بقلم: رشدي عوض دميان
بداية ومرة أخرى ودائماً أرجو أن أؤكد على إحترامى وتقديرى لفضيلة الشيخ خالد الجندى ، وعلى الرغم من عدم معرفتى الشخصية به ، ولكن من خلال متابعتى لأحاديثه وبرامجه التليفزيونية أستطيع القول بأنه من الشخصيات العقلانية والمتفتحة التى تمثل التيار الإسلامى الحديث والمعتدل فى نفس الوقت ؟! فهو لم يتفوَّه باطلاً ضد الديانات الأخرى ، ولم أسمعه يدعو على أصحابها بالموت والدمار وبخراب البيوت والديار ! كما أنه لم يهدد بالويل والثبور وبعظائم الأمور لأى منهم كما ينادى البعض ممن يسيرون على نهج الشيخ محمد متولى الشعراوى الذى قاد الحملة الضارية الشعواء ضد غير المسلمين خلال الربع الأخير من القرن العشرين !!
كما أتذكر أننى كنت قد شاهدت برنامجاً تليفزيونياً منذ عدة سنوات عن إحتفال أقيم فى إحدى الكنائس التى فى الخارج ، وكان الشيخ خالد الجندى من ضمن الذين حضروا هذا الحفل ، وعندما طُلِبَ منه أن يُلقى كلمة فى هذه المناسبة ، فكان أول ما قاله عندما قدم نفسه للحضور هو : ( أنا أخوكم خالد الجندى ، وأنا قبطى مسلم من مصر ) !! وقد قوبلت كلمته بالتصفيق من الحضور ، وبالعناق والقبلات من راعى الكنيسة وأعضاءها ومن المنظمين للحفل ، تذكرت هذا الحدث عندما سمعت الشيخ خالد الجندى يقول فى مقدمة حديثه أن شاباً مسيحياً مخلصاً إسمه الأستاذ أشرف كان قد إتصل به على الهواء أثناء إذاعة البرنامج وقال له كلاماً مهماً - صحيح أنه لم يعلق على فحوى هذا الكلام المهم - ولكنهما - أى الشيخ خالد والأستاذ أشرف - قالا فى نهاية المكالمة أن المحبة تجمعهما أولاً وأخيراً بغض النظر عن الخلاف فى الرأى ، وزيادة على قول فضيلة الشيخ خالد الجندى ، أقول له أن المحبة التى هى أساس وركيزة ديانتنا المسيحية ، هذه المحبة تجمعنى به أيضاً على الرعم من تحفظى على الكثير مما جاء فى حديثه ، وتحفظى هذا ليس على شخصه ، ذلك لأنى أكن له كل الإحترام والتقدير كما أسلفت القول فى مقدمة هذا المقال .
وأعود إلى تعليقى على المقدمة التى جاءت فى أول البرنامج ، بدأ الشيخ خالد الجندى كلمته بأن قال للمشاهدين أنه يبشرهم بحلقة مختلفة عن ما سبقها من حلقات ؟ ويبشرهم بأنها سوف تكون مفاجأة ؟ ومفاجأة من العيار الثقيل !! وبأن المشاهدين سوف يقضون ساعة تنقطع فيها الكلمات على الشفاه ! وتنحبس فيها الألفاظ عن الألسن ! كما قال أنه سيثبت كل ما وعد به ؟ وأنه لا يضمر شراً ولا كيداً ولا سوءاً لأحد ؟ ويستكمل قائلاً : ( إنما نحن نكيل الكيل بمكيالين والصاع بصاعين . )
وهذه الجملة أو العبارة الأخيرة بالذات هى موضوع التعليق ؟!
وقبل أن أبدأ تعليقى أود أن أسأل فضيلتك ما هو الذى قصدته بقولك عندما ذكرت أنكم تكيلون الكيل بمكيالين والصاع بصاعين ؟! وأعتقد أولاً أنه كان من الأجدر أن تحدد هوية من هم الذين يكيلون ؟ إذ أن ضمير المتكلم ( نحن ) ربما يعنيك أنت فقط ، أو ربما يعنيك أنت وضيف الحلقة ، وأخيراً ربما يعنى كل المسلمين طالما أنك ذكرت لاحقاً فى سياق حديثك أنكم تدافعون عن إخوانكم من المسيحيين قبل أن تدافعوا عن أهليكم من المسلمين ؟!
