CET 00:00:00 - 19/11/2009

مساحة رأي

بقلم: ماجد سوس
منذ عدة شهور نظم عشرات الآلاف من الأمريكيين تظاهرة في واشنطن احتجاجًا على مشروع التطوير الصحي الذي أحاله أوباما إلى الكونجرس لمناقشته وإقراره وتحركت المظاهرات من العديد من الولايات. وتجاوزت الشعارات موضوع التأمين الصحي وامتدت إلى شخص الرئيس أوباما وسياسته، معتبرين -كما قال رئيس الحزب الجمهوري (مايكل ستيل)- أنه يقوم بتوجه إشتراكي وإن إصلاح النظام الصحي نوعًا من التأميم الذي سيتعارض والنظام الليبرالي.
لذا عزيزي القارئ، بعد موافقة الكونجرس على فكرة المشروع فهو معروض حاليصا على مجلس الشيوخ، سأحاول باختصار -قدر الإمكان- طرح فكرة المشروع، ودون تحيز كما عودتكم، وبالرغم من أنني عضو في الحزب الجمهوري ولكنني سآخذ الموضوع بنظرة واقعية موضوعية محايدة وأرجو منك أن تلتمس لي محاولة تلخيص الموضوع –قدر الإمكان-، لأن المشروع المُقدم من الرئيس أوباما مكتوب في ألف صفحة تقريبًا وغير واضح المعالم لكثرة المتحدثين عنه والمُندس فيهم بعض مروجي الأكاذيب وتضليل الرأي العام إما لغرض سياسي أو غرض مادي، وخطة أوباما للرعاية الصحية تدور حول عدة نقاط وهي:

1- نظام التعاونيات:
وهذا النوع هو الأكثر حضورًا في المناقشات باعتباره خطة الإصلاح الأكثر قبولاً بين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. من خلال هذا النظام يمكن لدافعي التأمين أن ينضموا إلى مجموعات تأمينية تتولى الحكومة إدارتها بنظام غير ربحي. والتقديرات الأولية تتوقع أن يصل المبلغ الضروري لإقامة هذه التعاونيات إلى ستة مليارات دولار، ومن يؤيد هذا النظام يرى أنها ستخلق منافسة قوية مع شركات التأمين الخاصة ستعود في النهاية بالنفع على المؤمن، كما أنهم يستندون إلى أن هذا النظام يطبق في قطاعات الكهرباء والزراعة والتي تشترك فيها الحكومة مع القطاع الخاص كهيئة تعاونية.

2- نظام الخيار العام:
وهو أن الأصل أن يكون بمقدور الأفراد شراء تأمينهم عبر نظام رعاية تديره الحكومة ويتميز هذا النظام بإمكانية الحكومة في خفض معدلات السداد، وبالتالي خفض أقساط التأمين وهذا النظام مطبق في دولة مجاورة وهي كندا. ويعيب النظام أنه قد يؤدي إلى إطالة طوابير الراغبين في الرعاية وتقليص جودة الخدمات مع مرور الوقت.

3- نظام الدفع الفردي:
وهو أن تبرم مؤسسة تأمين تديرها الحكومة صفقات مع شركات خاصة لتوفير الرعاية الضرورية لمن لديهم تأمين، وهو ما يعارضه الكثير بحجة أن هيمنة الحكومة على الشركات الخاصة سيحد من حريتها في المنافسة.

4- بورصة لشركات التأمين:
في خطابه أمام الكونجرس أكد الرئيس أوباما أن المواطنين المقتنعين بالتأمين الصحي الذي يمتلكونه الآن، لن يُجبروا على تغييره ولكي يزيد من طمأنة الأغلبية المتشككة، عرض على هؤلاء إجراءات لحمايتهم من الممارسات السيئة لبعض شركات التأمين وأعلن عن تأسيس ما يشبه نظام "البورصة" لشركات التأمين، لكي تستطيع تطوير قدراتها وتحافظ على استقرار الأسعار.

5- توسيع الرعاية الصحية لتشمل الـ 47 مليون أمريكي غير الخاضعين للتأمين:
يرى بعض المحللين المؤيدين لهذا الإجراء أن هذا سيؤدي إلى مزيد من الإستشارات الطبية وبالتالي إلى مزيد من الوصفات الطبية التي ستعود بالنفع على إنتاج الدواء وإن كان هذا سيزيد من المنافسة التي ستؤدي بالطبع إلى جعل تكاليف الرعاية الصحية أمرًا تتحمله جيوب الناس، وقد اتخذ أوباما بالفعل بعض الخطوات الأولية لتوسيع الحماية الصحية، وذلك بتبني توسيع برنامج التأمين الصحي للأطفال الذي ترعاه الدولة مضيفًا بذلك أربعة ملايين طفل إلى سبعة ملايين طفل مشمولين به أو منتمين إلى أسر ذات دخول متواضعة، حيث يحصلون على الرعاية الصحية بعد ان خصص أوباما عشرة مليارات (بليون) دولار سنويًا كتمويل إضافي للمؤسسات الأمريكية القومية الصحية.

