أتى صباح يوم جديد يحمل شمساً مشرقة وسماءاً صافية وأيضاً مصاريفاً طاحنة لعم سعيد مسعد أبو السعد، وعند اقتراب موعد استيقاظه أخذ يتقلب يميناً ويساراً، تارة تجاه وجه زوجته ابتسام أم أحلى ابتسامة سابقاً وأعلى صوت شخير أثناء نومها حالياً -وطبعاً هذا الشخير ليس إرهاق ولا لحمية لا سمح الله ولكنه تدريب منها على عزف أجمل المقطوعات لبيتهوفن على أوتار الأنف والبلعوم- فيجد وجهها عابث وفمها مفتوح تخرج منه صفارة قطارة وروائح كوكتيل طعام، أما رأسها مغطاة بالإيشارب الرسمي ذو اللون الأصفر المائل للسواد، فاضطر عم سعيد للتقلب على الجنب الآخر فوجد ورقة النتيجة أمامه تشير إلى المنتصف من الشهر وبالطبع المهية خلصت لأخر مليم فيها ولكن المطالب الأسرية والشخصية لم تنتهي بعد.
فأحتار عم سعيد، إلى أي اتجاه يدير رأسه؟؟ فعلى يمينه زوجته السالفة الوصف وعلى يساره ورقة النتيجة كعفريت يُرهبه ويُذكره بمأساته الشهرية، فهداه تفكيره إلى أن ينام على ظهره وبينما يتقلب ليرفع نظره للسقف وجد شكل الشقوق بالسقف ولونه القاتم المائل للسواد يزيده قلقاً وحزناً، فقرر أن يتقوقع على نفسه ويغطي جسده كاملاً بما تبقى له من غطاء.
وحينها دق المنبه بصوته الرنان يعلن الساعة السابعة صباحاً فاستيقظت الست ابتسام تملأ البيت صياحاً (قوموا...، ياللا...المدارس) وأخذت تدور حول سراير أطفالها لتفزعهم (أقصد توقظهم) ومع كل حركة رشيقة من قدها المياس تهتز أساسات البيت المتهالك وكأن الجدران تقدم اعتراضها الرسمي على تلك الخطوات الثقيلة التي تُنهكها، واقتربت بخفة من أبو العيال وهي تستند عليه وتقول (قوم يا سعيد ..ياللا يا راجل) فشعر أبو العيال بخُف جمل يغرز في أحشائه من أثر استنادها عليه وهنا اضطر أن يقفز مسرعاً ليرحم نفسه من ضغطها عليه وأيضاً لكي يلحق مكانه بدورة المياه قبل تسارع بقية أفراد الأسرة.
وحين دخل ليغسل وجهه وبينما الصابون يملأه وإذ بالمياه تنقطع فأخذ يصرخ: (أفتحوا الموتور الصابون عماني) وهنا أجابته ابنته سعاد (صاحب البيت فصله عننا عشان مدفعناش فاتورة الميه شهرين ورا بعض) فأخذ يسب ويلعن وخرج من الحمام وورائه طابور عائلته للدخول واللحاق بمدارسهم.
وأخذت أم العيال تحضر صحن الفول والشاي لإفطار أسرتها ونادت على عم سعيد (شغل الراديون يا سعيد نشوف الدنيا فيها إيه)،، والحقيقة الدنيا كان فيها كتير بس كله غير اللي أتقال في الراديون على رأي الست ابتسام، حيث كانت النشرة الصباحية تحمل تأكيدات من الوزراء والمسئولين بأن مصر والحمد لله لم تتأثر من الأزمة الاقتصادية العالمية، وأن جيب المواطن المصري مليان وعمران (بس لب طبعاً مش فلوس لا سمح الله) والأدوية عليها تخفيضات والمواد الغذائية للمصري لن تمسها أية زيادات، والسكر كمان كتر وانتشر بين الشعب (المقصود بالسكر طبعاً المرض وليس سكر التحلية) وعشان كدة الحكومة رفعت سعره لخوفها على صحة المواطن ودخوله في غيبوبة سكر لأن المواطن غبي ومش عارف مصلحة نفسه، والحديد رخص والشقق هتكتر ومش هتلاقي اللي يشتريها وفيه زيادات على المرتبات ولا يقابلها أي زيادة في الأسعار كما يدعي بعض المواطنين المفتريين المتذمرين!!!
وبعد سماع تلك الخرافات انفرجت أسارير أم العيال وقالتله (يا سعيد ما الدنيا كويسة أهي وفيه تخفيضات في الحديد وتقدر تجيبلنا شقة أهو بدل ما دي اللي هتقع فوق دماغنا، وبالمرة نترحم من وش صاحب البيت العكر اللي في الطلعة والنزلة عايز فلوس ميه وإيجار وتصليحات) فنظر إليها شذراً وقالها حاضر هجيبلك إن شاء الله بس لما أسرق بنك وساعتها تيجي تزوريني في السجن بعيش وكباب مش عيش وحلاوة لأن هيبقى معانا ملايين) وأكمل ارتداء ملابسه مسرعاً وتناول حذائه المتهالك متجهاً نحو الباب ولكنها وقفت بوجهه تطالبه بفلوس لتشتري بعض الملابس لأولادها الثلاثة بالأوكازيون فأخرج لها جيوبه من البنطلون وصرخ بوجهها منييين؟؟؟ ونزل على السلم بهدوء وحذر خوفاً من مقابلة صاحب البيت وسماع إسطوانة الفلوس والتصليحات والتهديدات.
وذهب لشغله متأخراً كالعادة لتأخر علبة السردين (الأتوبيس) وعند وصوله اصطدم بكرش مديره السمين وصوته الخشن (خصم وتأخير كالعادة يا بيه) ولكن عم سعيد مسعد أبو السعد نظر له بأرف وأطاح بيده وأخذ يتمتم ببعض العبارات الغير مفهومة والتي تنقل بالغ الأسى الذي بداخله وكان أوضحها (في ستين داهية..... يعني جت عليك).
ولما دخل مكتبه فاجئه زملائه قائلين (أوعوا تتكلموا في التليفونات الأرضية انهاردة وبكرة عشان الحكومة عاملة الدقيقة بجنيه لصالح غزة) !!!!!!!!!!!!
فتكدر عم سعيد مسعد أبو السعد خوفاً من ارتفاع فاتورة التليفون ولكنه ابتسم ابتسامة صفراء وتذكر أن الحرارة مرفوعة من شهرين عشان تأخر دفع الفاتورة).
ووضع رأسه بين يديه وقال آآآآآآآآآآآآآآه.
والمرة الجاية استنونا هنكمل حكاية سعيد مسعود أبو السعد
عادي في بلادي: المسئولين يقولوا تصريحات بمبي والدنيا سودا، نساعد اللي برة ونطحن اللي جوة)
|