عموماً سواء كنت أنت أو أنتما أو أنتم ؟ فإن السؤال يظل قائماً ويحتاج إلى جواب للرد عليه .. من هم الذين يُكال لهم الكيل بمكيالين ، ومن هم الذين يُرَّد لهم الصاع بصاعين ؟!
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى أرجو أن تسمح لى يا فضيلة الشيخ بأن أقول أنه ربما قد خانك التعبير فى مقولتك هذه ، أو ربما كنت تقصد بها مفهوماً آخر غير المفهوم المتعارف عليه والذى لا يحتمل أى تأويل آخر ذلك أن الكيل بمكيالين يعنى فيما يعنى عدم المساواة والعدل فى الحكم على الأمور ، أو يعنى المعاملة التى تتسم بالإزدواجية عندما تختلف هذه المعاملة فى تطبيق المعايير الواحدة على فريق معين على حساب الفريق الآخر ؟! كما أن الكيل بمكيالين يعنى أيضاً التمييز والتفريق بين أصحاب الحق الواحد عندما تُعْطِى لفئةٍ من الناس حقاً أكثر أو أقل من نفس الحق الذى تستحقه الفئة الأخرى ؟! كذلك أيضاً الكيل بمكيالين فى تطبيق النصوص والبنود القانونية والتشريعية عندما يتم الحكم بالبراءة مثلاً على متهم معين فى قضية معينة ، ثم نجد أن الحكم يختلف وربما يصل إلى عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد على متهم آخر فى قضية مماثلة تماماً ولها نفس الظروف والملابسات والأدلة والبراهين ، بل وأحياناً نفس شهادة الشهود التى أثبتت براءة الأول ؟!!
وعلى ذلك فإن هذا المفهوم لا يزيد ولا يقل فى معانيه عما أوردته من أمثلة ، وصدقنى يا فضيلة الشيخ خالد الجندى فإن الأمثلة كثيرة جداً على أن مفهوم مكيال الكيل بمكيالين يعنى عدم النظر إلى الأمور بمنظار العدالة والحق ، وأيضاً عدم الإلتزام بالأمانة ومراعاة الدقة فى التعامل مع تلك الأمور !!
العجيب والغريب فى نفس الوقت أن هذا المفهوم - مكيال الكيل بمكيالين - هو أمرٌ واقعٌ فعلاً فى مختلف المجالات الإنسانية والإجتماعية بالذات ، ناهيك عن المجالات القيادية والسياسية والتعليمية والدينية وبصفة خاصة فى بلادنا مصر ؟! وأيضاً الأمثلة على ذلك كثيرة جداً والمجال هنا لا يتسع لذكرها ؟!
ودعنى أفترض أنك قصدت معنىً آخر غير المعانى التى هى فى مجملها عبارة عن مدلول واحد ، وأيضاً دعنى أفترض بأن هذا المعنى الآخر هو قصدك أن تقول بالمعنى العامى أنك ترد القلم بقلمين ، أى الصفعة بصفعتين فهذا يضطرنى أيضاً أن أسألك نفس السؤال القائم ولكن بكلمات المعنى العامى ، من هم الذين يُرَّدُ لهم القلم بقلمين ، ومن هم الذين تُرَّد لهم الصفعة بصفعتين ؟!
ربما ترد علىَّ بالقول أنك تقصد الرد على فرد معين بخصوص أخذِهِ لموقف منك ؟! وبأن موقف هذا الفرد معروف لكافة الأوساط ؟! وكان الموقف الذى أخذه هو بمثابة توجيه الصفعة الأولى ؟! وبأنك تركت تحديد إسم هذا الفرد وموقفه الذى أخذه منك لفطنة وذكاء المشاهد أو المستمع ؟! ولكنى أنفى هذا الإفتراض إستناداً على قولك : ( إنما نحن نكيل الكيل بمكيالين والصاع بصاعين .. فى الله عز وجل .. لا لأشخاصنا ) ؟!!
