د. وليم ويصا:
- الإعلام المصري عوَّدنا على الكَذِب ولوي الحقائق في كافة الأحداث الطائفية.
- أطالب الشباب القبطي أن يمارس حقه في الاعتراض بالوسائل التي يتيحها له القانون.
- لو أرادت جماعة إرهابية أن تصدر بيانًا بعد الحادث، لن تقول أكثر من بيان وزارة الداخلية.
- الجريمة بها كل مكونات ومعطيات العمل الإرهابي.
- لم يصدر بيانٌ واحد في عهد النظام المصري عبر جميع الاعتداءات التي تمت ضد الأقباط.
- على النظام ان يقوم بمبادرات واضحة وجريئة في اتجاه معالجة جوانب الملف القبطي
قبل الكلام
كانت الصدفة وحدها وراء عقد هذا الحوار مع الناشط الحقوقي والخبير الإعلامي الدكتور "وليم ويصا"، فعندما أرسلت له بريدًا إلكترونيًا، وصلني رد منه يُخبرني أنه متواجد في مصر، فقررت الاتصال به هاتفيًا، للالتقاء به، ولم يكن في ذهني إجراء حوار، وعندما قابلته، وجدت نفسي أطرح الأسئلة، وأسجل الإجابات، وكانت المحصلة هذا الحوار الذي يكشف فيه الدكتور ويصا عن تعليقه على التغطية الإعلامية الأخيرة لجريمة نجع حمادي، وتعليقه على بيان وزراه الداخلية، ومدى تأثير مظاهرات أقباط المهجر السلمية والوقفات الاحتجاجية في الداخل في خدمة القضية القبطية؟ وموقفه من تصريحات الأنبا كيرلس الأخيرة، وراية في تخاذل دور المثقفين في مواجهة التشدد والعنف الطائفي.. وكانت المُحصلة في النهاية هذا الحوار.
د. ويصا في سطور:-
* حاصل على درجة الدكتوراة في الإعلام والاتصال من جامعة السوربون.
* عضو نقابة الصحفيين المصرية ونقابة الصحفيين الفرنسية.
* له كتاب "الكشح الحقيقة الغائبة".
* تولى رئاسة تحرير القسم العربي بإذاعة فرنسا الدولية.
* أنشأ وتولى رئاسة تحرير القسم العربي بالتليفزيون الأوربي.
* تولى منصب الأمين العام لجمعية الصحافة الأجنبية في فرنسا لفترتين متواليتين بالانتخاب.
د.ويصا... ما هو تعليقك على التغطية الإعلامية والصحفية لجريمة نجع حمادي؟
الصحف التي تدعى "صُحفًا قومية" لم يعد أحد يقرأها الآن، وتوزيعها أصبح هابطًا، وفقدت مصداقيتها، حيث سحبت الصحف الخاصة البساط من تحت أقدامها... وهي عودتنا للأسف الشديد على التعمية في كل ما يتعلق بجوانب الملف القبطي، وبعد أن كانت تستخدم في السابق وفقًا للتعليمات الصادرة وتقوم بتوصيف المعتدين على الأقباط والكنائس بأنهم مرضى نفسيون، بل قامت في هذه المذبحة بتوصيف هذه الجريمة في البداية على أنها "جنائية"، ارتكبها"مسجل خطر".
وما أثار ذهولي هو بيان وزارة الداخلية وتعليقات الصحف القومية وأجهزة التلفاز العامة، وحتى القنوات الخاصة في الأيام الأولى للجريمة والتي قامت بالربط بين حادث فرشوط وبين عمليات الاغتيال في نجع حمادي.
حتى التغطية الخاصة التي قامت بها الصحف الخاصة لم تخرج عن النغمة المعتادة التي يجري فيها انتهاك قواعد العمل المهني وفي مقدمتها المصداقية، فعندما كنت رئيسًا لتحرير القسم العربي بالإذاعة الفرنسية، ورئيس تحرير القسم الأوربي بالتلفزيون الأوربي "يورو نيوز" كنتُ أقول لزملائي إنه إن لم تتوفر للإنسان المقدرة على الموضوعية والحياد في التعامل مع الأخبار، عليه أن يكون في اتجاه الموضوعية والحياد بأكبر قدر تستطيعه الطبيعة البشرية.
