بقلم: عزت عزيز
رجال الدين أيًا كانت العقيدة التي ينتمون إليها يجب أن يكون لهم الجميع دون تفرقة (كل التقدير والإحترام) وهذا نابع المبادئ والأخلاق التي تربينا عليها منذ قديم الزمان ومن الحرية في الأعتقاد والتي كفلتها كل المواثيق الدولية، والشيء الخطير هنا والذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو ما عشته ولا زلت أعيشه من المعاناة الشديدة التي يعانيها أبائي الكهنة وبالأخص (الأقباط) منهم حيث لهم ذي كهنوتي خاص بهم وهو ذو اللون الأسود والشكل المميز من فراجية وعِمة سوداء، وغير ذلك من ملبس خاص يميزهم عن باق الناس أو رجال الدين الأخرين.
وسوف أذكر لكم بعض الحوادث التي عشتها شخصيًا والتي تعبر عن بعض من المعاناة هذه و التي يتعرض لها أبائي الكهنة في حياتهم اليومية .. فهم يتعرضون للعديد من المضايقات في الشارع من أناس يتغلب عليهم الجهل والتعصب الأعمى والكراهية الدفينة، فقد تجد البعض منهم يبصقون أرضًا عند مرور الكاهن وتجد منهم من يتلفظ بأقذر وأحط الألفاظ عند رؤيته كاهنًا والبعض قد يمسك بجلباب الأب الكاهن ويفر هاربًا بالموتوسيكل الذي يستقله أو التوك توك الذي يقوده!!
وبالأمس تقابلت مع أحد الأباء الكهنة وقص لي ما حدث مع قدسه حيث كان يسير في شارع "الجلاء الرئيسي بمدينة القوصية بمحافظة أسيوط" وفجأة وجد شابًا يقف بدراجتة الهوائية و يسبه بأقذر وأحط الألفاظ دون أي ذنب أقترفة الأب الكاهن (الشيخ الوقور) الذي يتحرك بصعوبة شديدة حيث أن قدسه يحمل العديد من الأمراض المزمنة مع هموم شعبه فوق أكتافه!! فما كان من الأب الكاهن إلا أن أمسك به بالرغم من مرضه وألقى به أرضًا مما ترتب عليه تجمع الكثير من المارين حيث أن الأب الكاهن رفع صوته موبخًا هذا التصرف الحقير من المجرم......
فهل تتصوروا ماذا قال له أحد المارة؟ "كفاية يا أبونا مش عايزين نكرر موضوع ديروط تاني"!!، فما كان من هذا الأب الكاهن الشجاع إلا أنه أعطى كل من في الشارع درسًا في الأخلاق وقال لهم كان يجب أن تلموا بنتكم -تمنعوها من الفاحشة- قبل أن تتهم الشاب بتاع ديروط بإغتصابها... وهنا تكهرب الجو في الشارع وكاد ينذر بكارثة إلا تدخل بعض من المارة الذين يعرفون الكاهن وأخذوا قدسه بعيدًا عن هذه المنطقة.
لم يذهب أبونا للشكوى لأنه قد يعرف مصير شكواه في ظل غياب دولة القانون وطائفية القضاء المصري وعنصرية من يقومون علي أمن هذه البلد، هذا ما يحدث في شارعنا المصري كل يوم يا سادة يا أفاضل وأنا هنا لا ألوم الأب الكاهن في عدم شكواه فهو له مطلق الحرية في ذلك وهو أدرى مني في كل هذه الأمور.
وللعجب الشديد أن نفس هذا الأب الكاهن قد حدث مع قدسه منذ سنوات ما هو أخطر وأحزن وأسوء، فتتذكرون قصة الجريدة المصرية التي قامت بنشر صور تدعي فيها انها لقس قبطي يمارس الرزيلة مع إحدى السيدات والتي قام بتأليفها أحد رؤساء الصحف الصفراء والغير مأسوف عليه والتي أطلق من خلالها لفظًا علي هذا القس المشلوح وهو لفظ (كوكو)، ونحن هنا لا ندافع عن هذا القس أيًا كان مذنبًا أو بريئًا ولكن الذي يهمنا هو ما حدث من أحد السادة الضباط (الذي كان يجلس في نقطة شرطة مرور جامعة أسيوط خلال تلك الفترة)، فأثناء مرور هذا الأب الكاهن نفسه بسيارته أمام نقطة المرور قال له ضابط الشرطة (عدي يا كوكو)!!
فما كان من الأب الكاهن إلا وأن أوقف سيارتة وأمسك بالضابط وأعطاه درسًا في الأخلاق التي لم يتعلمها من أسرته أو بالكلية التي تخرج منها وما هي إلا دقائق قلية إلا ومديرية أمن أسيوط تنقلب عن بكرة أبيها بسبب التصرف الحقير الذي صدر من (الضابط الذي منهم) والمفترض أنهم مكلفون بأمن البلد والحفاظ علي وحدته الوطنية، وبالطبع أخذت هذه الحادثة منعطفات خطيرة والتي جعلت هذا الضابط مثل عيل صغير يبكي معتذرًا ومتأسفًا عن فعله الحقير!!
أحداث كثيرة لا يتسع المجال لذكر عدد منها، ولكن ما قاله لي أحد الأباء الذين تم سيامتهم بمطرانية القوصية ومير منذ فترة قريبة جعلني أحزن علي ما آل إليه حال بعض الجهلة والمتخلفين الذين يرشقون مثل هذا الأب الكاهن بأفظع أنواع السباب، حيث أن قدسه يسير بالشارع من مسكنه البعيد عن مكان الكنيسة التي يخدم بها وفي ظل سطوة وهمجية من يقودون التوك توك نجد الكثير من التحرشات بالأباء الكهنة دون أي تواجد أمني يُذكر وقد يكون عدم تواجدهم أفضل فقد يلوم أحدهم علي الأب الكاهن لأنه يسير بالشارع هكذا وبكل حرية !!
حادثة أخري: فتاة متحجبة تسير خلف أب كاهن قريب لي وتقول له أنت كوكو؟ فرد عليها أبونا بكل بساطة لا يا بنتي أنا أبونا فلان!!
حادثة ثانية: مجموعة شباب يلعبون الكرة وفجأة مرّ أحد الأباء الكهنة وعندها توقف اللعب ليس أحترامًا للأب الكاهن ولكن ليصرخوا بأعلي صوتهم كوكو كوكو كوكو ... فما كان من الأب الكاهن إلا وأن أعطاهم وأهلهم درسًا في الأخلاق التي لم يسمعوا عنها من قبل!!!
غيره .. كنت أسير مع أب كاهن ببلدتي القوصية وجاء شاب من خلفنا وقال (ياد يا قمص) يعني يا ولد يا قمص!! فما كان من هذا الأب الكاهن أن تركه ينبح كالكلب المسعور لأن الأب الكاهن يقتنع كل الأقتناع بأن هذا التصرف لا يصدر من شخص يصعب أن ترد عليه أو تنحه لإنه قد امتلىء حقارة وانحطاطًا مما يصعب معه التفاهم أو الحوار.
ومن طرائف المعتقدات التي تنم علي الجهل، ما رايته من تصرف غريب لم أجد له تفسيرًا حتي الآن وهو أنه عند مرور أحد الأباء الكهنة في شوارع القرى نجد غير المسيحيين وبالأخص (الأطفال منهم) يهرشون رؤسهم ويحكونها بأياديهم الإثنين وبطريقة عجيبة جدًا، بل وصل الأمر لما هو أعجب فكنت أرافق جثمان أحد المتوفين إلي المدافن في بلدة درنكة بأسيوط وعند مرور السيارة التي تحمل الموتى وذات الشكل المميز والتي كنت أستقلها بجوار السائق فوجئت بكل أطفال هذه القرية يحكون رؤسهم بأياديهم وبطريقة مثيرة تجعل من يتابع يقول أن هناك مرضًا جلديًا معديًا يكتسح رؤوس كل من في القرية.
صدقوني هذا جزء من معاناة أناس يحملون همومنا ومشاكلنا وأحزاننا وأفراحنا أيضًا وفي نفس الوقت لا يجدون من يقف معهم أو يدافع عنهم وهم مقتنعون كل الإقتناع أنهم غير مستحقين أن يُهانوا من أجل أسم الفادي الحبيب.
فهل لنا من أناس عقلاء أتقياء يقومون بنشر مبادئ التسامح والمحبة والأخاء بين كل المواطنين وتعليم هؤلاء الجهلاء كيف يتعاملون مع رجال الدين؟، هل نترك لمن يدعون رجال أمن مهام قد لا يقبلونها أو ليست من شأنهم؟، هل من الأخلاق أن نترك أب كاهن يتعرض لكل هذا وندفعه لأن يقوم بالدفاع عن نفسه بيده حتي ولو كان يعاني من كل هذا الكم من الأمراض؟
قمة المأساة الأنسانية أن ترى أب كاهن يتعرض للإهانة في بلده التي كان لأجداده الشهداء الفضل في أن تبقي شامخة ويأتي هؤلاء ليلوثوا أرضها بأفعالهم التي تنم علي مبادئهم. |