بقلم: عماد توماس
للشاعر الراحل نزار قباني قول جميل يقول فيه: "لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهليةْ".
تذكرت هذا القول على خلفية نتيجة لاستفتاء الذي أجري في سويسرا حول حظر بناء مآذن للمساجد الجديدة، وما تلاها من ردود أفعال غاضبة من قِبل المسلمين في شتى أنحاء العالم.
لست أريد الحديث عن القرار وتبعاته، فكثيرون تحدثوا باستفاضة عنه بين مؤيدٍ ومعارض. لكني أود أن أتحدث عن مدى قدرة العرب وخاصة المسلمين في الاندماج في المجتمعات الغربية التي هاجروا إليها.
مشاهد واقعية
يحضرني مشهد عاصرته بنفسي منذ 10 سنوات-قبل أحداث 11 سبتمبر- عندما كنتُ في زيارة للعاصمة الإنجليزية "لندن" وفي أحد أكبر ميادين العاصمة، إذ شاهدتُ جمعًا من أصحاب الجلباب واللحى، يشدون الرحال نحو إقامة صلاة الجمعة في الميدان الفسيح ممسكين بمكبرات صوت لدعوة الآخرين للصلاة ودعوة غير المسلمين للإسلام.
ولعلهم اعتادوا على ثقافة غلق الشوارع أثناء الصلاة في دولهم العربية، وتعطيل حركة المرور إجباريًا عقابًا لمن يقود السيارة وقت الصلاة، فأرادوا تكرراها حيثما ذهبوا ونسوا أو تناسوا أن لكل مقام مقالاً، ولكل مكان احترامًا، وأن ثقافة الصوت العالي إذا صلُحت في بلاد الشرق لن تصلح بالضرورة في بلاد الغرب.
وفي مشهد آخر، تجد بعض التلميذات المسلمات يرفضن ارتداء الزي المدرسي، ويتمسكن بالزى الخاص بهن، بالإضافة إلى أصحاب محلات اللحوم من المسلمين الذين يرفعون على محلاتهم شعار "حلال" كون اللحوم قد ذُبحت طبقًا للشريعة الإسلامية. ناهيك عن قول القرضاوي بمخاطبة مسلمي الغرب بعدم الاحتفال بعيد الميلاد "الكريسماس" و شراء شجرة "الكريسماس" تمثلاً بالغرب.
لا اعرف لماذا هذا الإصرار غير المبرر لفرض ثقافة معينة على الشعوب الغربية والتي من نتائجها يحدث الصدام.
اختلاف أولويات القيم
نعم، هناك فجوة حضارية ضاربة بين الشرق والغرب نتيجة لاختلاف أولويات القيم، فقيم الشرق تختلف عن الغرب، وليس بالضرورة أن تكون قيم هذا أو ذاك أفضل من الأخرى، لكن أولويات القيم تختلف من مجتمع لآخر.
وإليكَ هذا المثال: يمتاز شرقنا العربي بقيم الشهامة والشجاعة، فإذا حدث لك ظرفٌ طارئ واحتجت للمساعدة، فستجد كثيرين يحاولون مساعدتك بقدر إمكانياتهم، لكن في الغرب تقل نسبة الشهامة باعتبار أن "كل واحد في حاله" وهناك نوع من الخصوصية العالية، بحيث لا أحد يتدخل في حياة الآخر.
وفى الغرب قيمة "الصدق" تعلو قيم الشهامة والشجاعة، فمشكلة الرئيس الأمريكى الأسبق ببل كلينتون ليست في خطيئة الزنا وخيانته لزوجته بقدر أنه لم يقل "الصدق" وكذب في أولى اعترافاته.
لكننا في الشرق نكذب على بعضنا البعض وإذا لم نجد أحدًا نكذب عليه، نكذب على أنفسنا، فقيمة "الصدق" لدينا ليست من أولويات حياتنا، ونتيجة لاختلاف ترتيب أولويات القيم تحدث الفجوة حتى نصل إلى الصراع ويفشل العرب في بلاد المهجر في التواصل والاندماج مع مجتمعهم الجديد.
كما أن هناك بعض القيم البالية التي كانت تحكم مجتمع القبيلة، أخذها بعض من العرب إلى الغرب، منها الإصرار على ختان الإناث وضرب المرأة من جانب المهاجرين المسلمين، وهو ما يتعارض مع القانون في الغرب واتفاقيات حقوق الإنسان، وإذا كان البعض من المسلمين يعزز هذه الأفعال بالتمسك بالقيم الدينية، فلنسألهم لماذا لم تهاجروا إلى "طالبان" حيث تستطيعون هناك تطبيق القيم الخاصة بكم كما يحلو لكم!! ولا داعي لوضع أنفسكم في موضع "التهلكة" في بلاد الغرب "الكافر".
القشور و الجوهر
المشكلة أن كثيرًا من المسلمين المهاجرين يهاجرون "بجلبابهم" فلا يريدون التخلي عن هذا "الرداء" الخارجي، فيتمسكون بالقشور ويتركون الجوهر، الأمر الذي يشكل حواجز بين هذه المجتمعات وهؤلاء المهاجرين الجدد.
وليس غريبًا أن تعلن وزيرة الدولة بالحكومة الألمانية "ماريا بومر" منذ عدة أيام عن نية الدولة التوجه لإلزام المهاجرين إليها بتوقيع اتفاق يفيد بإلزامهم بالاندماج في نسيج المجتمع المحلي بصورة أكثر مما هو متبع حتى الآن، والالتزام بقيم المجتمع الألماني ومن بينها "حرية الرأي والمساواة بين الرجل والمرأة، واتقان اللغة الألمانية والاستعداد للمشاركة المجتمعية"
فعلى كل من يرغب في العيش والعمل بصفة دائمة في بلاد المهجر عليه أن يوافق على ما تطالب به هذه البلاد.
الدعوة للاندماج لا تعنى بالضرورة الذوبان والتخلي عن خصوصية التمسك بالفرائض الدينية من إقامة الصلاة والصيام والزكاة...الخ، لكنها تعني الانصهار في المجتمع الجديد والتحدث بلغته والالتزام بقوانينه وأعرافه، والمشاركة الفعّالة في أنشطة المجتمع، والولاء والانتماء له، والحرص على مصالحه وتغليب مصلحته على المصلحة الشخصية.
إننا ندعو العرب عامة والمسلمين خاصة إلى إعادة ترتيب أولوياتهم من ناحية القيم الأخلاقية على أسس مجتمعهم الغربي الجديد، حتى ينتهي منطق الحديث "نحن" و"هم" وينصهر الجميع في بوتقة واحدة نحو الانتماء للوطن الجديد، ليكونوا فاعلين في مجتمعهم، أما إذا رفضوا وتمسكوا بقيم "الشرق" فليعودوا إلى أوطانهم غيرَ مأسوفٍ عليهم!!
تُرى هل كنتُ محقًا عندما بدأتُ مقالي بمقولة نزار قباني: " لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهليةْ ؟!". |