6- مطالبته بإلغاء حظر تطوير مشاريع الخلايا الجذعية:
طالب أوباما بالغاء الحظر الذي فرضه الرئيس جورج بوش على التمويل الفيدرالي لتطوير مشاريع الخلايا الجذعية، وتأكيده على إيجاد علاج لمرض السرطان. وسبب إصدار هذا القانون في السابق أن الرئيس بوش جمهوري والخلايا الجذعية تؤخذ من الأجنة، الأمر الذي يعني تشجيع الدولة على الإجهاض. وهو عمل ضد مبادئ الحزب الجمهوري وبالطبع ضد المسيحية. وقد ظهرت دراسات حديثة عن إمكانية الحصول على الخلايا الجذعية من سُرَّة الإنسان وأتمنى أن تكون حلاً أفضل من الإجهاض. وفي نطاق البحث التطبيقي، فإن خطة حوافز أوباما تخصص 17 مليار دولار لتمويل سجلات المرضى إلى صيغة إلكترونية، الأمر الذي يسمح بمزيد من التحليل التفصيلي للأحوال الطبية مع تخصيص زيادة قدرها 1.5 مليار دولار لأبحاث "فعالية الدواء المقارنة" المساعدة على تحديد افضل الأدوية المستخدمة بالفعل.

7- دعم تشريع شبيه الدواء الحيوي "الأدوية البديلة" Generic:
تعهد أوباما بدعم هذا التشريع الذي من شأنه الموافقة على الأدوية المعادلة ذات التكلفة الأدنى التي تنتجها الجهات المنافسة. وستواجه شركات مثل "أمجن" التي تعتمد بشدة على الأدوية البيولوجية ضغوطًا سعرية غير مسبوقة. وسيضيف ذلك ضغوطًا على الأدوية التي تفشل في إظهار ميزة معالجة واضحة عن الأدوية البديلة ويستند أوباما إلى دراسة حديثة أثبتت أن الأدوية في الولايات المتحدة تزيد أسعارها بـ 50 في المائة عن معدلاتها في الدول المتقدمة الأخرى. وخطورة هذا التشريع هو أن شركات الأدوية ستتجه إلى تقليص التكاليف ، حيث أنها تتحمل تكاليف البحث والتطوير، لذا فقد تتجه إلى نقل مهام الإنتاج إلى جهات خارجية وتقليل أعداد الموظفين. ويمكن أن يتم إلغاء ما يصل إلى خمسين ألف وظيفة في هذا القطاع خلال السنوات الثلاثة المقبلة كما يقول "برنان" رئيس تجمع صناعة الأدوية في الولايات المتحدة. وفي ذات الوقت يدير شركة "استرازاينكا" لصناعة الدواء.
ويقول جيفري كندار "الرئيس التنفيذي لشركة (فايزر)":  أنه من المؤكد أن إصلاح الرعاية الصحية في الولايات المتحدة ستكلفنا أموالاً في البداية ولكننا بحاجة إلى الثقة لتكوين وجهة نظر فيما يحدث طويل الأجل، وخاصة أن الضغوط على تسعير الدواء تشتد.

ننتقل الآن إلى الإعتراضات التي وجهت لمشروع الرعاية الصحية:
1- لجان الموت:

اتهمت حاكمة ولاية ألاسكا السابقة "الجمهورية" سارة بالين أوباما بأنه يسعى إلى إنشاء 'لجان الموت" لتحديد ما إذا كان كبار السن والمعاقون ذهنيًا يستحقون الحياة أم لا، وهي لجان تشكل لتحديد ما إذا كان المريض يوجد أمل في شفاءه والصرف عليه من عدمه. ولكن الرئيس أوباما أنكر هذا الكلام في خطابه أمام الكونجرس حين استخدم عبارة (محض أكاذيب) في وصفه لهذا الإتهام، وقال: "إتهام كهذا كان يمكن أن يكون مدعاة للضحك، لو لم يكن بهذه الدرجة من سوء النية وإنعدام المسئولية، إنها أكذوبة، بكل بساطة".
وفي رسالته الإذاعية الأسبوعية، حاول أوباما تبديد الشائعة التي ذكرناها التي تقول ان الإصلاح سيروج للقتل الرحيم.

2- التأمين سيشمل المهاجرون غير الشرعيين:
في إنتهاك غير معهود لبروتوكول الكونجرس الأمريكي قاطع النائب الجمهوري (جو ويلسون) حديث أوباما قائلاً بصوت عال: "أنت كاذب"، وذلك عندما أكد الرئيس أن المهاجرين غير الشرعيين لن يستفيدوا من خطته للرعاية الصحية، وهو الأمر الذي يملأ المحافظين هاجسًا بأن المشروع لن يضمن بصورة كافية عدم إستفادة المهاجرين غير الشرعيين من هذا النظام على أساس أنه يقترن في ذات الوقت مع خطة أوباما لإعطاء الشرعية إلى 12 مليون مهاجر غير شرعي. هذا وقد أثار تصرف ويلسون غضب العديد من الديمقراطيين بل والجمهوريين أيضًا، الأمر الذي جعل جون ماكين (المرشح الرئاسي الجمهوري السابق) يطلب من ويلسون الإعتذار لأوباما وقد قام بالفعل وعلى الفور قبل الرئيس إعتذاره.

3- ارتفاع تكلفة خطة أوباما:
يرى الجمهوريون وبعض الديمقراطيين أن مشروع القانون المقدم للكونجرس سيزيد من عجز الموازنة نظرًا لتكلفته المرتفعة والتي ستصل إلى 900 مليار (بليون) دولار على مدار عشر سنوات. ولا سيما أن الإنفاق الضخم الذي أراد أوباما من ورائه استقرار الإقتصاد قد استنزف الخزانة العامة وقد يصل العجز في الميزانية إلى 9 تريليون (9000 بليون) وقد يضطر معها إلى طباعة النقود، وهو أمر خطير سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وهجرة المستثمرين الأجانب والخوف أن يؤدي ذلك مستقبلاً إلى ضغط الإنفاق والذي سيؤدي بدوره إلى سوء الرعاية الصحية. لذا يعتقد الكثير من الأمريكيين (بحسب استطلاع الرأي التي قامت به صحيفة "واشنطن بوست" وقناة "إيه بي سي" الإخبارية): أن جودة الخدمات الصحية وتكاليفها وتغطية الضمان الخاص بهم ستزداد سوءًا في ظل الرعاية الصحية التي يقترحها أوباما.

4- اعتراض أيديولوجي:
كثير من المعارضين انطلقت محاربتهم لإصلاح الرعاية الصحية من قراءة ايديولوجية تتجاوز حدود مشروع القانون، بذريعة أنها تزعزع النظام الحر وتلغي اقتصاد السوق وتدخل الولايات المتحدة تحت سقف (الاشتراكية) و(القطاع العام). تسييس المعركة على برنامج الرعاية الصحية مسألة مقصودة لأنها تفتح على أوباما مجموعة ملفات كثيرة يجب على الحكومة أن توضحها للناس، فتشمل الحريات، حق التنافس، صلاحيات الشركات الخاصة، إقتصاد السوق، المزاحمة المفتوحة لخفض الأسعار، منع الدولة (متمثلة في القطاع العام) من التدخل في شؤون المواطنين. وكل هذه الملفات الكبيرة، ملفات سياسية تتضمن معركة تحديد هوية النظام والقواعد الأيديولوجية التي يعتمدها في تسيير مختلف القطاعات.
ويحاول أوباما أن يوضح أن المعركة التي بدأت في واشنطن ليست بين رأسمالية وإشتراكية أو بين القطاع الخاص والقطاع العام وإنما هي بين (رأسمالية متوحشة) و(رأسمالية إنسانية)، بين قطاع يطمح للسيطرة والاحتكار وقطاع يريد التدخل لمنع تكرار الأزمات والكوارث النقدية، فأوباما -من وجهة نظره- يريد تهذيب الرأسمالية وتقليم أظافرها بعد أن بالغت في العبث بآليات السوق.

عزيزي القارئ.. إن المعادلة صعبة والتساؤلات كثيرة والأزمة الإقتصادية مريرة وحلها لا يكون بالانفعالات العاطفية والمشاعر، ولكن الموضوع يحتاج لمسؤولين يتحملون مسئولية قرارات لن تؤثر في الأجيال القدمه فحسب بل ستؤثر في كل بلدان العالم والأيام القادمة ستوضح هوية النظام وهدفه الحقيقي إذا كان بالفعل إنسانيًا أم أيدولوجيًا.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق