CET 00:00:00 - 23/11/2009

مساحة رأي

بقلم: منير بشاى
مثل الكشح وبمها وكفر دميانة وعزبة ناصر، وغيرها...  وجدت فرشوط نفسها فجأة محط أنظار العالم. هى بلدة نائية فى محافظة قنا ، ربما لم يسمع أحد فى مصر عنها، ولكنها الآن تتكلم عنها وكالات الأنباء العالمية مثل الإسوشيتد برس لأنها أصبحت مسرحا لعمليات إرهابية مروعة.

الأخبار التى تتوالى علينا بينما أكتب هذه السطور أنه فى يوم السبت ۲١ نوفمبر ٢٠٠٩ حدثت إعتداءات واسعة على أقباط فرشوط وكذا قريتى الكوم الأحمر والشقيقى. يتزعم هذه الإعتداءات طلبة المعهد الأزهرى بقيادة شيخ المعهد الأزهرى ومفتشيه ومعهم حشد كبير من الغوغاء والبلطجية وهم يقومون الآن بتدمير منازل ومحلات وصيدليات وممتلكات الأقباط. وقد تحطمت صيدليات يمتلكها دكتور لطيف المعصرانى ودكتورة سميرة وتقول التقارير أن الشرطة- للأسف الشديد-  تراقب ما يحدث دون أن تتدخل.
وسبب الإضطرابات كما هىالعادة إطلاق إشاعة بأن شابا مسيحيا إسمه جرجس بارومى قد إعتدى جنسيا على طفلة مسلمة. وقد قامت السلطات بالقبض على الشاب القبطى وجارى التحقيق معه فى التهمة المنسوبة إليه.

ويبدو أنه نفس السيناريو يتكرر فى كل حادثة إذ يحدث بعض الشرر يؤدى الى انفجار فى الجو العام المشحون بمشاعر الكراهية ليحرق ويدمر. يحدث هذا خاصة عند المساس بمسائل لها حساسيتها الخاصة فى المجتمع المصرى التىغالبا ما ترجع إلى واحد من هذه الأسباب:
•       بناء الكنائس وترميمها
•       عمليات التحول من الإسلام  للمسيحية.
•       قضايا الشرف والإعتداء الجنسى بين أتباع الدين المسيحى والإسلامى.

من الطبيعى أنه لا يوجد فى الدنيا مجتمعا مثاليا يخلو من المشكلات كالتعدى على الأعراف والتقاليد بل وحتى كسر القانون ذاته. ومن أجل ذلك وجدت قوات الأمن والمحاكم والسجون للتعامل معها فى إطار القانون والشرعية. ولكن المشكلة فى مصر هى عندما تخرج الأمور عن الشرعية ويتحول الأمر إلى إرهاب ضد المجتمع. وهذا أفرز عدة ظواهر خطيرة فى مصر.

لعل أخطر الظواهر التى تنتشر فى مصر الآن هى إعتقاد المواطن العادى أنه من حقه أن يأخذ القانون بيديه. فعندما يرى شيئا يستفزه بدلا من ابلاغ جهة الإختصاص وهى السلطات فإنه يقوم هو بهذا الدور. والفرد لا يحق له هذا التصرف لأنه ليس مخولا بهذا الدور. ولأنه عادة  يقوم به بعشوائية ودون تروى وبناء على إشاعات غير مؤكدة، والنتيجة حدوث أخطاء وتعديات. هنا نرى المواطن العادى يقوم بدور رجل البوليس ورجل النيابة والقاضى والجلاد فى وقت واحد. وبذلك تضيع سلطة الدولة وهيبتها ويتحول المجتمع إلى عصابات وبلطجية ويضيع الإحساس بالأمن والأمان.

ظاهرة خطيرة أخرى تنتشر فى الوقت الحاضر هى أخذ المجموع بجريرة الفرد. إذا كان هناك فعلا جريمة قد حدثت مثل ما يشاع الآن أن رجلا قبطيا إعتدى على فتاة مسلمة فالحل العادل أن يتم ابلاغ البوليس ويقبض البوليس على ذلك الرجل ويحقق معه ويحاكمه ويعاقبه إذا ثبتت إدانته. أما القيام بالإعتداء على كل مسيحى فى البلد فليس له ما يبرره. فماذا فعل هؤلاء الأبرياء حتى يدفعوا الثمن لخطأ لم يرتكبوه ولم يشجعوه ولا يرضوا عنه؟ هذا العقاب الجماعى الذى يطال الأبرياء ينهى عنه القرآن نفسه الذى يحث المسلمين أن لا يعتدوا على غيرهم إلا بمثل ما إعتدى عليهم (البقرة ۲:١٩٤) بل ويلاحظ أن هذا أمر جماعى للمسلمين وليس للأفراد. وهذا الدور الجماعى أصبح الآن مسئولية الدولة.

أما الظاهرة التى هى فى غاية الخطورة فهى أن مقياس الجريمة قد بدأ يأخذ بعدا مضاعفا إذا صدر عن من يخالفك فى الدين. ففى هذه الحالة التى أمامنا لو كان هذا الشاب مسلما ، لكان قد تحمل وحده وزر جريمته. أما لكونه مسيحيا فكل مسيحيوا البلد أصبحوا يتحملون الآن المسئولية. ففضلا عن أن هذا يفتقر إلى أبسط أنواع العدالة فإنه أيضا يبرز روح التعصب الدينى الذى إعترى المجتمع المصرى فى هذه الأيام. نظرة المواطن  للآخر الآن لم تعد نظرة مواطن مصرى لمواطن مصرى آخر، بل أصبحت علاقة مسلم بمسيحى. بل قل علاقة مؤمن بكافر بما يمليه هذا التصنيف من تداعيات طبقا للنظرة الدينية  المتعصبة السائدة فى مصرة الآن والغريبة عن  روحها.

حوادث فرشوط هى حلقة جديدة من سلسلة الإعتداءات ضد الأقباط، ولا أكون متشائما إذا اعتقدت أنها لن تكون الحلقة الأخيرة. فالعوامل التى أدت إلى هذه الحوادث موجودة ومتربصة، وهى نفسها التى أدت إلى ما سبقها، وأخشى أنها ستؤدى إلى المزيد فى المستقبل.

يحدث هذا لأن المسؤلين يفضلوا العلاج السطحى الأسهل للمشكلة، والذي لن يفيد شيئا، وهو مجرد وضع رباط فوق الخراج، بدلا من العلاج الحقيقى الأصعب الذى يتطلب فتح الخراج وتنظيفه وعلاج أصل الداء.
والآن أى بلد فى مصر سيأتى عليها الدورليطل علينا الإرهاب بوجهه القبيح؟

Mounir.bishay@sbcglobal.net

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١١ صوت عدد التعليقات: ١٧ تعليق