CET 00:00:00 - 16/11/2009

مساحة رأي

بقلم: يوسف سيدهم
في سبتمبر الماضي صدر التقرير السنوي الخامس للمجلس القومي لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان في مصر خلال عام 2008 في مجالات الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... وتضمن تحليل المجلس لحالة الحقوق المدنية والسياسية قضيتين وصفهما بأنهما تثيران قلق المجلس وقلق المجتمع علي نحو بالغ، وهما قضية الاحتقان الطائفي بين المواطنين المصريين المسلمين والأقباط وما يفضي إليه من تحول أي احتكاك أو نزاع طبيعي بينهما إلي عنف طائفي، مثل الفظائع التي شهدتها ديروط بمحافظة أسيوط الشهر الماضي بالإضافة إلي قضية عدم المساواة بين المواطنين في بناء وترميم دور العبادة والتي قال عنها التقرير: «يؤكد المجلس كما فعل دائماً أن الحل هو تأكيد حقوق المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص ويلح في بحث المشروع الذي سبق أن قدمه بشأن قانون دور العبادة الموحد».

المجلس القومي عبر عن قلقه لبقاء هاتين القضيتين دون أدني علاج من جانب الدولة وما يمثله ذلك من استمرار تهديدهما بالانفجار في أي وقت، لكن الأمر الذي يدعو إلي القلق فعلاً هو إلحاح المجلس علي حتمية إصدار قانون دور العبادة الموحد - للعام الثالث علي التوالي - واستمرار تجاهل الحكومة والحزب الحاكم ومجلسي الشعب والشوري لذلك القانون... وهكذا تستمر الأوضاع المختلة كما هي ويبقي واقع عدم المساواة والتوتر يهدد السلام الاجتماعي، وليس أدل علي ذلك من حالات الظلم والتربص التي تفيض بها شكاوي الأقباط من السلطات الإدارية والأمنية والتي سبق أن تناولتها تفصيلاً في سلسلة من المقالات بعنوان «العقاب الجماعي للمواطنين = الاضطهاد»، وحرصت وأنا أختمها أن أسجل أنها نموذج لحالات أكثر يعاني منها الأقباط في محليات عديدة في ربوع مصر.
ومن تلك الحالات شكوي وردت لي من مطرانية شمال سيناء لا تختلف كثيراً في تفاصيلها عما سبق نشره،فهي حالة متكررة من المتاعب والمهانة والإذلال الذي يعانيه الأقباط في كل ما يحاولون بناءه - سواء كان كنيسة أو مبني خدمات أو مسكناً خاصاً - مع السلطات الرسمية بدءاً من المحافظ ومروراً علي السلطات الإدارية والأمنية التي يبدو أنها نذرت نفسها جميعها لمضايقة الأقباط والتربص بهم دون أدني حياء أو خجل وفي ظل اطمئنانها لغياب جميع آليات الرقابة والمساءلة.

تمتلك مطرانية شمال سيناء للأقباط الأرثوذكس قطعة أرض فضاء مساحتها 1260متراً مربعاً بمنطقة قرية عاطف السادات بالعريش وهي مواجهة لمبني المطرانية حيث يفصلهما شارع عرضه عشرة أمتار.تقدمت المطرانية في 4/4/2007 بمستندات طلب الترخيص لإقامة مبني خدمات تابع لها علي قطعة الأرض المذكورة، وصدر التصريح بالبناء بموجب الترخيص رقم 1133 في 27/12/2007وبناء عليه شرعت المطرانية في الترتيب للتنفيذ حيث قدمت للسلطات المحلية التي صدر عنها الترخيص شهادة تعهد بالإشراف الهندسي علي الأعمال، وكذلك تعاقد أحد المقاولين المسجلين بالاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، وكان ذلك في 23/3/2008.
بدأ العمل في الحفر للأساسات في 15/11/2008 وسط حماس وارتياح من الجميع أن المشروع الجاري تنفيذه له ترخيص رسمي والسلطات المحلية -إدارية وهندسية وأمنية- جميعها تعرف عنه كل شيء، لكن بعد ساعات قليلة من بدء العمل فوجئ الموجودون في الموقع بحضور أحد الضباط من قسم أول العريش لإيقاف الأعمال، وعندما احتج المسئولون عن المشروع بأن الأعمال الجاري تنفيذها مرخصة قام الضابط بتهديد سائق اللودر القائم بالحفر وأجبره علي إيقاف العمل ومغادرة الموقع!!!... وهنا استفسر الجميع عن سبب الإيقاف فما كان من الضابط إلا أن غادر الموقع واعداً إياهم بموافاتهم بالسبب،وما هي إلا ساعات قليلة حتي تسلموا أمراً رسمياً بإيقاف الأعمال، صادراً عن الإدارة الهندسية التابعة لمجلس مدينة العريش في اليوم ذاته بدعوي عدم تقديم شهادة الإشراف الهندسي والتعاقد مع المقاول!.

وبهت الجميع غير مصدقين سبب إيقاف الأعمال، إذ إن المستندين المذكورين سبق تقديمهما للإدارة الهندسية بمجلس المدينة وإلا لما كان ممكناً البدء في التنفيذ،فكيف تقوم الإدارة ذاتها بإصدار أمر إيقاف الأعمال مدعية عدم تقديم تلك المستندات؟... وبالفعل يبدو أن الإدارة الهندسية قامت بإصدار أمر الإيقاف علي عجل بناء علي طلب ضابط قسم أول العريش وأنها تعرف أن سبب الإيقاف سيتم دحضه،فكان عليها أن تجتهد في البحث عن سبب آخر يبرر لها إيقاف الأعمال... وجاء السبب في 5/2/2009 بعد إيقاف الأعمال ثلاثة أشهر في خطاب صادر عن رئيس مجلس المدينة يتضمن إيقاف العمل بالترخيص رقم 1133 لسنة 2007 والخاص بالمشروع بادعاء أن قطعة الأرض ملك للدولة!!!... وذهل المسئولون بالمطرانية، إذ إن أول مستند تم تقديمه ضمن طلب الترخيص كان قرار محافظ شمال سيناء رقم 348 لسنة 2007 بتخصيص قطعة الأرض للمطرانية وبدون ذلك القرار لم يكن يصدر الترخيص أبداً... وهنا عرف الجميع أن السلطات تتربص بالمشروع ولن تتورع عن فعل أي شيء في سبيل الحيلولة دون بنائه، فذهبوا يستنجدون بالمحافظ الذي طلب منهم إعادة تقديم جميع المستندات مرة أخري!! أرأيتم كيف يتم التسويف والمماطلة والإذلال؟ وتقدموا بها صاغرين مرة أخري في 18/4/2009 حيث ترقد المستندات في مكتب المحافظ حتي اليوم دون أي رد، ويظل الموقع مشلولاً، لا حركة فيه ولا أمل في تنفيذ المشروع... ويبقي أقباط شمال سيناء يتناقلون تفاصيل تلك الواقعة بقدر كبير من مشاعر الإحباط واليأس ويتساءلون في تهكم: هل كل ما قيل.. والتندر علي معايير المواطنة والمساواة التي أقرها الدستور في المؤتمر السنوي للحزب الوطني كان يخص مصر والمصريين أو شعباً آخر؟!.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق