CET 00:00:00 - 02/04/2009

المصري افندي

بقلم / أماني موسى
بقدوم أول أبريل الذي شاع بين الناس صيته بعلامة تميزه عن بقية شهور السنة ألا وهي (كدبة أبريل) ويتسارع الجميع في صنعها وتمثيلها وإخراجها كنوع من المزح والفكاهة، ولكننا لو دققنا النظر في حال شارعنا المصري بأفراده ومؤسساته لوجدنا أننا نمارس كدبة أبريل طوال العام ليتحول العام كله إلى أبريل!!
ففي مسرح الحياة يعتلي الجميع خشبة المسرح (الأبطال منهم والكومبارس) ويبدأ كلاً منهم في أداء دوره في حرفية وبراعة، يتلونون كالحرباء ويكذبون ويزيفون مدّعين أن تلك أقنعة وجب ارتدائها لزوم الشغل ونجاح الدور وليس كذب أو تزييف، والواقع أن الأقنعة أنواع وألوان تتحدد حسب مستخدمها وخلفيته الثقافية ومرحلته العمرية ودرجته الوظيفية، فتجد الأطفال يرتدون أبسط الأقنعة وأكثرها شفافية، ومع التقدم في السن والمهام أو السُلطة تزداد تلك الأقنعة في صلابتها بحيث تصبح سميكة شمعية يصعب معها اكتشاف حقيقة ما تخبئه خلفها من قبح، فكثيراً ما يصعب علينا اكتشاف الحقيقة عارية أو قولها أو حتى السلوك بها.

فتجد مثلاً المسئول في منصبه يكذب ويزيف الحقائق التي تبدو جلية أمام الكل والأدهى من ذلك ابتسامته العريضة التي تعلو وجهه بحماقة في محاولة منه لإقناع الآخرين بكلامه أو بمعنى أدق زيفه وتضليله والأمثلة كثيرة يعرفها الجميع خاصة ممن يتابعون الجرائد ويقرئون تصريحات المسئولين الوردية ويرون في الجانب الآخر واقعهم الذي تكسوه المرارة، ومن ثم تصبح مع الوقت أكاذيبهم تلك لا تنطلي على أحد لأن الجميع عرفها وحفظها عن ظهر قلب.
أما النوع الأصعب من تلك الأقنعة التي تكون من أناساً مقربين إليك وبالطبع يصعب عليك اكتشافها لمحبتك لهم فلا ترى حقيقتهم عارية وحتى إن رأتها عيناك بوضوح تتغاضى عنها ملتمساً الأعذار والمبررات.

وهناك نوع من الأقنعة يكون اضطرارياً يضعها المرء رغماً عنه لأن وجهه مشوّه وملامحه بسيطة وثيابه رثة بالية.. وأحلامه ضئيلة مبعثرة واحتياجاته عجز عن سدها ويخشى أن يراه الناس هكذا فيخافونه وينصرفون عنه فيحاول جاهداً أن يتخلص من ذلك الوجه النكرة المتواجد على هامش الحياة ليرتدي قناع يناسبه يحاول أن يتعايش به مع مَن حوله ليقبلونه داخل جماعتهم (كمجتمع أو مؤسسة أو أفراد) وليعطونه دور البطولة في مسرح الحياة بعد أن كان على هامشها، لتجد بعدها الأيادي التي لطالما صفعته تصفق له، وابتسمت له الثغور التي لطالما كانت تسبه، وانبهرت به العيون التي لطالما احتقرته واستهزأت به، واحتضنته القلوب التي كرهته في السابق، فمن منّا لم يرتدي أقنعة كان مجبراً عليها كأن ترتدي قناع من الفرح والسعادة وخلفه كَم من الأحزان، أو قناع الزيف والنفاق ونسميه مجازاً (مجاملة) والعديد من الأقنعة الشمعية البيضاء النقية وخلفها.............  

ويحضرني الآن موقف لن أنساه طالما حييت، حيث كنّا نجلس مجموعة من الأقارب والأصدقاء ونضحك جميعنا بقهقهة عالية وكلاً منّا يبتسم بوجه الآخر، وعلا صوت أحدهم قائلاً (تخيلوا لو اكتشفوا الآن جهاز يكشف ما بداخل كلاً منّا بشكل شفاف كقطعة البلور؟؟) فساد صمت تام للحظات...
هل تعرفون لماذا كان هذا الصمت؟؟ باعتقادي أن تخوّف كل فرد من الجالسين أن يُكشَف ما بداخله للآخر والذي قد يحمل بعضاً من الكُره أو الغيرة أو غيرها من مشاعر غير معلنة... هو سبب الصمت الذي ساد الموقف، -عموماً هذا الصمت خير من أن نقوم لنتعارك بالأيدي- أم ترى ما سببه عزيزي القارئ؟؟؟؟؟
وبالنهاية يتأكد لنا أننا جميعاً جميعاً نرتدي أنواعاً وأشكالاً مختلفة من الأقنعة ونستدعيها بحسب كل موقف ومناسبة حتى وإن أنكرنا ذلك أو ادّعينا العكس وألقينا باللوم على مَن يرتدي أقنعة مدّعين النقاء والوضوح التام والبراءة، ولكن علينا تقنين ارتداءها بحيث لا تشوّه وتخفي ملامحنا الأصلية التي هي حقيقتنا والتي ستظهر مؤكداً حتى ولو بعد فترة من الوقت.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٨ تعليق

الكاتب

أماني موسى

فهرس مقالات الكاتب
راسل الكاتب

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

مواضيع أخرى للكاتب

بحلم وأنا ميت

وجوه وأقنعة

مواطن منزوع الدخل

أيوة، بحبك يا حمار

قصة موت ضمير

جديد الموقع