مشكلة هذه الصحف هي الخلط بين الرأي والخبر، بين الموقف والخبر، رغم أنه من المفترض أن هذه صحف سيارة كبيرة يعمل بها صحفيون محترفون يعرفون قواعد العمل المهني المحترف.
في كتابي الكشح، قدمت فصلاً كاملاً تحليلاً لمدة ثلاثة شهور لما كتبته الصحافة عن حادث الكشح، وأوضحت كيف انتهكت الصحافة قواعد العمل المهني.
ما هو تفسيرك للنغمة المتوافرة في وسائل الإعلام بأن الحادث "جنائي"؟
هذه النغمة المتوافرة في هذه الصحف تعني أن هناك تعليمات معينة، فالكل يقول في نفس يوم صدور هذه الصحف إن الحادث فردي أو جنائي، أو إن هناك علاقة بين حادث فرشوط ونجع حمادي، وجريدة "الأهرام" مثلاً قدمت الضحية المسلم على الضحايا الأقباط وذكرت اسمه، ووصفت وفاة المجند المصري على الحدود المصرية بـ"الشهيد" ولم تصف الضحايا الأقباط بـ"الشهداء"، ومع ذلك فقد لاحظت تغيرًا نوعيًا في الأيام الأخيرة في القنوات الفضائية ووصفت ما حدث بالجريمة الطائفية ولكنه كان مشوبًا بالربط بين حادث فرشوط وهذه الجريمة البشعة.
ما تعليقك على بيان وزراه الداخلية؟
لو أرادت جماعة إرهابية أن تصدر بيانًا بعد الحادث تعلن فيه مسئوليتها، لن تقول أكثر من بيان وزارة الداخلية.
ماذا يعني هذا في رأيك؟
هذا يعني أن الدولة ممثلة في وزراة الداخلية وإعلامها الرسمي، الذي يعكس وجهة نظرها، تبرر الأفعال الإرهابية، وهذا في رأيي مشاركة في الجريمة، والإعلام بهذا الأسلوب وهذا الطرح يُشارك في الجرائم التي تقع ضد الأقباط، وقد عودنا الإعلام المصري على الكذب والتعمية ولوي الحقائق ونقل الوجهة الرسمية للدولة في كافة الأحداث الطائفية.
لماذا في رأيك تعتقد أن الجريمة طائفية وليست جنائية؟
جريمة نجع حمادي تحمل كل مكونات ومعطيات العمل الإرهابي، فهذا الكموني بلا نشاط سياسيي أو فكر ديني، ما الذي يدفعه لقتل مجموعة من الأقباط، ونحن نعرف أن بؤر الخلايا الإسلامية تستعين أحيانا بهؤلاء لتنفيذ جرائمها، وعندما يقول أحد المتهمين إنهم ذهبوا إلى الزراعات وقام أحدهم بإعطاءه "جوالاً" به أسلحة فالمسألة واضحة، أن هناك محرضًا وراء هذا العمل، وهناك من يقف وراء "الكموني" وأمده بالسلاح، هذا فضلاً عن أن أسلوب القتل واختيار المكان والتوقيت، وهو ما يُشير إلى توافر كل مكونات الجريمة الإرهابية الكاملة، بالإضافة إلي التقصير الأمني، بل والتواطؤ إذا ما علمنا أنه تم الإفراج عن المتهم الأول قبل هذه الجريمة بوقت قصير.
- في حديث سابق لكم مع "الأقباط متحدون" يوم 7 أغسطس 2009، قلتم إن "ثورة الأقباط ضد الظلم المتراكم قادمة "، هل تعتقد أن نبوءتك بدأت تتحقق؟ إذ خرجت يوم السبت الماضي، وقفة احتجاجية أمام محكمة النقض بدار القضاء العالي نظمتها اللجنة الوطنية للتصدي للعنف الطائفي وشارك فيها المئات من المسلمين والأقباط. وهي ظاهرة تكاد تكون لأول مرة، أن يخرج الأقباط للتظاهر في الشارع بعيدًا عن الكنيسة؟
هي ليست نبوءة ولكنها قراءة موضوعية لمعطيات في الساحة، إذ ما زلنا نرى غيابًا للإرادة السياسية لتقديم حلول للملف القبطي الذي أصبح ملتهبًا بعد أن ظل محتقنًا لسنوات طويلة، وفي وقت تزايدت فيه الاعتداءات على الأقباط بوتيرة متسارعة، وفي ظل رفض كل الأجهزة التعامل مع الملف القبطي بشكل رشيد، لابد من أن تكون هناك ردود فعل أمام هذا الظلم المتراكم وفي وقت يهرب فيه القتلة والجناة الذين اعتدوا على الأقباط من العقاب.
لقد بدأ الجسم القبطي يتململ بشدة، وأعتقد أن الأيام القادمة ستكون أكثر سوادًا من حيث تزايد الاعتداءات ضد الأقباط وغياب العدل، وأخشى ما أخشاه أن يستخدم الأقباط العنف، فالخاسر سيكون مصر، ولهذا أطالب الشباب القبطي أن يمارس حقه في الاعتراض بالوسائل التي يتيحها له القانون والدستور، وفي اعتقادي أن هذه الاحتجاجات يمكن أن تهز النظام المصاب بالشلل بالوقفات الاحتجاجية السلمية.
خرجت عدة مظاهرات في الخارج، في أمريكا وإيطاليا والأيام القادمة ستخرج مظاهرات أخرى في أستراليا وفرنسا وهولندا وألمانيا.. ما هو تعليقك على مظاهرات الأقباط في الخارج؟
اعتقد إذا كان الأقباط داخل مصر لا تتاح لهم حرية التعبير فلا يمكن أن يصل بنا الأمر أن نطالب الأقباط بالمهجر ألا يتظاهروا، هذا حق مشروع لهم في الأوطان التي يعيشون فيها، ومن حقهم التعبير عن معاناة أشقائهم في مصر غير القادرين على التعبير.
ما مدى تأثير هذه المظاهرات السلمية في خدمة القضية القبطية؟
للمرة الأولى تصدر وزارة الخارجية الفرنسية بيانًا تعرب فيه عن إدانتها بشكل واضح، كذلك وزارة الخارجية الإيطالية والفاتيكان بالإضافة إلى الاتحاد الاوربي، ومن الطبيعي أن تكون هناك ردود فعل خاصة أننا في عصر أصبحت فيه حقوق الإنسان وحقوق الأقليات في مقدمة الاهتمام العالمي.
أصابت تصريحات الأنبا كيرلس الأخيرة "صدمة" لكثير من المتابعين.. فهل ترى أنه تعرض لنوع من الضغوط؟
في الأيام الأولى تحدث بقدر شديد من الوضوح ولكن يبدو أن تطور الأحداث والتهابها دفعه للتهدئة، وقد علمت بعد ذلك أنه قدم تفسيرًا للتضارب بين تصريحاته قال فيه إنه حاول أن يُقدم حقنة لتهدئة الأحداث ولكنها فشلت، حيث كانت هناك خشية شديدة من النزول إلي الشوارع من الجانبين في مصادمات بعد المذبحة، لكن بصفة عامة الكنيسة في وضع لا تُحسد عليه وخاصة موقف قداسة البابا شنودة.
ما رأيك في موقف الحكومة المصرية وحالة الصمت الرهيبة تجاه جريمة نجع حمادي؟
عندما قتل الإرهاب 58 سائحًا، ذهب الرئيس مبارك إلى الأقصر بنفسه، وأقال وزير الداخلية، وعندما تعرض 21 من المواطنين المصريين لعملية قتل وذبح وحرق في الكشح لم يتحرك، ولم يُصدِر بيانًا، وهذا هو عهد النظام المصري في كل الاعتداءات ضد الأقباط من أسفلة إلى أعلاه، هو نظام بلا إرادة سياسية لحل مشاكل الملف القبطي بسبب خوفه من الشارع الإسلامي، وهو نظام مصاب بالشلل وفقد القدرة تمامًا على تقديم الحلول.
ما تقييمك لدور اللجنة الوطنية التي تم تشكيلها مؤخرا للتصدي للعنف الطائفي في مصر؟
هذه المبادرة طيبة.. لكنها نقطة في محيط كاسح، المفروض أن يتضاعف ويظهر بكثافة على الأقل في توعية المواطنين، وإرسال رسالة واضحة لرجال الحكم.
في رأيك.. لماذا فشل المثقفون في الوصول إلى والتأثير في رجل الشارع وتركوا الساحة للمتشددين، خاصة في الحكم الأخير الذي حصل علية البدرى بتغريم المثقف جابر عصفور بخمسين ألف جنيه؟
لأنهم أصيبوا بالذعر والخوف من التيار الإسلامي، فعندما نجد واحدًا بحجم طارق البشري بعد كل ما قاله عن الأقباط والمسلمين في إطار الجماعة الوطنية يمسح كلامه ويُصدر طبعة جديدة من كتابه يعود فيها عن كل ما قاله.
أرى أن على المثقفين أن يرفعوا عشرات القضايا على أمثال هذا البدري حتى يذوق طعم هذا الحصاد المر ويجب أن تتشكل مجموعة من المحامين برفع قضايا ضد كل من تسول له نفسه في تكفير الآخر، وهو الأمر الذي يُعد تحريضًا على الاعتداء عليه. إنني أطالب المحامين الأقباط بتكوين هيئة للمواجهة القضائية ودون تنازلات لكل من تسوِّل له نفسه رفع قضايا لمجرد الإرهاب وتكميم الأفواه.
كيف يمكن التصدي للعنف الطائفي المتنامي في مصر؟
أنا أضع يدي على قلبي من الأيام القادمة، حيث يمكن أن نشهد تعدد الاعتداءات ضد الأقباط في عدة أماكن في نفس الوقت، وانفجارات قد لا يستطيع النظام مواجهتها والسيطرة عليها.
المشكلة أنه خلال العقود الثلاثة الأولى، تخاذل دور المثقفين المصريين في مصر، ربما هناك إرهاصات قليلة في الفترة الأخيرة، النظام المصري مصاب بشلل، وهناك غياب للإرادة السياسية المصرية، فإذا حدثت عدة أحداث مثل نجع حمادي في نفس الوقت، لن يستطيع النظام السيطرة عليها أمنيًا والتعامل معها. هناك تواطؤ أمني واختراق من التيار المتطرف.
فعندما يخرج علينا الدكتور محمد عمارة بكتاب يُكفر فيه الأقباط .. فما بالك بالدهماء والرعاع.
الخطاب الديني الإسلامي الذي يُكفر غير المسلم هو خطاب تكفيري، فلم نرَ المؤسسة الدينية في مصر تصدر بيان إدانة من الأزهر في كل الاعتداءات المتعلقة بالصلاة، أن هؤلاء من حقهم الصلاة، ولم يصدر بيان من رئاسة الجمهورية، أو وزارة الداخلية أن هؤلاء من حقهم الصلاة.
أعتقد وكبداية ضرورية أن يقوم النظام بمبادرات واضحة وجريئة في اتجاه معالجة جوانب الملف القبطي دون خوف من الشارع الإسلامي وأن يقدم رسالة تعزية واضحة لهم وأن يقوم بعملية ردع واضحة للمعتدين حتي لا يمارسوا اعتداءاتهم وهم على قناعة من الهروب من العقاب، نريد أيضًا دورًا فعالاً من قِبل الأجهزة الإعلامية التي يجب أن تطرح جوانب هذا الملف بصدق، نريد إدانات واضحة من الأزهر والمؤسسات الدينية وغير الدينية للاعتداءات التي يتعرض لها الأقباط إذا ما أرادوا الصلاة، نريد قانونًا يُوحِّد بين بناء دور العبادة دون تفرقة، نريد أن يقوم المثقفون بدورهم بعد أن تخاذلت أغلبيتهم الساحقة في مواجهة الإرهاب.
هل تؤدي جريمة نجع حمادي إلى انتفاضة من قِبل الجميع في مواجهة هذه الكارثة التي يتعرض لها الأقباط في وطنهم؟
لا أعرف إجابة لهذا السؤال !! |