بقلم: القس.رفعت فكري
من المعتاد إننا عندما نتحدث عن شخص رحل عن عالمنا فإن حديثنا كله يبدأ بكلمة (كان) وهذا معناه إننا نتحدث عن ماض لم يعد له حاضر ولن يكون له مستقبل, ولكن الأمر يكون مختلفاً عندما نتحدث عن العظماء والعمالقة, لأنهم وإن ماتوا وفارقونا بالجسد فإن أعمالهم وإنجازاتهم دائماً تكون باقية.
وهذا الكلام ينطبق على المهندس عدلي أبادير , ذلك الرجل الذي كان لي شرف الالتقاء به أثناء انعقاد مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط والذي دعاني للحضور إليه في الفترة من 24 ـ 26 مارس 2007 , في زيورخ, فعدلي أبادير كما رأيته , هو رجل له قضية وهو صاحب موقف , فعند القضايا الساخنة والشائكة , هناك من يتحدثون كثيراً ولا يفعلون شيئاً يُذكر , وهناك من يكون كلامهم أعلى بكثير من أفعالهم , ولكن المهندس عدلي أبادير فهو من ذلك الطراز النادر , ذلك الطراز الذي يتكلم ويفعل , لقد كان رجلاً عملياً دافع بجد واجتهاد عن قضايا الأقليات والمهمشين في الشرق الأوسط, وأنفق وأُنفق من أجل هذه القضية التي آمن بها وكرس حياته كلها من أجلها , ما فعله عدلي أبادير في دفاعه عن حقوق الإنسان يُذكرني بما قاله توفيق الحكيم (لاخير في فكرة لا يجعل منها الإنسان رداءه وكفنه, فيها يعيش, وفيها يدفن ) .
قال أحد الشعراء " الناس صنفان : موتى في حياتهموا وآخرون ببطن الأرض أحياء " وعدلي أبادير لم يكن ميتاً في حياته ولذا فهو سيبقى حياً حتى بعد مماته , إن عدلي أبادير كان بمثابة شمعة أضاءت في دجى الليل, واحترقت حباً وتفانياً في خدمة الآخرين, وحياته لم تكن عقيمة سقيمة ولكنها كانت حياة عميقة مثمرة , لقد كان بحق رجلاً نبيلاً وشريفاً وحكيماً وعظيماً بكل ما تحمله هذه الكلمات من معان.
إن عدلي أبادير لم يمت , فهناك تلاميذه , ومحبوه , وهناك من عايشوه عن قرب , وهناك من عرفوا كيف كان يفكر هذا الرجل, ونحن نثق أن المسيرة ستستمر ولن تتوقف , وأن موقع الأقباط متحدون ذلك الموقع الرائد الذي أنشأه الراحل الكريم سيستمر رائداً في مناقشة قضايا المهمشين والأقليات في عالمنا العربي, وسيظل موقعاً تنويرياً ليبرالياً متميزاً في الدفاع عن حقوق الإنسان أياً كان لونه أو جنسه أو دينه أو عقيدته , فالرواد هم الذين يؤمنون بالعمل الجماعي ولا يستحوذون بأنفسهم على أي عمل , وعدلي أبادير آمن بالعمل الجماعي لذا فهو تلمذ كثيرين , وأقنعهم بفكره وبرؤيته وهم حملوا الشموع أثناء مرضه , وأعتقد أنهم سيسيرون على نفس الدرب .
يا باشمهندس عدلي , إن كان يعز علينا كثيراً أن ترحل عن عالمنا وتفارقنا بجسدك, إلا أننا على يقين كامل بأن أمثالك تموت أجسادهم فقط لأن الموت حق على الأحياء جميعاً, ولكن ذكراهم لا يمكن أن تموت لأنك فرضت نفسك على الزمان والمكان فرضاً, فهل يمكن أن يفارقنا عطر نضالك وشذا سلوكك ورحيق قدوتك؟!! وهل من الممكن أن ننساك؟!! وهل لنا أن ننسى نضالك الدؤوب ؟ بالطبع لا وألف لا , فسيرتك العطرة باقية وحياتك الجليلة لامعة وخدمتك الأمينة شاهدة, ونحن على يقين تام بأن القبر الذي يضم جسدك لن يستطيع أن يستأثر بك لأن لك في قلوب الذين يحبونك ذكر لن يموت, فلا يمكن أبداً أن يموت من ناضل وعاش في قلوب الآخرين!! |