CET 00:00:00 - 16/11/2009

المصري افندي

بقلم: حكمت حنا
مشاعر الفرحة العارمة التي اجتاحت الشارع المصري عقب فوز المنتخب المصري في تصفيات كأس العالم لكرة القدم أمام المنتخب الجزائري، ومظاهر الفرح الانفعالية التي ارتسمت على وجه كل مواطن مصري حتى الأطفال لينطلق الكل في الشوارع مثل الجموع المحتشدة تعلن انتصارها بعد استعدادهم منذ عدة أيام لهذا اليوم الذي انتصرت فيه مصر، لدرجة جعلتني أشعر بفرحة تجتاح أغوار نفسي حتى كدت ارتعش فرحًا.
والمتأمل لحال الناس في الشارع المصري يجدهم كالشعوب التي انتصرت في حرب، حتى أنني تصورت أن انتصار أكتوبر لم يكن يصل إلى هذا المستوى الذي لا يوصف، ليفسر لي أن المواطن أصبح يبحث عن مصادر الفرحة والسعادة التي هربت منه حتى وجدها ليغوص فيها هربًا من ظروف حياته الصعبة التي غاص في متاعبها وكأنه بين شقي رحي الألم والهموم.

فهتاف المصريين أمس وتعبيراتهم الانفعالية الدالة على فرحة الانتصار هو بحثًا عن مخرج في ظل أزمة يعيشها من غلاء معيشة وخوف من موت مُنتَظر من أمراض عصره وتهديدات أمنه في بلده، في ظل نظام مستبد سيفتك به إذا فكر في التعبير عن نفسه في أي مظاهرة سلمية أو وقفة احتجاجية، وموجة من النقاش والجدل عن فرضية النقاب من عدمه، وانقسم المجتمع لفريقين يسير أغلبه وراء موجة التطرف وقلة قليلة تحاول النهوض من ظلام التدين المتشدد.
ووسط هذه المشاحنات يلجأ الشعب المتأزم ليشارك بلده فرحتها بالانتصار، وبالطبع المكسب عائد عليها وعلى محققيه، فهذا الانتصار لن يحل مشكلاته أو يزيح همومه لكنه سيخرجه مؤقتًا من العيش الدائم وسط أزماته حتى ينطلق في الشارع يهتف ويصرخ ويرفرف بالأعلام وتمنى لو صرخ وقتها وعبر عن همومه باكيًا على حاله.

فقد رأيت شابًا أثناء تجمهر الأهالي للتعبير عن فرحتهم بفوز منتخبهم يسير بمفرده هاتفًا وحده، وكأنه يريد أن يعلو صوته الذي ظل دائمًا صامتًا ليجد تلك المسيرة طريقًا ليهتف، فقد ضاقت نفوس المواطنين المصريين وتأزمت من كثرة الهموم.

وعندما تعود الأمور لوضعها يبحث عن قضية غالبًا ما تكون دينية ليضرب حولها الجدل والنقاش وتظهر المشاعر الانفعالية المتطرفة، وتصبح القضية حرب يريد فيها فريق أن ينتصر على آخر حتى يشعر نفسه بزهوة الانتصار، لكنه في الحقيقة يسعى بسيكلوجية الباحث عن قضية فرضية لينشغل بها ويلهي ذاته بها، وتعم المجتمع حالة من الفوضى بين الآراء المتضاربة تاركًا قضايا جادة لا يريد الخوض فيها، يكفيه قضيته الأساسية وهي أزمته الواقعية مع الحياة ومتطلباتها التي يعيشها ويهرب منها كلما واجهته للانغماس في قضايا تافهة أو بحثًا عن مصدر للفرحة يلتهي فيه حتى لو كانت ليست له، يكفيه أن يعيش لحظات مختلفة في حياته المملة.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق