CET 00:00:00 - 06/12/2009

مساحة رأي

بقلم: رشدي عوض دميان
لا زلت أتذكر تمامًا هذه الفترة من السنة التي كنّا نستعد فيها للاحتفال بعيد الميلاد المجيد في ديارنا المصرية وذلك عندما كنت في مرحلة متقدمة من الطفولة وأيضًا في البدايات الأولى لمرحلة الصبا. لا زلت أتذكر المزود وحيواناته، تماثيل الرعاة والملائكة، العذراء مريم ويوسف النجار وهما حول يسوع طفل المزود، والمجوس وهداياهم للطفل يسوع، الذهب لأنه هو الملك، والبخور لأنه هو الكاهن، والمر لأنه هو الفادي والمُخلِّص.

ولا زالت ترن في أذني أنشودة الملائكة التي ظهرت للرعاة لتبشرهم بميلاد المسيح قائلة:

’’الْمَجْدُ للهِ في الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ‘‘

وأيضًا أتذكر تراتيل الميلاد ومنها هذه الترتيلة التي تقول:

أيا مؤمنون ألا تصحبونا بناي وعود إلى بيت لحم

* طفل أتانا يريد فدانا، طفل أتانا يريد فدانا        له اسجدوا له اسجدوا

* له اسجدوا جميعًا، له اسجدوا جميعًا             هــو المسيح هــو المسيح

كلمات سهلة وبسيطة ولكنها تحمل في طياتها كل المعاني العميقة حول مفهوم ميلاد المسيح ابن الله الكلمة الذي تجسد من أجل فداء وخلاص البشرية. وكأن الطبيعة نفسها قد شاركت في تصوير وتلخيص هذا المفهوم قبيل حدوث هذا الميلاد المعجزي والفريد، حيث أن ساعات النهار كانت قد قصرت وأختفى الضياء كأنه قد انزوى بعيدًا، وطالت وحشة الليل الحالك السواد!!

زمجرت العواصف وهبت الأعاصير وهاجت البـحار لم يعد هناك دفء ولا أمان ولا استقرار، وكأنه كان يبدو أنه لا مهرب ولا خلاص للبشرية من دفع عقاب وأجرة الخطية، وأصبحت تئن من أثقالها ومن تبعاتها ومن الخوف من عذاب الأبدية.

الله بسابق علمه الأزلي بضعف الإنسان وسقوطه بسبب المعصية ولأنه قد أحب البشرية منذ أن خلقها، كان قد أعد لها خطة الخلاص والفداء وذلك بأن يتجسد ويأخذ هيئة إنسان لكي يتمم هذه الخطة.

’’لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَىْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ‘‘.

ولذلك فقد لاح للبشرية النور من جديد وعاد لها الأمل من خلال هذا الميلاد المجيد.

تجول برأسي كل هذه الخواطر عن مفهوم الميلاد الإلهي وما هو المقصود منه عندما يحلُّ الاحتفال به كل عام خاصة في الدول الغربية، وأتساءل هل يصل هذا المفهوم إلى عقول وأذهان الناس في الغرب؟ وهل يعرف أطفالهم من هو هذا الطفل الذي وُلِدَ في مِزْوَدٍ للبقر؟ ولماذا يحتفل العالم كله بميلاده؟

هل تساءلوا عن السبب في أن يتحدد تاريخ الخليقة كلها في عبارتين فقط هما في اللغة العربية (قبل الميلاد BC) و (بعد الميلاد AD) وتعنيان في اللغة الإنجليزية Before Christ  أي ما قبل ميلاد المسيح وفي اللغة اللاتينية Anno Domini التي تعني سنة الرب، أي التقويم الذي تَحَدَّدَ وتَعَيَّنَ بالميلاد الإلهي للمسيح؟

ولا زلت أيضًا أتساءل هل يعرفون كل هذه المعاني والمفاهيم التي تدور حول هذا الميلاد المعجزي والفريد الذي غيَّر مجرى حياة البشرية بأجمعها؟    

الحقيقة المحزنة والمؤسفة في نفس الوقت أن الغالبية العظمى من الشعوب الغربية لا تعرف شيئًا عن أىٍّ من هذه المعاني وتلك المفاهيم!! اللهم إلاَّ نُدْرة نادرة من كبار السن وهم غالبًا من الذين نزحوا من دول أوروبا الشرقية إلى دول أوروبا الغربية هربًا من إلحاد وفاشية وقسوة النظام الشيوعي الذي كان قد أحكم سيطرته وقبضته على تلك الدول في بدايات القرن العشرين ، وكان الإلحاد وإنكار وجود الله هما من أبرز سمات وأهداف هذا النظام إلى الحد الذي جعل قادته يأمرون بهدم الكنائس وحرقها، وبإزالة الأديرة وهدمها، وأيضًا بإلغاء كل ما يتعلق بالإيمان ويمت بصلة للديانة المسيحية في كل نواحي الحياة؟!

هذه النُدْرَة النادرة هي فقط التي تدرك معنى ومفهوم الفداء والخلاص الذي أعده الله للبشرية منذ تأسيس العالم بميلاد ابنه الوحيد يسوع المسيح. ومما يدعو للحزن وللأسف أيضًا أنه حتى الأجيال الجديدة التي جاءت من صُلْبِ هذه النُدْرَة النادرة قد تأثرت بالأفكار المادية التي تنادى بعدم وجود الله!!

هذه الأفكار الإلحادية التي سادت المجتمعات الأوروبية الغربية التي وُلِدُوا ونَشَأُوا فيها، وبالتالي فقد أصبح الاحتفال بذكرى ميلاد المسيح بالنسبة لكل هذه الأجيال هو مجرد تبادل الهدايا والبطاقات!! وحتى هذه البطاقات أصبحت تخلو من الإشارة إلى ميلاد المسيح!! فقط لكي لا تؤذي مشاعر وأحاسيس أصحاب الأديان والمعتقدات الأخرى؟!

وهكذا تحولت هدية وعطية السماء للبشرية إلى مجرد بطاقة عقيمة وجوفاء خالية من أية إشارات من قريب أو من بعيد لميلاد المسيح حتى لا تسبب لمشاعر وأحاسيس الآخرين أية إساءة أو أذيَّة!! وأصبحت ذكرى ميلاد يسوع طفل المزود هي عبارة عن مجرد احتفال سنوي بفصل من فصول السنة Season Greetings!! وأصبح الكريسماس عبارة عن سلعة تُباعُ وتُشْتَرَى، حتى الحيوانات المدللة من القطط والكلاب أصبح يوجد لها ليس فقط ملابس وهدايا خاصة بالكريسماس، بل ومأكولات وحلويات أيضًا!!

هذه كلها وغيرها خصصت لها المحلات الكبرى أقساماً خاصة بها جنباً إلى جنب مع العديد من الأدوية والمسكنات لعلاج الأمراض التي تصيب البعض من الأفراد خاصة في هذه الوقت من السنة والتي منها أمراض الربو والحساسية التي تسببها شجرة الكريسماس!!

وكذلك التقلصات العصبية التي تصيب الجسم والقدمين وتورم الأصابع نتيجة المجهودات المبذولة في التسوق لشراء هدايا الكريسماس، علاوة على الصداع وعسر الهضم وأعراض الإفراط في احتساء الخمور التي تحدث بعد حفلات الكريسماس!! والأهم من هذا وذاك كله هو مرض الاكتئاب الذي يصيب الجميع بسبب فترة الكريسماس!!

في كتابها "الروح مصرية... لمحات لمصرية مهاجرة" ذكرت مؤلفته الدكتورة ليلى فريد أن مناسبة عيد ميلاد المسيح أصبح من الصعب تسميتها باسمها الحقيقي في بريطانيا، كما أن بعض المدارس منعت تأدية التمثيلية التقليدية التي تروى قصة ميلاد المسيح مراعاة لمشاعر التلاميذ الغير مسيحيين وأولياء أمورهم!! هذا علاوة على عدم التصريح بوضع شجرة الكريسماس في بعض الأماكن تفاديًا لجرح مشاعر الديانات الأخرى!

يا إلهي...!! هل إلى هذا الحد بلغ الإنكار والجحود من البعض من البشر لمن جاء وبذل ذاته عنهم وعن البشرية كلها بما فيهم من يعتقدون أن الاحتفال بذكرى ميلاده يؤذى مشاعرهم وأحاسيسهم، وها نحن نجدهم يتحالفون مع الشيطان وأعوانه ضد الذي أعطاهم نعمة الخلاص من أسر وعبودية الشيطان!!

يا إلهي..!! أنت الذي سبق وحذرتهم وقلت عنهم: لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَىَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِى بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّى، وَصَارَتْ مَخَافَتُهُمْ مِنِّى وَصِيَّةَ النَّاسِ مُعَلَّمَةً. لِذلِكَ هأَنَذَا أَعُودُ أَصْنَعُ بِهذَا الشَّعْبِ عَجَبًا وَعَجِيبًا فَتَبِيدُ حِكْمَةُ حُكَمَائِهِ، وَيَخْتَفي فَهْمُ فُهَمَائِهِ. إش 29 : 13 – 14.

يا إلهي... من أنا لكي أقول ها أنذا أجد أنهم لم يقتربوا إليك بفمهم، ولا هم حتى قد أكرموك بشفاههم؟ من أنا لكي أرى أن قلوبهم لا تزال بعيدة عنك وأنه ليست عندهم مخافة منك وأن مشورة الناس الأشرار قد صارت وصية ومُعَلِّمَةٌ لهم؟!! إذ ماذا بعد أن أنكروا ذكرى ميلادك العجيب؟ وماذا بعد أن محوا كل ما يُذَّكرهم بأنك أنت الذي لا زلت تصنع بهم عجبًا، وتُشْرِقُ شَمْسَك عَلَيهم؟

متى تُبَادُ وتُمْحَى حكمة الحكماء ومتى يختفي فهم الفُهَمَاء، هؤلاء الذين زرعوا الشك في وجودك في قلوب هذا الشعب؟ ومتى يخزى كل الذين يتقولون عليك بالإثم ويقولون أنه لم يكن هناك تجسد ولا أن الإله قد أخذ صورة الإنسان لكي يفتدي الإنسان ويخلصه من عبودية الشيطان؟! متى يفيقون من غفلتهم وسكرتهم؟ ومتى يعودون إليك ويعرفوا أنك أنت الإله الحقيقي وحدك؟

متى يعرفون ما هو المعنى الحقيقي لميلادك العجيب ولا يعودوا يتساءلون: كريسماس!! يعنى إيه كريسماس؟!

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق