CET 00:00:00 - 31/12/2009

مساحة رأي

بقلم: أُبيّ حسن
"وبعد الأداء المخجل للحكومة السوريّة في التعاطي مع فقدان سامر (صالح), وإنكار وجوده على السفينة في الإعلام الرسمي, قام ذوو سامر باستئجار زورق مع طاقم غواصين على نفقتهم الخاصة, ومسحوا الساحل السوري بمساعدة من الجانب اللبناني وسط لامبالاة من الجانب السوري, لكنهم لم يعثروا له على أي أثر".

هذا بعض ما جاء في بيان صادر عن المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان بتاريخ 29/12/2009, تطالب فيه الحكومة السوريّة بالبحث عن القبطان السوري المفقود, بعيد غرق السفينة البنمية قبالة شواطئ مدينة طرابلس في 17/12/2009, لكن على ما يبدو لا حياء في من يُنادى.

مأساة الشاب سامر صالح, الذي كان الأول على دفعته في الأكاديمية العربية للتكنولوجيا والعلوم البحريّة, ومأساة عائلته, ليست محصورة فقط بجهلهم لمصيره حتى تاريخه, بل كائنة أيضاً في الاستهتار المزري والمخجل من قبل الجهات المعنيّة في سوريّا, بدءاً من وزارة الإعلام وانتهاء بحكومة العطري مجتمعة, لتصبح بذلك مأساتنا جميعاً كسوريين, باعتبار أننا جميعنا معرضون للكوارث والمصائب الطبيعية, وبالآتي للاستهتار الحكومي المرتقب بمصائرنا.

ويحق لأحدنا أن يتساءل عن المسؤوليّة الأخلاقيّة للإعلام السوري الرسمي منه, ذلك كونه لعب منذ البداية دوراً تضليلياً(لا نستبعد أن يكون متعمّداً) من خلال إنكاره وجود بحّار سوري على متن الباخرة المنكوبة, في حين كانت تؤكد الصحف اللبنانيّة ووكالات الأنباء وجوده! ترى هل كانت تنقص الإعلام السوري المهنيّة حتى قام بذلك الدور الشديد السلبيّة –مهنيّاً وأخلاقيّاً- الذي ينبغي أن يُحاسب عليه؟ هل كان يصعب على إعلامنا التأكد من الخبر  ليهيب بالسلطات المعنيّة كي تأخذ دورها من البداية؟ وهل قيامه بدوره الوظيفي والأخلاقي المجتمعي هذا أمام "المنكوبين" به, يحتاج إلى عقل خارق أو قرار سياسي حتى لا يكون مساهماً في مأساة عائلة؟

والأكثر غرابة, إنه في الوقت الذي تجاهلت  فيه الحكومة السوريّة, وجود القبطان السوري على متن السفينة المنكوبة, نراها تبذل مساعيها "الحميدة" مع إيران, ولماذا؟! كي تطلق سراح ابنة أسامة بن لادن! لنصطدم بمفارقة أخرى, أكثر غرابة, كائنة بتجاهلها اختفاء صحفي سوري في طهران, اسمه رضا باشا يعمل لصالح فضائية دبي, اختفى منذ أيام قليلة في إيران!.

كثيرة هي قصص الحكومة السوريّة مع إهمالها ولا مبالاتها بمصائر مواطنيها وقت النكبات, سواء أكان الإهمال في الداخل السوري(ولهذا الجانب وقفة خاصة) أم في دول الاغتراب, أو في البرّ والبحر. فمثلاً, لسوريّا مساجين سبق أن أُخليّ سبيلهم في معتقل غوانتانامو, لم نسمع أن أي  جهة حكوميّة معنيّة سألت عن مصيرهم! كأنه لا يوجد لدينا وزارة خارجيّة, وسفارات في دول العالم!.

