بقلم- صبري فوزي جوهرة فالعرب لا يعرفون الفشل والخيبة وعمرهم ما ذاقوها، تمثل إحدى هذه المناورات ظاهرة خاصة تبدأ وكأنها مخططات محكمة يشرع فيها لتخطي المصاعب والتوصل إلى الحلول, ثم ما تلبث أن يتضح إنها حركات مرضية تبدو في أولها وكأنها مقصودة - purposeful ولكنها سريعاًَ ما تتحلل و تتضح حقيقة كونها ليست طوع إرادة الفاعل وإن بدت في أولها إنها هادفة معنية. ولهذا المشهد العجيب مواز في الطب يطلق عليها أطباء الأمراض العصبية لفظ chorea وهو مأخوذ عن كلمة يونانية تعني الرقص, تلاحظ أحياناًَ في مرضى "الحمى الروماتزمية" حيث تبدأ منهم حركة وكأنها مقصودة وذات هدف, ثم تتدهور وتنحدر سريعاًَ إلى إلتواءات لا هدف من ورائها و لا قدرة للمريض على التحكم فيها. أخر ما رأيناه من هذا الرقص المرضي هي آخر "نمرة" في برنامج سيرك السياسة العربي تفضل بتقديمها لنا السيد المشير "عمرالبشير" رئيس جمهورية السودان. فقد شرع المشير الذي لم يرى او يشارك خلال عمله بالعسكرية معركة حربية حقيقية رغم رتبته الرهيبة, في النط بين القاهرة وليبيا، والتمويه بالمرور على أديس أبابا ثم العدول عن تشريف العاصمة الأثيوبية بزيارته الميمونة, ليثبت لشعبه المقهور إنه مش خايف من القبض عليه عملاًَ بقرار محكمة الإجرام الدولية لإتهامه بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بمرور الزمن, كبعض الجرائم الآخرى, تجاه شعبه في دارفور. وبالطبع كش مغامرنا الصنديد من الطيران إلى قطر أيضاًَ لحضور مؤتمر قمة عربي حيث إن في ذلك عبور مجالات جوية دولية قد تتيح لمتصيديه فرصة إرغام طائرته على الهبوط والقبض عليه ليسلم إلى المحكمة المذكورة. يلعب المشير البشير لعبة "عيالي" بعيدة تماماًَ عن براءة الأطفال وتتسم بغباء نادر، فهو يريد أن يوحي بتخطيه حدود بلاده إنه يتحدى قرار القبض عليه وبذلك "يهوش" شعبه بأنه "جدع ومش خايف"، بينما يدرك اقل الناس ذكاء أن في إختياره الدقيق لأماكن الزيارات وقع على بلاد تؤمنه من خطر الوقوع في يد القانون يواصل فيها السعي لإستجداء النصح والتأييد من أمثاله من المتاعيس من حكامها الذين هم في واقع الامر مجرمون وإن قل مدى إجرامهم عما أوصل البشير إلى مراتب البطولة ببعض الدرجات فلا بد من إنهم سيكونون من حماته ومؤيديه ضد الحق والعدالة لأنهم يخشون أن يقع بهم ما أصاب قرينهم ولو بعد حين، وكان من قبيل الصدف أيضاًَ أن إشتركت وتلامست حدود البلاد المنتقاة للزيارات مع حدود السودان. لم يفطن المشير إن الناس "واخدين بالهم" من خصوصيات أماكن زياراته خارج السودان وطبيعة مضيفيه، بل إنه بزياراته المريبة هذه قد أكد وأثبت عكس ما أراد أن يوهم الغلابة من الناس به، ولا عجب، فمن سمات الأغبياء إنهم يظنون أن بإستطاعتهم "إستغفال" الجميع! فقد وضح للجميع أن البشير قد أصبح مطوقاًَ برباط إلتف حول عنقه يمنعه من المروق من وكره بأبعد من مقدار طول الرباط! الزعيم ذو الحذاء الكبير الذي يستطيع أن يدهس به مجلس الأمن لا يجرؤ على المغامرة خارج سياج ضيق وإن كان ذلك لا يمنعه من محاولة إيهام الغلابة إن في إستطاعته السفر لبلاد برة بلا خوف، ولا وجل متحدياًَ من يريدون القبض عليه. سلوك طفولي كان من الأفضل للبشير أن يتحاشاه حيث إنه أكد للجميع جزعه الشديد من إحتمال الوقوع في يد العدالة بينما يتظاهر بعدم الإكتراث بهذا المصير.. تذكرني مغامرة البشير هذه بقصة عن إمرأة متزوجة إتفقت مع عشيقها أن ترتكب الفحشاء معه أمام زوجها، فإتفقا أن يتوارى العشيق قوى البنية في موضع على الطريق الذي يسلكه الزوجان للنزهة ساعة العصرية، ثم ينقض عليهما من مخبأه، ويهدد الزوج بالقتل إن تحرك خارج نطاق دائرة رسمها له في الرمال اثناء إغتصابه للزوجة. وبعد تمام خطة العشيقين بنجاح, شرعت الزوجة في السخرية من زوجها ومعايرته لإنصياعه التام لأؤامر المغتصب بإلتزام الحدود التي رسمها له في لرمال وهو يغتصبها، فرد الزوج مدافعاًَ عن نخوته وشجاعته قائلاًً: وانت فاكرة إني كنت جوا الدايرة على طول؟... طبعا لأ! كنت بأطلع رجلي براها لما يكون الراجل مش واخد باله.... ألا تذكركم هذه النكتة بأحوال المشير الهمام؟ إلا أنه هناك جانب آخر محزن لهذه القصة هي التساؤل عن مدى إستمرار الحكام الطغاة في محاولات إستغباء شعوبهم, والأمر الآخر الذي يدعو إلى الحسرة هو إنه لا يبدو في الأفق ما يدعو للإعتقاد بأن هذه الشعوب البائسة تنوى أن تحرك ساكناًَ لنفي إعتقاد الطغاة بغبائهم، هناك بالطبع إحتمال آخر وهو أن هذه الشعوب المقهورة غبية فعلاًَ وإلا لما قبلت بما آلت إليه مقدراتها. وإلى عرض جديد في سيرك الساسة العرب وشعوبهم التي تعلمت أن تمشي على العجين ومتلخبطوش. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت | عدد التعليقات: ٥ تعليق |