ومن غرائب القدر أنه أثناء كتابتى لهذا التعليق ، يجيئنا غراب البين بهذا الخبر الذى إهتز له الضمير الإنسانى ليس فى مصر فقط ، ولكن فى مختلف أرجاء العالم ؟!! إذ بعد الإنتهاء من صلوات الإحتفال بليلة عيد الميلاد المجيد فى إحدى الكنائس القبطية فى مصر وفى مدينة نجع حمادى بالتحديد ، يأتى ثلاثة من الأفراد المسلمين ويحصدون بالمدافع الرشاشة ستة من شباب هذه الكنيسة ومعهم جندى مسلم مكلف بالحراسة الأمنية فيها ؟!!
والمجال لا يسمح هنا بمناقشة هذه الجريمة اللا إنسانية على الإطلاق ، وسوف أقوم بذكرها فى سياق تعليقى على المحور الثانى من حديثك والذى يتعلق بمن هم النصارى ؟ ومن الذى يدافع عنهم ؟ ولكن السؤال يظل قائماً ويطرح نفسه أيضا وهذه المرة بصورة أخرى : هل ما قام به هؤلاء الأفراد التلاتة هو أسلوب من أساليب مكيال الكيل بمكيالين ورد الصاع بصاعين ؟! وهل ما قاموا به هو أيضاً فى الله عز وجل .. لا لأشخاصهم ؟!
وقبل أن أنهى تعليقى على مفهوم الكيل ، دعنى أسوق لك هذه الآية ( سورة هود 85 ) من القرآن الذى هو كتاب الله بالنسبة لك كما أكدت فضيلتك فى حديثك هذا أكثر من مرة :
( ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مُفسدين )
وتلاحظ يا فضيلة الشيخ خالد الجندى أنه قال ( أوفوا المكيال ) ولم يقل ( أن تكيلوا الكيل بمكيالين ) ؟!
كما أسوق لك هذه الآيات من الكتاب المقدس عن مفهوم الكيل :
- ’’ لا ترتكبوا جوْرَاً فى القضاء ، لا فى القياس ولا فى الوزن ، ولا فى الكيل . ‘‘ لاويين 19 : 35
- ’’ لأنكم بالدينونة التى بها تَدِينون تُدَانون ، وبالكيل الذى به تكيلون يُكال لكم . ‘‘ متى 7 : 2
ولتسمح لى أن أسوق لك أيضاً هذه الآبة من الكتاب المقدس عن مفهوم زيادة الكيل :
- ’’ وقال لهم : انظروا ما تسمعون ! بالكيل الذى به تكيلون يُكال لكم ويزاد لكم أيها السامعون .لأن من له سيعطى ، وأما من ليس له فالذى عنده سيؤخذ منه . ‘‘ مرقس 4 : 24
هذه الآية قالها السيد المسيح ضمن ما كان يُعَلِّمُ به من أمثال ، وفى تفسير هذه الآية يقول القمص تادرس يعقوب ملطى : ( من له يُعطى فيزداد وأما من ليس له فالذى عنده سيؤخذ منه ، أى بمعنى آخر أن من اختار الغنى الروحى يزداد غنىً ، ومن أهمل في حياته الروحية يزداد فقرًا . اليهود فى جحدهم للرب حتى ما لديهم قد أُخِذَ منهم ، وأما الذين قبلوا الرب فازدادوا نعمة فوق نعمة ، لأنه فى حياتنا الروحية إن رفضنا عمل الله فإن ما نلناه بالطبيعة أو بالناموس الطبيعى يُنـزع منا ، فيسلك الإنسان على مستوى حيوانى أو أحيانًا أقل من الحيوانى أما الذى يجاهد بالإيمان فإنه ينال بركات فائقة بجانب ما تمتع به خلال الطبيعة التى وهبه الله إياها . )
عزيزى فضيلة الشيخ خالد الجندى ، أرجو أن أكون قد بينت لك طبيعة مفهوم مكيال الكيل بمكيالين فى المعنى العام والمتعارف عليه ضمناً بدون أى تأويل آخر ، و قد أوردت لك أيضاً ما جاء فى القرآن عن مفهوم الكيل وكذلك بعض مما جاء فى الكتاب المقدس عن نفس المفهوم .
وأرجو أن أؤكد مرة أخرى على إحترامى وتقديرى لك ، آملاً أن تكون الكلمة الصادقة والواعية هى المحور والأساس الذى عليه يجب أن نتحاور ونتكلم ونتناقش .
وإلى لقاء فى المقالة التالية عن المحور الثانى من حديثك وهو : ( من هم النصارى ؟ ومن الذى يدافع عنهم ؟ ) |