بعد أن أصدرت مطرانية الجيزة الإثنين الماضى بيانا رسميا يؤكد ظهور وتجلى العذراء فى كنيسة العذراء بالزيتون، يدافع الأنبا ثيئودوسيوس، الأسقف العام المساعد لمطرانية الجيزة، فى حواره لـ«المصرى اليوم» عن وجهة نظره فى مسألة الظهور والتجلى والتى يرى أن رسالته الأساسية هى تعضيد النسيج الوطنى فى مصر، نافيا أن تستغل الكنيسة الحدث من أجل القيام بمحاولات تنصير، مؤكدا أن تحول كنيسة الزيتون إلى مكان لتبرك المسلمين والمسيحيين فى مصر ليس فيه ضرر وأن الإسلام لا يحرمه.
■ السؤال الأول الذى يتبادر إلى الذهن هو الرسالة والعظة من وراء ظهور وتجلى السيدة العذراء فى هذا التوقيت تحديدا والمعانى التى يحملها هذا الظهور؟
ـ عندما نفسر شيئاً معيناً فنحن بذلك نملك رسالة واضحة من العذراء وهى لم تقل لنا «هى جايه ليه»، لكننى أتأمل الأمر وأتناوله من جانب قد يختلف عن البعض، وفى تأملى أرى أن هناك عِشرة وعلاقة بين السيدة العذراء وأرض مصر، وهذا الظهور يعطى قوة وتماسكاً للكنيسة وللشعب المصرى عموما لأنها أرضية مشتركة بين المسلمين والمسيحيين، لأن الإسلام اصطفاها فوق نساء العالمين، وبالتالى فهى لها مكانة كبيرة فى الإسلام ولها مكانة لدى الكنيسة القبطية.
فمن رآها أولا كان المسلمين، فالمسيحيين كانوا فى منازلهم، والفراشين فى الكنيسة كانوا نياما، فالمارة تجمعوا، والمسلمون طرقوا أبواب المسيحيين جيرانهم ليخبروهم بظهور وتجلى العذراء.
وبالتالى فإنها تبادل المصريين هذا الحب والمودة، ورسالتها للشعب المصرى فحواها «مصر بلد الأمان، وقد جئت هاربة إليه مع الطفل يسوع ويوسف النجار، ولا تسمحوا لفكر غريب يدمر هذا الحب بين النسيج الوطنى المصرى».
■ وما الفكر الغريب – من وجهة نظرك - الذى تقصده السيدة العذراء؟
ـ لا يوجد فى مصر تفرقة بين مسلمين ومسيحيين، فالمسيحيون طوائف وكذلك المسلمون، ولا يمكن الحكم على أى طائفة من فيهم يتق الله أكثر، لأنها علاقة بين العبد وربه، فكل حدث يحصل فى مصر يلبسوه عباءة الدين، فالدين لم يأمر بالتدمير والتكسير والضرب والحرق.
■ إذن فهذا التجلى يعمق الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين؟
ـ بالطبع، لكنه ليس الوحدة الوطنية فقط، لأن الوحدة تظهر أن هناك فريقين متشاحنين، لكن النسيج الوطنى يشمل الأقباط بجميع طوائفهم الكاثوليكية والأرثوذكسية وغيرهما، وكذلك المسلمين باختلاف طوائفهم. فلو حدث طارئ لأى مسيحى فستجد أن كل المسلمين يلتفون حوله لمساعدته.
■ وما تفسيرك أن قداسة البابا شنودة الثالث طلب عدم التصريح أو التأكيد على ظهور السيدة العذراء لحين عودته من رحلة علاجه وتشكيل لجنة لنظر الأمر؟
ـ لم يحدث أن قداسة البابا طلب عدم التصريح، فنحن كمطرانية الجيزة ندير عددا من الكنائس التابعة لنا، وعندما حدث الظهور والتجلى، كان لابد من أن نتقصى كمطرانية أن الحدث صحيح، وبالفعل قمنا بمتابعة الأحداث والنزول إلى المنطقة، وسألنا شهود العيان وركزنا على الأخوة المسلمين أكثر من المسيحيين، حتى لا تلعب العواطف فى الأمر، لذلك أصدرنا بيانا بعد حادث الظهور بثلاثة أيام بأن هناك حدثاً للظهور فى فجر الجمعة حسب ما ورد إلينا والتسجيلات التى قمنا بتسجيلها وشهادات شهود العيان، والتجمهر الذى تعدى ٥ آلاف شخص، والبيان الصادر عن المطرانية يؤكد أن هناك حدثا بالفعل.
■ تحدثت أن المطرانية استقت معلوماتها من المسلمين بصورة أكبر حتى لا تؤثر العاطفة على الأمر رغم تأكيدك سابقا أن السيدة العذراء أرضية مشتركة بين المسلمين والمسيحيين، وكلا الطرفين يحملان لها نفس الحب والتقدير والعاطفة.
ـ المسلمون ممكن أن يكونوا قريبين من السيدة العذراء لكن مافيش مسلم يقدر يقول إن السيدة العذراء ظهرت على كنيسة إن لم تكن قد ظهرت بالفعل، وقد سجلت بنفسى مع عدد من شهود العيان أكدوا ذلك، ولم يحدث فى يوم من الأيام أن المسلمين العاطفة أخذتهم للتأكيد أن العذراء ظهرت فى مكان ما.
■ إن كنا نؤكد أن المسلمين أكدوا ظهور العذراء.. فبعض الأقباط يرفضون فكرة التجلى ويدرجونها تحت باب التخريف، مثلما قال القمص سرجيوس وكيل البطريركية محذرا من الانسياق خلف الأحاديث المرسلة؟
ـ الأب سرجيوس لا يمكن أن يصدر تصريحا يقول فيه إن كانت الحادثة وقعت بالفعل أم لا، أما تحفظه فهو تحفظ شخصى، وأنا لا أطالبه بأن يؤكد أن السيدة العذراء ظهرت «لأنه ماشفهاش»، لكن البيان الصادر من المطرانية يؤكد الظهور وهو بيان لا يوجد فيه جدال أو فصال، اللى عايز يقبل يقبل واللى مش عايز هو حر.
وإذا استمر الظهور والتجلى فسيتم تكوين لجنة تقصى للحقائق من قبل البطريركية والمطرانية للوقوف على أسباب استمرار الظهور والتجلى، ووقتها سيصدر التصريح والبيان عن البطريركية.
■ البعض الآخر من الأقباط رفض أيضا فكرة التجلى والظهور مثلما حذر الدكتور جورج حبيب بباوى من ذلك واصفا الحدث بأنه عودة لانتشار «مستنقع العصور الوسطى فى الكنيسة»؟
ـ الكنيسة لم تكن مهيمنة على أى شىء، لا زمان أيام العصور الوسطى ولا دلوقتى، فالحدث كان أمام آلاف المسلمين والمسيحيين، فالكنيسة لا يمكن أن تؤثر على رأى المسلمين، وأرفض مصطلح هيمنة الكنيسة لأنه لم يكن هناك أى عصور ظلامية بسبب الكنيسة.
والتشكيك عند البعض بأنها ظهرت أم لا ليس عيبا لأن هذا الاختلاف هو الذى يقودنا للحقيقة، لكن تعبير الهيمنة هو نوع من السخرية من الكنيسة أولا وآلاف المسيحيين والمسلمين الذين يقفون أمام الكنيسة إلى الآن، فهذا التجلى يعيد نوعا من الحب الوطنى بين المسلمين والأقباط.
■ تتحدث عن آلاف اجتمعوا فى نسيج وطنى واحد وحب بين المسلمين والأقباط، فى الوقت الذى لو نظرنا فيه إلى الأمر من جهة أخرى فنجد أن هذه الواقعة أثارت جدلا ونقاشا وتراشقاً بالألفاظ بين المسلمين والمسيحيين على المنتديات ومواقع الإنترنت وتعليقات فيديوهات التجلى على اليوتيوب، فهل يكون النسيج الوطنى أمام أبواب الكنيسة فقط؟
ـ التشاحن الجاد شىء صحى، لأنه يؤدى إلى الوصول إلى الحقيقة، ولا يمكن أن يضعف النسيج الذى نتحدث عنه، فالظهور لم يكن هدفه أن يتحول المسلمون إلى مسيحيين، ولكن لتعم البركة على الجميع، والكنيسة لا تستغل ظهورات السيدة العذراء أبداً.
■ لكن بعض الأفراد قد يقومون بما لا تقوم به الكنيسة دفاعا عن الدين.. أو قد يساور المسلمين شكوكا فى هدف الكنيسة من إعلان الظهور وبالتالى فإن النتيجة هى وجود مسافة أكبر من الشك والترقب بين الطرفين؟
ـ ظهور السيدة العذراء لا يتطرق لأديان، ولم تستعمله الكنيسة، وماحصلش إن الناس فى الشارع من الأقباط استخدموا هذا الظهور أبدا.
■ وما تعليقك على ما يقال بشأن تدخل الكنيسة فى تمثيل هذا التجلى والظهور من خلال إضاءات معينة واستخدام أبراج الحمام؟
ـ لو جئنا إلى قصة الحمام فهو مخلوق لا يستطيع الطيران ليلا، وإن حدث ذلك يكون طيرانا لمسافات صغيرة وبعدها يختفى، لكن الحمام كان فى تشكيل منظم من ٣ أو ٥ حمامات، ولم يكن يرفرف أثناء طيرانه بل كان سابحا فى السماء، وكان حماما مضيئا إضاءة قوية فهو ليس حماما كالذى نعرفه.
أما الإضاءة فلو أننا نملك جهاز ليزر يضىء السماء، فهذا الليزر له بداية ونهاية ومجال يضيئه، أما الإضاءة التى حدثت كانت قوية فى كامل السماء. فظهور السيدة العذراء كان كاملا فى ثيابها البيضاء والتاج والحزام الأزرق الملوكى، فالمصريون تمتعوا بهذا النور على عكس إضاءة الليزر التى قد تسبب العمى، وهذا الظهور صاحبته تبعات فى إيمان قوى للناس.
■ فى ظهورات السيدة العذراء فقد ظهرت ٣ مرات فى الزيتون عام ١٩٦٨، وظهرت فى شبرا عام ١٩٨٦، وظهرت فى أسيوط عام ٢٠٠٠، ولم نسمع بأن أعلنت الكنيسة عن ظهورات فى حقبة تاريخية يحكمها السادات، هل الأمر له علاقة بأن السادات لم يكن يسمح بذلك بسبب وجود موقف خلافى بين السادات والكنيسة فى بعض الأمور، أم بسبب التيار الإسلامى القوى حين ذلك؟
ـ ولو كان هناك أشد من السادات فى أى حقبة تاريخية فى مصر فليس هناك ما يمنع ظهور السيدة العذراء فى مصر، أو إعلان الكنيسة لها ولو قطعت فيها رقاب المسيحيين.
■ فى لجنة تقصى الحقائق هل قمتم بالاعتماد على تسجيلات الفضائيات فقط أم لدى الكنيسة تسجيلاتها الخاصة؟
ـ لدينا تسجيلاتنا الخاصة التى قمنا بتصويرها لتأكيد الواقعة وإصدار البيان.
■ وكم شهادة ضمها هذا التحقيق من أجل إصدار البيان؟
ـ كل الجمع الذين استطعنا التسجيل معهم سواء عن طريق التليفون أو المقابلة الشخصية أو الشهادة الشفهية، وللعلم فإن قداسة البابا شنودة الثالث أرسل البعض لرصد الحدث كل وقت بوقته، وما يشاهده الناس الآن هى تجليات هذا الظهور، فالظهور كان فى فجر الجمعة للسيدة العذراء، وعلى مدار عدة أيام بعدها ظهرت تجليات من حركة حمام يحمل جسدا نورانيا ويطوف حول الكنيسة.
■ هل لانزال فى زمن ممكن أن تحدث فيه معجزات كهذه؟
ـ بالطبع، فلولا الإيمان القوى للمصريين لانهارت الدولة والناس.
■ هل ترى أن هناك ضرورة للتركيز على هذه المعجزات والتأكيد على أنها معجزات وصرفهم عن أمور سياسية؟
ـ لا، فهذا ليس هدف الكنيسة، وإنما الهدف روحانيا فى التمسك بالقيم والأخلاق بين الناس، وعندما تظهر هذه المعجزات فهى تظهر وسط شرور كبيرة، حتى لا نفكر فى الشهوات والأمور المادية فقط، فجميعنا كمسلمين ومسيحيين نؤمن بيوم الدينونة، فالظاهرة تعود بنفع روحى.
ويمكنا أن نرصد اليوم البالتوك واليوتيوب والفيس بوك والدش وهى ميديا حديثه تدمر القيمة الروحية فى المصريين مثل الأفلام الإباحية والعنيفة، فطبيعة الحضارة المصرية تختلف ولا تتناسب مع الحضارة الغربية.
■ ألا يوجد تخوف من أن تتحول كنيسة الزيتون إلى واجهة أو قبلة للتبرك من قبل المسلمين؟
ـ وما الضرر فى ذلك؟ لا يوجد ضرر بالمرة، فالأماكن المقدسة هى أماكن تبرك للمصريين، والإسلام لا يمنع ذلك ولا يحرمه، فالعذراء تقوم بخدمة المسلمين والمسيحيين عندما يتبركون بها فى أى مكان دون تفرقة. |