CET 00:00:00 - 18/12/2009

الكلام المباح

بقلم: ميرفت عياد
بلغني أيها الملك السعيد.. ذو الرأي الرشيد.. إن الملك هاموشير.. ارتدى ملابسه الملكية.. وتاجه ذو اللآلئ البهية.. لمقابلة وفد من بلد الجوار.. مولعين بزيارة الآثار.. وبدأت جولتهم السعيدة.. في تلك البلاد الفريدة.. وفيما كان الملك يشرح لهم بافتخار.. قيمة وعظمة تلك الآثار.. عبروا أمام النهر العظيم.. فأوضح لهم ما في بلاده من نعيم.
وهنا طلب الملك من مسرور السياف.. أن يحضر أكواب ماء من على الضفاف.. مؤكدًا لهم إن مَن يشرب من هذا الماء.. سيعود إلى بلاده من أقصى الأرجاء.. وحاول مسرور أن يثنيه عن إرادته.. فهدده بقطع رقابته.. فاضطر مسرور أن ينفذ الأمر.. ولم يجرؤ على فضح السر.. وبعد عدة ساعات ليست بطوال.. شعر الوفد بآلام فوق الاحتمال.. فاضطر الملك إلى طلب الإسعاف.. وظن إن في الأمر سم زعاف.. ولكن أكد له الطبيب إن الماء.. هو سبب الداء.
وهنا شعر الملك بغضب شديد وصرخ قائلاً أحضروا لي هذا المتعوس.. الوزير عبدوس.. فأتى الوزير مهرولاً كأنما شكه دبوس.. ودخل على الملك فوجده في عبوس.. فقال له السلام والتحية لملك البلاد.. وسيد العباد.. فلم يرد الملك التحية.. وقال له بعصبيه.. كيف حال نهرنا العظيم؟

وهنا علم  الوزير إن الملك أدرك الأمر.. فقال له وعينيه يملأهما المكر.. يا مولاي إن النهر العظيم.. حاله أليم.. وكنت أخشى أن تعرف الحقيقة.. فتجرح مشاعرك الرقيقة.. ولكن يا مولاي للضرورة أحكام.. أشد من حكم الحكام.. الحقيقة يا مولاي إن النهر لم يعد مقدس.. بل أصبح مدنس.. دنسه الشعب.. من المنبع للمصب.. حيث ألقوا فيه فضلاتهم.. وقضوا فيه حاجتهم.. وحمموا فيه حيواناتهم.. والنهر يعاني من التلوث منذ زمن طويل.. لذلك فالشرب منه مستحيل.

فزأر الملك في وجهه كالليث في الغاب.. وقال له أنت وزير كذاب.. تحاول أن تلقى باللوم على الشعب.. وتحميله بالذنب.. في محاولة للهروب.. وقلب الحقائق بالمقلوب.. وأنت أين دورك كرقيب.. تكلم لن تنفعك الأكاذيب.
وهنا كاد الوزير أن يغشى عليه.. وهو ماثل بين يديه.. ولكنه استجمع قواه.. ليكمل مسلسل خبثه وافتراه.. وقال وهو يجثو على ركبتاه.. جعلت فدى مولاي.. وإن أراد نور عيناي.. يا مولاي أنا لا ألوى الحقائق.. ولكن من كلامي واثق.. فالعامة والدهماء.. وجماعة الغوغاء.. يلقون فضلاتهم في الماء.. ويحمون فيه البعير.. والبقر والحمير.. فتلوث ماء النهر.. بملوثات ليست لها حصر.. وأنا ليس لي ذنب.. أنها قذارة الشعب 
وهنا أدرك الملك خبث الوزير.. صاحب "الكرش" الكبير.. وطلب باستدعاء مسرور السياف.. صوت الحق الذي لا يخاف.. وأعطاه الأمان.. أن يقول الحق مهما كان.

بدأ مسرور كلامه بالسلام والتحية.. على مولاه ذو الطلعة البهية.. وقال: الحقيقة يا مولاي ظاهره مثل الشمس.. ولن أخاف من إعدام أو حبس.. لأن فاض بي الكيل.. وأنا أرى الشعب تحت الرحى ذليل.. رحى الفقر والمرض.. غير قادر أنه يعترض.. لأن الوزير وأعوانه.. قدروا يسجنوه في فقره وحرمانه.. وطوعوا هيبة القانون.. ولوثوا نهرنا المصون.. بمخلافتهم الصناعية.. وأسمدتهم الزراعية.. لتزداد مشاريعهم غنى.. ويزداد الشعب ضنى.. والناس تموت من المرض والحسرة.. وهي ساكتة وصابرة.. مستنيه أنك تنصفهم.. والحاشية الظالمة تعاقبهم.. وهنا أصدر الملك فرمان.. ومن يخالفه يعاقب بتهمة العصيان.. وهو أنه سيمنح الوزير شهر.. لينظف ماء هذا النهر.. وبعدها سيشرب بنفسه من الماء.. وإذا حدث له أي داء.. ستقطع رأس الوزير.. وتلقى في البير.. وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق