تأليف: أنطوني ويلسون
اسمي سهام، عمري حوالي تمنتاشر سنة، بحب ماما..
بحبها جداً.. باعتبرها احسن ام في الدنيا، شخصيتها قوية، اقوى من شخصية بابا، بابا رجل طيب، احيانا كثيرة اشعر بعطف عليه بحسّ لا حول له ولا قوة وانا متأكدة انه بيحب ماما.
جينا استراليا منذ حوالي اتناشر سنة، كنت صغيرة عمري ست سنين تقريباً، اصرت امي على ان استمر في تعلم اللغة العربية، كانت بتديني الدرس وبعدين واحد تاني، رايحه احكيلك عنه. أد ايه انا باشكرها لولا كده ما كنتش قدرت اكتب لك، واقول اللي انا عايزاه، ما فيش حد اثق فيه ممكن احكي له.
فكرت ان احسن شيئ اكتب لك انت، لانك ما تعرفنيش، ولا رايح تعرف غير اسمي، حتى اسمي مش هو الحقيقي، ولا اسم اي واحد او واحده رايحه احكي لك عنهم.
اعذرني.. افكارى مشتتة بقا لي اسبوع ما بنمش.. ما فيش حد ليّ هنا غير بابا وماما ماليش اخوة او اخوات، ما اقدرش احكي حكايتي للبنات اصحابي لاني بانظرلهم على انهم هلافيت ان كانوا من بلادنا او من استراليا.
مش قادرة احكم ان كانت ماما تغيرت هنا، ولا كانت كده برضه قبل ما تيجي استراليا، تحب المال، تحب الظهور، تغيظني لما يصادف واكون معاها عند حدّ ما فيش غير الخدم والحشم اللي كانو بيخدموها في بيت ابوها واللا السجاد العجمي والعفش اللي سبناه، ووزعناه على اللي يسوى وما يسواش، متحد ثة لبقة لما تتكلم الكل ينصت لها وكأنها سحراهم.
تعرفنا على اسرة كانت جا يه معانا على نفس الطيارة، واصبحوا اصدقاء هنا في استراليا، توطدت العلاقة بيننا وزي ما قلت لك قبل كده ان ماما اصرت على تعليمي العربي فكان الاستاذ فؤاد هو اللي بيعلمني.
استمر الحال على كده لغاية ما بقى عمري اربعتاشر سنة، بيقولوا البنات بخمسين وش يعني بيتغير شكلهم وجسمهم بسرعة، يظهر ان الحكاية دي صحيحة انا فاكره كويس آخر مرة الاستاذ فؤاد كا ن بيديني الدرس كنا لوحدنا، ماما مشغولة في المطبخ، بابا في الشغل، على فكرة بابا بيشتغل في السكة الحديد، يعني شغلة ورديات مرة الصبح ومرة بعد الظهر واحيانا في الليل.
كنت قاعدة جنب الاستاذ فؤاد، موطيه وشي على الدفتر وباكتب موضوع حسيت بنفس قريب مني رفعت راسي لاحظت الاستاذ فؤاد بيبص علي ونظراته غريبة، لم افكر في شيء. احضرت امي كوب الشاي له وضعته بيننا، فابتعد عني قليلاً، استمريت في الكتابة واذ بي اشعر بيده على ظهري، حسيت برعشة ايده وهو بيحركها ببطء من على ظهري متجهة الى اسفل.. صرخت قمت على الكرسي.. ايدي جات على كوب الشاي، اندلق ونزل الشاي السخن على بنطلونه.. جاءت ماما بسرعة، وقف هو مش عارف يتكلم وكله بيتنفض، سألتني ماما فيه ايه؟ لقيت نفسي باقولها اصلي شفت هناك «صرصار».. جريت ولم تجد شيء بالطبع.. اخذت تعتذر للاستاذ فؤاد لم يستطع ان يكمل الدرس من بعدها ما عد ش يجي غير لما يكون بابا موجود وما بقتش اخد درس منه واعتذر لانشغا له.
كانت هذه اول تجربة لي مع الرجال، اقصد اول تجربة اشعر فيها بانني لم اعد طفلة.. كبرت وبقيت فتاة يطمع فيها الرجال وإلا ما كان الاستاذ فؤاد تصرف هكذا..
تعدد المدرسون وتعددت التجارب ولم اسمح لنفسي ان ابدو فاتنة او مثيرة لاي واحد، انتقلت الى المدرسة الثانوية تعلمت اشياء كثيرة وما زلت اتعلم.
المدرسة في وطني الام لا اعرف ما يجري بداخلها، فقد جئت صغيرة كما قلت ولم تحدثني امي شيئاً عن الطالبات، ولا اعتقد ان الاختلاط بين الاولاد والبنات مسموح به هناك حتى هنا، هذا النظام غير معمم في جميع المدارس ما زالت توجد مدارس للبنات فقط ومدارس للبنين فقط اما مدرستي فهي مختلطة.
احترم بابا واحب ماما واعبدها، لم يحدثني احدهما عما يصيب الفتاة في اخطر مراحل حياتها، اما انا فعلي ان اعلم نفسي بنفسي واتعلم مما يدور حولي ولا اتكلم.
تعددت علاقاتي بالصبيان زملائي في المدرسة، لم اخرج مع احدهم الى اي مكان بعد المدرسة، ان لم تكن الصدفة وحدها ويكون متجها نفس الاتجاه الذي اتخذه وانا متجهة الى البيت.
لم اجرؤ ان ادخل في مغامرة جنسية.. لماذا؟.. لا اعرف.. زميلاتي كثيرا ما يتحدثن عن علاقاتهن الجنسية بالشبان خارج المدرسة ويفاخرون بانهن قضين ليلة او ليلتين خارج المنزل مع اصدقائهن، اما ان تكون الفتاة عذراء او غير عذراء فهذا ليس في الحسبان، المهم ان يقضين وقتا ممتعا خارج دائرة المنزل او المدرسة.
في البداية، كنت استمع اليهن وجسدي كله يرتعش، افكر وانا في المنزل لماذا انا هكذا؟ لماذا لا اكون مثلهن؟ كل الظروف المحيطة بي تساعدني على ان افعل مثلما يفعلن.. لن يفطن الى غيابي احد.
ليس المهم ان اقضي الليل خارج المنزل ولكن على الاقل جزءاً منه، خاصة عندما يكون بابا يعمل بعد الظهر وماما في زيارة الاصدقاء.
اشترت ماما سيارة، بقينا نخرج لما يكون بابا مش موجود نروح نزور اصدقاء ماما قبل ما يجي بابا نكون في البيت ويكون الاكل جاهز وكأننا ما خرجناش واحيانا تخرج ماما لوحدها تزور الستات اصحابها وافضل انا وحدي في البيت.
بعد فترة من شراء السيارة، طلع في دماغها تبيعها وتشتري غيرها ناس قالولها ممكن تضع ورقة وتكتب عليها للبيع ونمرة التلفون، عملت كده، تليفونات كثيرة كانت بتيجي السعر ما كانش عاجب حد.
وفي يوم دق جرس التلفون، كنت موجودة جنب التلفون اتكلم معايا واحد بالانجليزي، لم استطع ان افرق ان كان المتحدث استرالي ام لا، ناديت ماما بعد كلمتين لقيتها بتتكلم عربي عرفت ان الراجل جاي يشوف السيارة.
بابا كان موجود كنت خايفة احسن يتدخل في الحكاية وماما تزعل منه او تزعله قدام الناس لكن الحمد لله.
جاء الرجل وزوجته وتعرفوا على بعض وطلعوا من حي واحد قبل كده، والدنيا مهما كبرت صغيرة ده اللي سمعته منهم مع الاسف لم يشتر السيارة.
قمنا بزيارة الاستاذ سامي وهذا اسمه، بعدما جاء لشراء سيارة ماما وكما قلت لم يشترها وامي لم تبعها حتى الآن.
استقبلتنا الاسرة استقبالا حسنا لاحظت في هذه الزيارة ان زوجته على جانب كبير من الجمال لكنها ليست من السيدات اللاتي يتحدثن كثيرا ليس مثل امي كالعادة سيطرت ماما على الجلسة وناقشت الاستاذ سامي مواضيع شتى.
كان الاستاذ سامي من وقت لآخر يوجه الحديث الى ابي محاولا اشراكه معهما، لكن هيهات، فامي مستأثرة دائما بالحديث.
عدنا الى المنزل ودخلت حجرتي لاستذكر دروسي، كل صفحة افتحها ارى صورة الاستاذ سامي، كل كلمة اقرأها يرن في اذني صوته، ارى امي كغريق يحاول النجاة، غريق في بحر المعرفة الذي يجيد الاستاذ سامي السباحة فيه، وهي التي كنت أظن انها احدى ابطال السباحة في الكلام، اكتشفت في تلك الليلة انها تسبح في حمام سباحة ضحل، ومن كانت تسبح معهم قبل ذلك لا يجيدون السباحة فكانت تبهرهم بحديثها وكأنها تستعرض عضلاتها والكل معجب بها مبهور بحديثها.
تكررت الزيارات بيننا وبينهم، ولم يعد في حياتنا سوى عائلة الاستاذ سامي.
فرح ابي لقلة الزوار وهدوء المنزل تغيرت ماما.. بدأت تقرأ.. بدأت تنافس بابا فيما يقرأ، اخذت تتقرب اليه بطريقة ادهشتني انا ، وبابا كما هو سائر فيما هو عليه لم يتغير ولم يشعر بالتغير الذي طرأ على ماما..
اهم تغير حدث لها، هو تغير عملها، استطاع الاستاذ سامي ان يساعدها في الالتحاق بالمصلحة التي يعمل بها، كل الذي فعله،هو إهداء زجاجة ويسكي الى مديره حتى يوافق على تعيينها هكذا في منتهى البساطة.
اخذ اعجابي بالاستاذ سامي يزداد يوما بعد يوم، شخصيته، طريقته في الكلام، ثقافته.. يتحدث الانجليزية بطلاقة، يساعدني ليس فقط في اللغة العربية بل في دروسي وخاصة الرياضيات.
لكن من انا حتى اعجب بشخصية مثل شخصيته؟ انا تلميذة لو كان انجب لكان له ابنة اوابن في سني.. من انا امام ماما؟ انها منافسي الوحيد، وهي اقدر مني على الفوز به. لا انكر انني جميلة واستطيع ان اقول دون مفاخرة بانني اجمل من ماما، لكن هل الجمال هو كل شيء؟ لي جسد يشتهيه كل الرجال، وبدون استثناء، الطلبة الذين معي في المدرسة والرجال الذين ارى في عيونهم ذلك.
اما الاستاذ سامي، فلم الحظ في نظراته الي اي شيء من هذا، تعمدت اكثر من مرة ان الفت نظره الى مفاتن جسدي، فلم يكن يعير هذا اهتماما، ولو بنظرة واحدة اطمئن منها على انه يحسّ بجمالي ومفاتن جسدي.
ذات مرة وانا في الفصل.. سرحت.. ذهبت الى حيث تعمل ماما ويعمل هو كرئيسها المباشر، حسدت ماما انها تراه مجسداً تتحدث اليه وتخرج معه وقتا اطول مما تقضيه مع بابا او معايا. لم انتبه الى سؤال مدرسة العلوم الذي وجهته الي بل الحقيقة انني لم اكن موجودة في الفصل كليا، ما لم يهزني مايكل زميلي الذي يجلس قربي.
شعرت بخجل لم اشعر به من قبل في حياتي، اعتذرت للمدرّسة في فترة الغداء جاء الي مايكل وفي ادب اخذ يسألني عما بي.
بالطبع لم اقل له عن حقيقة ما بنفسي، لكني وجدت فيه لاول مرة انسانا مهتما بي وبمشاكلي، وهذا ما لم اجده في من اعيش معهم وتوطدت العلاقة بيننا لكن هذه الصداقة لم تحولني عن الاستاذ سامي.
قلّ نومي، فقدت شهيتي للطعام، لم اعد اعرف ماذا افعل او كيف اتصرف، فكرت كثيراً، لم اجد افضل من ترك كل شيء للظروف ، لربما تجمعني معه واستطيع ان افاتحه بما في قلبي من حب.
استيقظت ذات يوم من نومي مبكرة، لا اقصد بهذا انني نهضت من فراشي، لا، ظللت تحت الغطاء ناظرة الى سقف الحجرة لا افكر في شيء، فكرت لحظة ان اذهب الى حجرة امي وانام معها، ابي يعمل ليلاً وهي تنام وحدها، لكني عدلت عن الفكرة.
حمدت الله على انني لم اذهب اليها بعد وقت سمعت باب الشقة يفتح وخطوات تتجه الى غرفة ماما، لا شك ان ابي قد عاد من عمله مبكرا على غير عادته، مرت فترة قصيرة سمعت خطوات تقترب نحو حجرتي تظاهرت بالنوم فتح الباب وكانت ماما انها عادة تستيقظ بعد هذا الوقت، لما اطمأنت انني نائمة عادت واغلقت الباب، قلت لنفسي لا شك ان مجيء ابي في غير موعده في ساعة مبكرة كهذه قد ايقظها فجاءت لتطمئن علي.
سرحت بخيا لي، اخذت اقارن بين الاستاذ سامي وزميلي في المدرسة مايكل، وجدت نفسي ضائعة بينهما . مرّ عليّ الوقت بطيئاً ثقيلاً، لم اعرف كم مضى علي من وقت ان دخلت امي حجرتي.
هممت انهض من فراشي واذهب الى «التواليت» لكني سمعت خطوات تقترب من غرفتي تظاهرت بالنوم مرة اخرى، دخلت امي مرتدية ملابسها خارجة الى العمل رأيتها بنصف عين كما فعلت قبل ذلك.
تعجبت كيف مرّ الوقت بسرعة وحان موعد انصرافها الى العمل، ام كان يمر بطيئا كما ظننت.
اغلقت الباب خلفها وسمعت خطوات اخرى تتبعها لا يمكن ان يكون هذا بابا .. ابي وان جاء مبكرا على غير موعده لا اظن انه يخرج مبكرا مع ماما ولماذا؟
نهضت من فراشي وتوجهت الى نافذة غرفتي المطلة على الطريق، ورأيت ماما مع الاستاذ سامي.
اذن، ان الذي جاء مبكراً هو الاستاذ سامي وليس ابي، تعجبت كيف فتح الباب بنفسه، لا شك انه يحمل مفتاح شقتنا معه.
لم احتمل ان ارى امي هكذا، لم اطق ان استمر في المدرسة، لو عدت، ابي في المنزل، خشيت الا استطيع ان اكتم سري واخبره بما رأيت. وجدت زميلي مايكل يسألني عما بي فلَمَ لم اجبه بشيء قاطع عرض علي ان نترك المدرسة ونخرج.
ذهبنا الى «الشوبينج سنتر» دخلنا السينما الموجودة هناك . في الظلام تلامست ايدينا، تشابكت اصابعنا، ارتوت شفاهنا الظمآى، وعندما اضيئت الانوار لم استطع ان انظر اليه، في الظلام كنت اتخيل الاستاذ سامي وكنت اتمنى ان تكون اول قبلة في حياتي له.
في كل مرة يعمل فيها والدي ليلاً، كنت لا انام واسمع في الفجر نفس خطوات زائر الفجر في شقتنا، وفي كل مرة كنت اكبت جماح نفسي منتظرة الفرصة المواتية.
جاءتني الفرصة.. جاءتني في ليلة قارسة البرد ممطرة عاصفة وقرر ابي الا يذهب الى العمل.
لم انم في تلك الليلة، منيت نفسي عند مجيء زائر الفجر ان افتح باب غرفتي واجذبه داخلها، وامنحه نفسي، وانا احبه وامي تحبه.
ماذا لو اشتركت كل منا في حبه؟ لربما يفضلني على امي.. انا شابة في الثامنة عشرة من عمري وجسدي اكثر انوثة من جسد أ مي ، وشطح خيا لي الى ما هو اكثر من الحب.
حان الوقت، قربت اللحظة، فنهضت من فراشي واعددت العدة لاختطافه للفوز به، ساخبره بان ابي نائم مع امي وان لم يلبّ رغباتي سأصرخ واوقظ ابي، سأنتصر على امي سيكون زائر الفجر لي.. لي وحدي..
مرت فترة وانا واقفة خلف باب حجرتي واذ بي اسمع خطوات متلصصة قادمة من الناحية الاخرى ناحية غرفة نوم امي، فتحت الباب فتحة صغيرة، واذ بي ارى ماما تتبعتها بنظري ورأيتها متجهة الى الصا لة، ثم فتحت باب البلكون المطل على الشارع الخلفي واغلقته خلفها في حذر.
الجو ممطر وعاصف والبرد قارس، وهي واقفة في البلكون تشير اليه بيدها ان يعود ،ان يبتعد لا بد انها تعرف من اين يأ تي فتحذره في الوقت المناسب.
كدت اجن.. ضاعت فرصتي.. انها دائما لا تترك فرصة لأحد.
وكما قلت لك، انا بحب ماما بحبها جدا باعتبرها احسن ام في الدنيا.
تمت
* من كتاب «ميثاق الشيطان» للمؤلف انطوني ولسن، صدر عام 1993 عن دار عصام حداد للطباعة والنشر جبيل - بيروت.
* يعتبر هذا الكتاب اول كتاب ينشر لمصري في بلاد المهجر.
|