ومنذ قرابة العامين, في ذروة الخلاف السوري- السعودي, كان بعض النظام السعودي يقطع رؤوس سجناء سوريين متهمين ببيع الحبوب المهدئة بطرق غير مشروعة؛ سنتذاك تدخلت بخجل الجهات الرسميّة المعنيّة, غير أن تدخلها الخجول أتى بعد مطالبة من قبل منظمات وجمعيات حقوق الإنسان في الداخل السوري, وقد سبق للصديق المحامي مهند الحسني أن ذهب أكثر من مرة -بصحبة عدد من أهالي السجناء- إلى مكتب معاون وزير الخارجية لإيجاد حل للموضوع. ومعروفة حينها الرسائل التي كتبها كتّاب وناشطون سوريون مستقلون, ناشدوا من خلالها الملك عبد الله الرأفة بحال المتبقي من السوريين. ومن نافلة القول, إن الإعلام الرسمي في سوريّا, صمت صمت القبور إزاء تلك المجزرة, كإنكاره راهناً لمأساة القبطان السوري من خلال نكرانه لوجوده! وهذا بحد ذاته فضيحة أخلاقيّة ومهنيّة يُحاكم بموجبها القائمون على أمر هذا الإعلام.. فضيحة لم تسبقه إليها أكثر دول العالم تخلفاً على المستوى الإعلامي.

وذات يوم من عام 2005, كلّفتني منظمة سواسية لحقوق الإنسان كتابة مقال عن سجناء سوريين في ليبيا. كانوا محتجزين بتهم باطلة, وكان نظام "الأخ" العقيد ينوي إعدامهم. لطف الباري, ونفد من نعني بأرواحهم. لكن بحسب حدود علمنا أن أي جهة رسميّة لم تتدخل حينذاك, خاصة وزارتي الخارجية, والمغتربين التي كانت في عهدة الدكتورة بثينة شعبان.

وليس بعيداً عما سلف, سبق أن أهملت الحكومة السوريّة وجود أكثر من سائق شاحنة(من مدينة طرطوس) كانوا محتجزين في العراق, من بعيد احتلاله 2003, والذي أعلم الرأي العام المحلي والدولي بوجود أولئك السائقين مطالباً الإفراج عنهم, ليس وزارة الخارجية السوريّة كما يفترض في هكذا حالة, بل بعض نشطاء المجتمع المدني, وتحديداً الأستاذ ميشيل كيلو.

قائمة الاستهتار الحكومي في هذا المنحى تطول, وليس بالإمكان سرد كل الوقائع التي حصلت, والتي كنّا شهوداً عليها في بعض المرات. وان أطلنا في سرد بعضها, فالسبب هو إدمان الحكومة   في إهمالها حقوق مواطنيها خاصة أثناء النكبات, وخير مثال ما جرى(ويجري) مع القبطان سامر صالح الذي نرجو أن يكون على قيد الحياة وأن يصل برّ الأمان سالماً. فأقل ما كان يجب على الحكومة فعله هو التأكد من وجود سوريين على متن الباخرة من عدمه, والعمل الجاد على إنقاذ مواطنيها حال وجودهم, وليس التلطي خلف الأخبار الكاذبة التي يدبّجها "صحفيون" سوريون عاجزون من خلف مكاتبهم. وحتى الآن, يفترض أن تراسل الجهات المعنية فيها دول الجوار كتركيّة واليونان وقبرص بغية إعلامها بوجود بحّار سوري مفقود, وان تساعدها في الكشف عن مصيره.. حتى لحظة كتابة هذه الأسطر, لم نسمع أن مروحيّة سوريّة أو طوافة أرسلتها الحكومة للبحث عنه!

لقيت وفاة المرحوم الفتى عبد الله عبد العايد اهتماماً إعلاميّاً لافتاً, لا للإنسانية الطاغية التي يتمتع بها الإعلام السوري, بل ببساطة لأن السيد رئيس البلاد ووزير خارجيتها من اهتمّا شخصيّاً بحادثة مقتله, وإلا لما كنا نستبعد أن ينكر الإعلام السوري مقتل المرحوم العايد كإنكاره وجود البحّار السوري. لكن على رسلك يا سامر, لا تلمهم, ولا تلم حكومتهم, إذ هي حكومة دفن موتى, وكلنا في عهدها موتى مع وقف التنفيذ, وللحديث عن هذا الجانب مقال آخر.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق