا يعرف أحد اسمها، ليست مشهورة ولا تريد أن تكون، تربطنى بها صداقة منذ الطفولة، أقوى من روابط الدم والرحم والعرق أو الدين أو الجنس أو الجنسية، رابطة الإنسانية العليا فوق كل الروابط والهويات.

قرأت لى صديقتى عبر التليفون بعض ما نشر فى بداية يناير ٢٠١٠، كاتبة شابة جديدة اسمها نادين البدير، ليست من مصر يا نوال، من السعودية تصورى؟

أكثر شجاعة من الكثيرات هنا، أصبحنا أكثر تخلفا من كل البلاد العربية، بما فيها بلاد الخليج، تدافع عن الصدق والحرية والعدل بجرأة جديدة اتهمتها بعض الوسائل الإعلامية بأنها تشبهك فى أفكارها، ردت عليهم وتساءلت ما الغلط؟ قرأت كتاباتك وهى مراهقة فانفتحت عيناها على حقائق مهمة وأخطاء نكتبها يوميا ونعدها أمرا عاديا، بينما هى أقسى اضطهاد للإنسان، وتساءلت نادين، ما السبب الذى يدعو الرجال لمعارضة كاتبة مثلك؟

هل يخشون أن تتمرد نساؤهم وبناتهم؟ فأطلقوا عليك مسميات مريبة؟ حتى خشيت النساء من الموافقة على أفكارك المتقدمة، رغم أنها فى صالح حرياتهن، تقول إنها لم تعد تجد حركة نسوية فى مصر أو البلاد العربية، وإن حدث وحصلت المرأة على قانون ما فيكون غالبا بسبب الضغط الخارجى، يفرض على الأنظمة العربية والخليجية تغيير واقع نسائها، ظهرت الوزيرات بطريقة مفاجئة فى بلدان لا تزال المرأة فيها ممنوعة من الخروج من المنزل إلا بإذن، ثم تختم مقالها قائلة، حركتك وأفكارك تبشر بدلائل عهد حريات نسوية جديدة، ستتبعها مجموعات كبيرة، تفخر بانتمائها لصفوف تلميذاتك كما تفخر هى حين يأتى ذكر اسمك مع كل حديث أو نقد عنها.

أليست هذه بشائر مستقبل أفضل يا نوال؟ بعد هذا الصمت الطويل للنساء المصريات والعربيات عن أعمالك؟ أخيرا نطقت امرأة شابة وكسرت حاجز الخوف!

ثم قالت صديقتى: يقولون عنك عدوة الرجل، لكن ها هو رجل يكذبهم، سأقرأ لك ما يقوله المخرج السينمائى المصرى، أسامة فوزى، حين سألته المحررة عن أكثر الشخصيات التى أثرت فى تكوين شخصيته، أول من ذكرهم هو أنت، حين قرأ كتابك «الأنثى هى الأصل»، تنبه لأشياء كثيرة ونوع جديد من المناطق أجابت عن تساؤلات كثيرة داخله، واهتمامات بالإنسان والأدب والفلسفة وعلم النفس فكنت فارقة فى حياته. أليست هذه بشائر لمستقبل أفضل؟ نادرا ما ينشر عنك فى الصحف والإعلام مثل هذه الكلمات الإيجابية.

لماذا يتم سحل المفكرين المبدعين من الرجال والنساء فى كل زمان ومكان؟ لماذا تفزع السلطات الحاكمة فى الدولة والعائلة من الفكر المبدع الحر؟ لماذا تشعر التيارات الدينية السائدة بالرعب أمام أى فكر جديد يرفع الحجاب عن العقول؟ ما سر عدائهم للعلوم والفنون؟

أن تهدف الردة السياسية والدينية إلى قهر المرأة والفنان معا؟ كلاهما لا يملك الأسلحة التى تحمى الدولة والمؤسسات الدينية: الجيش، البوليس، المال، الإعلام، الثقافة والتعليم، هذه القوى السائدة فى كل بلاد العالم، تترابط وتتحد ضد من ينشد مستقبلا أكثر عدلا وحرية وصدقا، الفن الصادق بطبيعته ينشد العدل والحرية، المرأة الصادقة بالمثل تنشد العدل والحرية، أخطر شىء يحدث للمرأة هو حجاب العقل، يجعلها تدافع عن نظام يقهرها ويسلبها حريتها، هذه هى العبودية فى أقسى صورها، حين يقف العبد ضد نفسه للدفاع عن الظلم،

حين تتحول المرأة المقهورة إلى قاهرة لذاتها، حين تعتبر كيانها كله عورة يجب أن تختفى تماما إلا عيناً واحدة أو نصف عين، هذا العالم أليس به دولة واحدة فيها عدالة اجتماعية وديمقراطية حقيقية؟ تختلف نسبة العدالة والديمقراطية من دولة إلى دولة، حسب درجة الوعى وقوة التنظيمات الشعبية نساء ورجالا وأطفالا، حتى الأطفال فى حاجة إلى تنظيم أنفسهم ضد القهر الطبقى الأبوى.

وفى الأسرة الصغيرة ألا يقهر الرجال نساءهم وبناتهم حسب العرف والشرع والقانون؟ ألا يقف القانون مع الأب لمجرد أنه رجل ضد مصلحة الأطفال والأسرة؟

يوم الخميس ٣١ ديسمبر ٢٠٠٩ قرأنا فى الصحف هذا الخبر:

أعلنت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة حق الولاية الكاملة للأب المطلق على أبنائه، ومن ثم أحقية الأب فى ممارسة الولاية التعليمية على أبنائه بصفته ولى الأمر الطبيعى عليهم، هكذا حسمت المحكمة الجدل المثار حول من له حق الولاية على أبناء المطلقين.

هذا الحكم يعنى أن الأب الذى طلق زوجته ليتزوج بأخرى أو لسبب آخر أقل أو أكثر سوءا، وبصرف النظر عن كفاءة الأب أو مستواه التعليمى أو استقامة أخلاقه، فإن له الحق فى نقل أبنائه من مدرسة إلى مدرسة واختيار نوع التعليم لهم دون أى اعتبار لرأى الأبناء أو رأى أمهم الحاضنة لهم، وإن كانت هذه الأم أكثر خلقا وأكثر كفاءة وأعلى تعليما وأكثر رعاية واهتماما بمصلحة الأسرة والأبناء عن أبيهم، فهى لا تملك حق الولاية التعليمية عليهم لمجرد أنها امرأة.

ألا يستند هذا القرار إلى قانون عنصرى ومنافى للعدل؟ لأنه يميز الرجل على المرأة بسبب النوع أو الجنس، وبالتالى يتنافى مع الدستور المصرى ومع كل مواثيق حقوق الإنسان الدولية؟

هذا مثل واحد على الظلم الواضح للأطفال والنساء فى ظل القانون المصرى، المفروض حسب المنطق والعدل، أن تكون الولاية فى الأسرة للأصلح، ليس للرجل لمجرد أنه ولد من بطن أمه ذكرا.

ثم ينكرون أن للطفل قضية، ينكرون أن للمرأة قضية، يصفون المدافعات عن حقوق النساء بالشذوذ والاسترجال أو الإباحية والكفر أو التآمر مع الغرب والأعداء ضد الوطن والدين.

رغم ذلك هناك أمل كبير، سيكون المستقبل أفضل وأكثر عدلا وحرية، الأمل قوة دافعة لا مثيل لها، الأجيال الشابة الجديدة بدأت تعبر عن نفسها بشجاعة نساء ورجالا، فى مصر والسعودية وكل البلاد العربية، علينا أن نساند كل من ينطق بكلمة صدق.

نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع