بقلم: لطيف شاكر
في مقالي السابق بعنوان لماذا غزا العرب مصر والذي نشر في عدة مواقع ويمكن تلخيصه في مقولة عمرو بن العاص ( نحن العرب من أهل الشوك والقرظ ... كنا اشيق الناس أرضا وشره عيشا, نأكل الميتة والدم ويغير بعضنا علي بعض.... فلو تعلم ماورائي من العرب ماأنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلا جاءكم ) ويعلق ابن ظهيرة علي هذا الوضع بقوله ( ولم تزل ملوك مصر ورؤساءها من عمرو بن العاص والي وقتنا هذا يجمع كل واحد منهم اموالا لاتدخل تحت الحصر. وكذا الامراء والوزراء والمباشرين علي اختلاف طبقاتهم كل منهم يأخذ أموالا لاتحصي في حياتهم) . والحقيقة كان هدف مقالي ان
ابث في المصريين عقيدة سامية تخلصنا من اتعاب ثقيلة قادمة علي الوطن وهو ان مصر للمصريين.
وقد ورد علي المقال تعليقات كثيرة جداعلي كل المواقع , وأود اليوم ان يشاركني القارئ العزيز في قراءة ثلاث تعليقات تعبر عن نبض السادة المعلقين وعما يجول في خاطر كثير من المصريين والعرب علي السواء .
ولنبدأ بالتعليق الاول الذي ورد من الاستاذ محمد البدري المحترم في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 29 الجاري فيكتب تحت عنوان تاريخنا الذي زيف الاتي:
"بداية فهناك تقدير واحترام للسيد كاتب المقال ، واضيف الي المقال وربما احتاج الامر الي مقال منفصل القول بان العرب لم يذهبوا الي مكان الا لتحقيق الاهداف التي مارسوها في وطنهم الاصلي (جزيرة العرب) حيث التعييش علي نهب الجيران من القبائل. ولعل ما ساقه السيد الكاتب من اقوال العرب متربصين بما لدي المصريين من ثروة لكاف بالاقناع. اما الاسلام فليس سوي صنعة افتعلها العرب لتبرير غزوهم الداخلي وغزوهم لما خارج جزيرتهم. لكن لماذا خرجوا من جزيرتهم فتلك اسباب تتعلق بمدي عجز الداخل من تحقيق نفس الاهداف. فعندما الغي محمد الاشهر الحرم التي كان يبطل
فيها القتال في الجاهلية فان العادات والاعراف القبلية الجاهلية اصبحت هي الاصل من غزو ونهب. فاصبحت الحروب طوال العام لان الرابح منها هو المسلمين وفقط. لكن هل كان ممكنا ان تبقي الحروب مشتعلة وفي نفس الوقت يمكن ان تكون هناك مصادر وفرص طبيعية لاقامة حياة بشكل متفق عليه اللهم الا لصالح المحاربين. هكذا خرب كل مكان وصل اليه الاسلام بدوام الحرب وحتي وفاه مؤسس الاسلام.
ومن ثم فان الحروب ازدادت ضراوة بعد موته بسبب ان الناس أعادت النظر في احتياجها لنظام الجاهلية الذي يوفر قسطا من الراحة لثمانية اشهر يمكن اعادة ترميم ما تم تخريبة، إضافة للحنين علي ما كان مترسبا من عقائد يصعب تركها لمجرد اشهار السلاح تحت حجج الكفر او الوثنية. هنا فان ابو بكر اكمل مشوار الحروب ومن ثم تم تخريب ما بقي من هياكل الانتاج التي اسلم اصحابها تحت تهديد السلاح ونجت من التخريب قبل وفاة محمد. اما بعد وفاته فلم تنجو ايضا هذه القطاعات الانتاجية لان اصحابها اعتبروا مرتدين ومن ثم جرت عليهم عوامل التخريب السابقة. ولان المسامين هم فقط المحاربين دون اي تحديد لمهن اخري فان علاقات العمل وقوي الانتاج باتت خربة يمتلكها اناس لا علاقة لهم بالعمل او الانتاج لكنهم يمتلكونها بوضع اليد او كغنيمة حرب ولايستطيعون استثمارها.
ظلت حروب الردة سنتين كاملتين خرب فيها ما سلم زمن نشر الاسلام قبل وفاه مؤسسة. واستلم عمر ابن الخطاب الامر وكل شئ اطلال في اطلال خربة لا تغل شيئا لهذا ارسلهم الي الخارج لجلب الغنائم لحل مشكلة الداخل الفقير المعدم والخرب. وتم هذا تحت شعار نشر الاسلام، لكن لم يسأل احد ما علاقة نشر الدين بنهب وسرقة الاوطان خارج الجزيرة؟ ففي الداخل النهب ممكن بل هو من اعراف وعادات العرب جاهليين ومسلمين فلا فرق بينهم. هذا السؤال تكمن اجابته في النصوص التي استشهد بها السيد كاتب المقال وتوضح ان الامر لم يكن مسالة عقيده او دين بقدر ما
كان حلا لمشكل اقتصادي لاناس فقدوا كل شئ تحت مسمي الدين، وانتقل الافقار والتخريب معهم الي الخارج فيما يسمي االفتح."
اما التعليق الثاني فورد بموقع الاقباط المتحدون باسم صن رايز وهو اسم مستعار تحت عنوان لايجب التسليم بطمس الهوية المصريه لصالح قومية أخري :
"أنني أتفق مع الكاتب في أن المصريين هم البشر الذين تجمعهم وحدة المصلحه والهدف في إصلاح حال هذا الوطن الرائع ( مصر ) بصرف النظر عن الأعراق التي إنحدروا منها ، إن الوطن كما أتمثله هو الناس الذين أتعاون معهم من أجل إنجاز عمل ما ، هو المشاعر الدافئة التي تلفنا جميعا ، هو العلاقات الحميمه التي تربط بيننا ، هو النجدة في ساعة الضيق ، والفرحة في لحظة السرور ، هو الإبتسامه التي نتبادلها عند اللقاء مع تحية الصباح ، هو الطفل والشيخ والرجل والإمراة الذين نلتقي بهم في الأعياد والمناسبات الوطنيه ... وليعلم الساده أن الجنسية في التعريف القانوني إنما تكتسب بالميلاد ولاحاجة بنا للبحث عن أسباب للتفريق ، بل الأجدي أن نبحث عما يجمع ولايفرق .
لقد كانت الحسنة الوحيده لنتائج مباراة الكرة الأخيره هي تدفق الشعور الوطني والعودة إعلاء شعار المصرية وطنا في غير حاجة لأن نلحقة بهوية أخري مثل العروبة أو غيرها ، فرجاء حافظو علي قوة الدفع هذه ولاتبددوها في جدل عقيم غير مجدي . إن المذلة والعار الذي ألحقهما الغازي العربي بمصر والمصريين يدعونا ليس للتفكير في الإنتقام أو شن هجوم كاسح من الألفاظ والسباب والشتائم ، لكن بالأحري يدعونا إلي التفكير في مايرفع من شأن هذا الوطن (مصر) ويحفظ له
كرامته التي هي كرامة كل المصريين ، وهذا لن يتأتي إلا بالعمل الجاد والدؤوب للخروج من حالة التردي والتشرذم والتشتت والمباهاه بما كان أو التعالي الذي يلجأ إليه البعض بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو العقيدة ، وإنما بما يجب أن نحققه علي أرض الواقع ومانصنعه بالتطلع إل المستقبل الذي نبغيه . لا أقلل من الجهد الذي بذله الكاتب المحترم الأستاذ لطيف شاكر ، بل إنني مؤيد له تماما مادام الهدف إبراز حقائق أغفلها الكثيرون ، ومادام ذلك يبعث الثقة في الذات ويحفز علي العمل .
إن الخلط المتعمد مابين العروبة والإسلام تسبب في الكثير من الغفلة والغوغائيه حتي أصبح النداء بتخليص مصر من العروبه كأنه مساويا لإنتزاعها من عقيدة الإسلام أو إنتزاع عقيدة الإسلام منها ، والتي هي عقيدة الغالبية من أبنائها !!! هذا الخلط المتعمد تسبب في إفساد ثقافة جيل بكامله وإمتد لإفساد ثقافة الجيل الحالي . من هنا فإن علاج هذه الحاله يستوجب أن تتركز كل الكتابات علي بيان الخلل الثقافي الذي أفرز هذه المغالطه و بذل الجهد لتصحيح إعوجاج الثقافة السائده ، وهذا قد يكون متعذرا إذا أصر البعض علي تعيير أو إمتهان وطنية المواطنين المصريين المسلمين بالنظر إلي أعراقهم . أمر آخر يجب الإلتفات إليه وهو موضوع
الوحدة لدول المنطقه ، لايجب أن ننبذ الدعوة إلي الوحدة متي كانت من أجل المصلحة الوطنيه ، علي أن يكون مفهوما عدم إختزال الهوية المصريه تحت يافطة العروبه حيث يمكن أن تحتفظ كل دولة بهويتها وجنسية شعبها ويضمها إتحاد شرق أوسطي أو إتحاد جنوب وشرق المتوسط ، لكن أبدا لايجب التسليم بطمس الهوية المصريه لصالح قومية أخري ... مع تحياتي لجميمعكم وخالص مودتي"
اما التعليق الثالث فقد ورد من انسان عربي صادق باسم مستعار ابن الجزيرة العربية ونشر بموقع الحوار المتمدن بعنوان وجه كلامك الي حكومتك في الاول:
"نعم انتم لستم عرب , واقسم انني اتمني ان اقطع اي رابط يربطكم بنا ماذا استفدنا من عروبتكم التعيسة غير الزج بنا بصراع مع اسرائيل التي لم تؤذنا بشئ وصرف مليارات الدولارات كمساعدات لكم في حروبكم وتنميتكم وتوظيف ملايين العاطلين المصريين في بلادنا وشراء افلامكم ومسلسلاتكم التي لم يعد يراها سوي ربات البيوت العجائز .
نحن لانريد عروبتكم ولانريد اسلامكم ولا نريد ان تربطنا بكم اي رابطة وياريت لو توجه كلامك هذا الي حكومتك بدل ان تكتبه بالانترنت لعل وعسي تلغي حكوكتك كلمة عربية من اسمها ونخلص من هذا القرف !"
وقبل ان اترك للقارئ العزيز حرية التعبير اود ان اشير بكلمة مقتضبة عن القومية العربية وايضا كامة مماثلة عن القومية المصرية حتي يكون تعليق القارئ اكثر دقة في ضوء الحقيقة.
القومية العربية أو العروبة هي الإيديولوجياالقوميةالعربية، تعتبر هذه الإيديولوجيا الاكثر شيوعاً في العالم العربيخصوصا في فترة الستينات و السبعينات من القرن العشرين و التي تميزت بالمد الناصري و قيام الجمهورية العربية المتحدةبين مصرو سوريا.
يؤمن القوميون العرب بالعروبة كعقيدة ناتجة عن تراث مشترك من اللغة والثقافة والتاريخ والدين الإسلامي إضافة إلى مبدأ حرية الأديان. الوحدة العربيةهدف معظم القوميين العرب.
يجري اصطلاحاً استخدام العروبة بمعنى مرادف للقومية العربية لكن هناك من يقول بالفرق بين العروبة والقومية العربية. وهناك من ينادي بفك الازدواج بين العروبة والقومية العربية للمساعدة في توضيح المقصود من حيث المعنى اللغوي والسياسي ومن هؤلاء الكاتب العراقي حسن العلويحيث وصف العروبة والقومية العربية بالتوأم الوهمي.
فالعروبة انتساب إلى العرب وتعني فقط الانتساب المجرد عن المعنى السياسي، فمن الممكن للإسلامي أن يكون عروبياً وللماركسي ان يكون عروبياً لأن العروبة مجردة من المعنى السياسي فهي شعور بالانتماء لا أكثر.
والقومية تعني القوم المنحدرين نسباً من صلب جد واحد وهومصطلح حديث ظهر في اوربا في القرن التاسع عشر ومع التطور التاريخي انسلخ مصطلح القومية عن جذوره وحمل معني وحدة التراث والثقافة والتاريخ واللغة والمصير. وبذلك تكون القومية العربية زائفة ولاتنطيق علي الشعوب العربية لانهم لاينحدرون من جد واحد فمنهم المصريين والاشوريين والفينيقين والكلدانيين ....والعرب, وبالعقل والمنطق فكيف تكون القوميات السابقة اقدم من العرب ثم ننسبها للعرب,هل ممكن ان ننسب القديم للجديد ام العكس هو الصحيح . فالقومية والحضارة العربية جاءت علي انقاض القوميات والحضارات السابقة. وبالتالي لايمكن ان ننسب الاب لابنه بل الابن لابيه .
والقومية المصرية التي تنبع من التاريخ والثقافة التي تشكل هويتنا قديمة جدا بلأقدم حضارة انسانية علي وجه الارض , ولدت مع مولد الزمان كما وصفها الكاهن والمؤرخ المصري القديم "مانيتون" . حيث أبدع الإنسان المصري وقدم حضارة عريقة سبقت حضارات شعوب العالم.. حضارة رائدة في جميع عناصر مقوماتها , عندما بدأ مع توحيد ااقليمي الوادي وبداية الاسرات وحددوا عمر الحضارة المصرية بخمسة الاف سنة اي مع بدء ظهورها كشجرة نامية فوق سطح الارض بينما كانت جذورها تمتد عميقة فيي باطنها . وعندما بدأ البحث والتنقيب لتتبع جذورها او لغز جذور الحضارة
وتحديد عمرها الزمني وجد انها تمتد الي مايزيد علي عشرة الاف سنة . ان مااطلق عليه توحيد الاقليمين سبقته عدة مراحل للتوحيد لكل منها اسراتها الحاكمة ,وانظمة الحكم وتشاريعه وعناصر المدنية ومقوماتها .ابتكاراتها وعمائرها وفنونها ، حيث أذهلت العالم والعلماء بفكرها وعلمها ، فهي حضارة متصلة الحلقات تفاعل معها الإنسان المصري وتركت في عقله ووجدانه بصمتها ، لقد كانت مصــر أول دولة في العالم القديم عرفت مبادئ الكتابة وابتدعت الحروف والعلامات الهيروغليفية .
وقد واجه الباحثيين في علم الحضارات وتاريخها ان الحضارة الفرعونية اختلفت عن جميع حضارات البشرية في انها لم تخضع لسنة النشوء والارتقاء بل ظهرت متكاملة ومتطورة في جميع عناصر مقوماتها وكلما تغلغل الباحثون في الاعماق السحيقة للوصول الي جذور المعرفة تكشف لهم مفاجأة بدايتها من القمة وتوازن جميع عناصر مقومات تكوينها من علوم الفلك والطب والكيمياء والهندسة والزراعة والفنون والآداب ..... وفي مقدمتها العقيدةالتي شملت أسرار الوجود والايمان باالاله الخالق ووضعت تشاريع حياة المجتمع فمهدت طريق الحضارة المتعددة الابعاد وحددت معالمه ..ذلك
الطريق الذي سارت فيه مقتفية آثار أقدام مصر شعوب آخري وشعوب الشرق القديم ثم اليونان مقتفية أثر المصري وجميع تلك الحضارات رأت النور بعد أن رفعت مصر شعلة الحضارة بألاف السنين . ومن اليونان أخذت أوربا الكثير من معالم الحضارة التي يعيشها العالم الان.
وقد يقول قائل ماذا اعطت مصر..وماذا قال عنها الباحثون في تاريخ الحضارات :
يقول هنري بريستد " إن عطاء مصر للحضارة والانسانية دائم ومتجدد وينهض دليلا علي عبقرية أصيلة ووجدان مرهق لشعب وادي النيل وهي عبقرية لم تنقطع " .
وقال امري"إن عظمة مصر تتجلي في تاريخ حضارتها ومدنيتها التي استمرت خمسة الاف سنة عاشتها أمة عظيمة موحدة ثابتة منظمة كانت دائما تخطو الارتقاء والتقدم".
وقال سونيرون "الانسان المصري لم يعرف العقم في حياته .عرف العطاء منذ ان رفع شعلة الحضارة . فالمصري صنع الحضارة لافي مصر وحدها بل في العالم أجمع , ويقول ان مصر الفرعونية فجرت اول ثورة صناعية جمعن بين العقيدة والمعرفة او بين الدين والعلوم منذ فجر التاريخ وتشابكت جذورهما دون انفصال . لذا اطلقوا علي العلوم اسم المعرفة المقدسة, ونسبوا كل شئ الي الخالق كانوا أول من آمن بوجوده فارتبطت المعرفة وعلومها بالسماء فنبتت جذورها في المعابد واصبحت ضمن مقدساتها. لم تخضع لمبدأ التجارب والخضوع لسنة النشوء والتطور بل خرجت الي النور متكاملة يعززها
البحث العلمي فنسبوها الي المعبود تحوت"
وختاما لم اقصد بالحضارة العربية المساس بالاسلام او الدين الاسلامي, كما ان مقصدي وهدفي من كتابة هذا المقال والمقال السابق هو تمجيد القومية المصرية وتعميق واعلاء عقيدة وشعار مصر للمصريين وليس للعرب او المستعربين . |