بقلم : د. رفعت السعيد |
ونعود لنجدد الأحزان, نعود لنذكر بمشكلات الوحدة الوطنية, ونعود الآن بالذات لنذكر الجميع بها ونذكر أنفسنا بأن ترك الأخطاء وتناسيها والانتظار حتي تشتعل النيران لنناقش الأخطاء والتجاوزات هو الخطأ بعينه والخطر بعينه أيضا. ومن هنا ننتهز فرصة هذا الهدوء النسبي لمناقشة هذا الأمر. ما نستهدفه الآن من هذه الكتابة ليس استدعاء العقل, انما استدعاء الخجل, نستدعي فتاوي وأحكاما قديمة هي من الصحة والعقلانية والتزام صحيح الدين بحيث تفرض علينا جميعا حكاما ومحكومين ورجال قضاء ورجال دين وأصحاب دكاكين, الفتاوي, تفرض علينا خجلا غامرا لعله يلزمنا الصواب ويفرض علينا أن نعير المفاهيم والقرارات الدفينة والممارسات المشينة, يلزمنا بأن نفهم صحيح الدين وصحيح المواطنة. ولنبدأ بالإمام القرافي وهو أحد أئمة الافتاء القدامي, فهو يعدد واجبات المسلم إزاء النصاري قائلا: وواجب المسلم الرفق بضعيفهم, وسد خلة فقيرهم, وإطعام جائعهم, واكساء عاريهم, ولين القول لهم علي سبيل اللطف لهم والرحمة, ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم وحفظ غيبتهم وصون أموالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم, وأن يعاون علي رفع الظلم عنهم( الإمام القرافي ـ الفروق ـ الجزء الثالث ـ ص114), نتأمل الكلمات في هذه الفتوي الملهمة ونتساءل: أين شيوخ وافتاء زماننا, وأين حملاتهم اليوم وليس عند اشتعال العقول والمشاعر, وأين الواجب الديني في استمرار القول والفعل والإلحاح حتي تستقر المفاهيم الصحيحة في عقول الجميع. فإذا ما أتينا الي الزمن المملوكي الذي كان العدل فيه عملة نادرة, نجد العدل يفرض نفسه فيما يتعلق بحقوق الأقباط وبحمايتهم من محاولات إثارة فتنة طائفية ضدهم, ونقرأ.. صورة أمر شريف أحضره جماعة النصاري الشاكين بالمنصورة, ماذا يقول السادة العلماء رضي الله عنهم في طائفة من النصاري ساكنين بمدينة المنصورة بأملاكهم عن آبائهم وأجدادهم, وفي كل وقت يتعرض لهم جماعة بالأذية والإضرار, ويتعللون عليهم بأنهم يعلون بناءهم علي أبنية المسلمين, وانما يقصدون بذلك ظلمهم بغير وجهه الشرعي, فهل والحالة هذه يجوز للجماعة المذكورين أذية طائفة النصاري بالتساويف الباطلة والتعللات الواهنة؟. كان هذا نص الشكوي, فماذا كان حكم قضاة المذاهب الأربعة؟ فضيلة الشيخ عبدالمنعم البشبيشي قاضي المذهب الحنفي قال في حكمه: لا يجوز للجماعة المذكورين أذية طائفة النصاري ويحرم عليهم ذلك, ويثاب ولي الأمر علي منع من يتعرض لهم, والله أعلم. أما الشيخ محمد بن قمر الباب شيخ المذهب المالكي, فقد قال: يحرم من سوف علي جماعة النصاري أو سعي في أذيتهم أو ظلمهم, أو تغريمهم شيئا ظلما.. وللنصاري المذكورين التصرف في بناياتهم, وأن عرف من تسبب في غرمهم كان لهم الرجوع عليه بجميع ما غرموه.. وعلي من له ولاية الأمر كف القهر عن الرعية المذكورين فهم من جماعة الرعية وكل راع مسئول عن رعيته. أما مفتي المذهب الحنبلي الشيخ حمدان المقدسي, فقال: لا يجوز للجماعة المذكورين أذية طائفة النصاري المذكورين بالتساويف الباطلة عليهم, ويحرم عليهم ذلك, ولكون الدميون المذكورون معصومين, لا يجوز لأحد أذيتهم بغير وجه شرعي. أما الشيخ محمد المرحومي مفتي المذهب الشافعي, فإنه وبعد أن قرر ما سبق أن قرره المشايخ الثلاثة أضاف ويجب أن يعاقب من يسعي للنصاري بالأذية بالعقاب الشديد اللائق بحالهم والزاجر لهم ولأمثالهم عن قبيح أفعالهم بما يراه الحاكم باجتهاده من ضرب أو حبس أو نفي أو غير ذلك. فقط أرجو أن نطالع هذه الفتاوي وأن نمدها علي استقامتها لتصل بنا الي عصرنا الراهن, والي متطلباته ونتمني معا فتاوي مماثلة, قاطعة, مانعة يصدرها رجال ديننا الأجلاء. ونأتي الي حكام مستنيرين وعقلاء عرفوا واجباتهم الحقيقية ونطالع فرمانا أصدره إبراهيم باشا عام1831 بعد فتحه لبلاد الشام اسمي بيور لدي ابراهيم باشا نأمر كل مستلمي إياله صيدا وسنجقي القدس ونابلس بإلغاء الضرائب المفروضة علي الكنائس.. وإذ يقيم في أديرة القدس وكنائسها رهبان ومتعبدون لقراءة الانجيل وأداء الطقوس الدينية لمعتقداتهم, والعدل يقتضي أن تعفي من كل الضرائب التي فرضتها عليها السلطات المحلية بشكل تعسفي, لهذا نأمر أن تلغي والي الأبد كل الضرائب التي تجبي من أديرة ومعابد كل الشعوب المسيحية المقيمة في القدس من يونانيين وفرنجة وأقباط وأرمن وغيرهم مهما كانت الذريعة أو التسمية التي تؤخذ بها هذه الضرائب حتي وإن سميت هدية عادية وطوعية, أو سلمت الي خزينة الباشوات أو لمصلحة القضاة وما شابه ذلك, فإنها جميعا ممنوعة منعا باتا, وبعد إعلان هذا الأمر سيعاقب بصرامة كل من يطلب أقل اتاوة من المعابد والأديرة المذكورة أو من الحجاج, كذلك أصدر ابراهيم باشا فرمانا يسمح للنصاري بترميم معابدهم وأديرتهم وتجديدها وبناء ما يرون من معابد جديدة دونما حاجة لتصديقات من أحد. وكانت نتيجة هذا الموقف الشجاع أن توحد الأقباط والمسلمون معا في بناء مصر الحديثة في عهد محمد علي, وعندما أشيع أن البابا كيرلس طلب من محمد علي إعفاء الاقباط من الخدمة العسكرية أذاع البابا بيانا تلي في الكنائس جاء فيه: يقول البعض اني طلبت من الباشا أن يعفي أولادنا الأقباط من الخدمة العسكرية, حاشا لله أن أكون جبانا بهذا المقدار, فأفتري علي ابنائنا بتجردهم من الميل لخدمة بلادهم حق الخدمة والمدافعة عنها.( د. وليم سليمان قلادة ـ المواطنة ـ ص26). ويورد الكتاب أيضا حقائق بالغة الأهمية عن المواطنة.. ولعل أهمها ما نورده بمناسبة ما حدث ويحدث في الانتخابات في أيامنا, فهو يقول ومنذ أول مجلس نيابي وهو مجلس شوري النواب(1866), ضم المجلس نوابا مسلمين ومسيحيين أتوا جميعا بالانتخاب( ص28). ويبقي بعد ذلك أن نلح في استدعاء فتاوي وأحكام وقرارات وممارسات تتسق ولو بأقل قدر مع ما كان, ذلك أن نتأمل التطورات العالمية ومنظومات وأفكار ومواثيق حقوق الإنسان والتي تستدعي جميعا أن نتطور وأن نجدد وأن نعزز وحدتنا الوطنية. نقلا عن الأهرام |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت | عدد التعليقات: ٢ تعليق |