يتحدث أحدهم عبر الهاتف لقناة تصف نفسها بأنها «إسلامية»، فيقول إن «شخصاً يُدعى (مايكل) جاء إلى طالباً أن أوقع على استمارة (تمرد)، لكننى رفضت». فيبتسم المذيع ابتسامة صفراء منتشية، ويهز رأسه بطريقة توحى للجمهور «الطيب» الذى يتابعه بأنه كشف المؤامرة، وأن كل شىء بات واضحاً وضوح الشمس، ثم يُعلق بصوت واثق، قائلاً: «معلهش.. ربنا موجود.. إن الله يدافع عن الذين آمنوا».
مقطع مصور على «يوتيوب»، يوضح ما حدث لناشط «إخوانى» أراد أن يفض اعتصام وزارة الثقافة مع بعض أنصاره من «الجماعة»، فتعرض لاعتداء جسدى مرفوض بالطبع من بعض المعتصمين. يتضمن المقطع صوتاً لشخص غير ظاهر، يواكب صورة الناشط المُعتدى عليه أثناء حماية الشرطة له. الصوت يقول: «يلا يا (ريمون)، تعالى نطردهم». يريد هذا المقطع إذن أن يوحى للجمهور الطيب، الذى سيراه، أن شخصاً ما يستدعى «ريمون» لمواصلة الاعتداء على الناشط «الإخوانى». لقد تتبعت أثر المقطع، وعرفت أن من «حمّله» على الموقع ليس سوى أحد المستخدمين الناشطين بدرجة ملحوظة فى دعم «الإخوان»، والمنخرطين، كما يظهر من تعليقاته والمقاطع التى يبثها ويتداولها، فى التحريض على معارضى الرئيس.
رجل حوكم وأدين وأقر بممارسة الأعمال الإرهابية، وقد تلطخت يداه بدماء عشرات المصريين فى وقائع إرهابية شهيرة، يظهر على إحدى الفضائيات، فيقول للكنيسة: «لا تضحوا بأبنائكم»، مهدداً المسيحيين الذين قد يشاركون فى تظاهرات 30 يونيو المنتظرة.
قيادى فى حزب «الحرية والعدالة» يعلق على أحداث «الاتحادية» التى قُتل فيها عدد من معارضى الرئيس، فيقول إن «60% من المعتصمين أقباط»، وهو قول لا يختلف كثيراً عن تعليق شهير قاله أحد أفراد «الميليشيا» التى فضت الاعتصام على شاشة إحدى الفضائيات، حين أراد أن يهجو المعتصمين المندحرين، فعايرهم بالقول: «يا مسيحييييين».
يقف خطيب وسياسى «إسلامى» مفوّه على منصة منصوبة فى ميدان نهضة مصر، قبل ستة شهور، أمام حشود كبيرة من المصريين البسطاء، الذين تم شحنهم من الأرياف والأقاليم فى «أتوبيسات»، ليتظاهروا فى القاهرة، «دفاعاً عن مرسى والشريعة الإسلامية»، فى «جمعة الشرعية والشريعة».
يخطب السياسى والداعية فى الجمهور المحتشد بقوة وحماس، ويقول بوضوح: «رسالة إلى الكنيسة المصرية من مصرى مسلم، والله.. ثم والله، إذا تآمرتم واتحدتم مع الفلول على إسقاط مرسى، سيكون لنا شأن آخر».
تحفل مواقع التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت بحالة شحن مشينة ومزرية بين فريقى المعارضة والموالاة، وهى حالة يتم خلالها تداول أبشع الألفاظ وانتهاك أغلب الحرمات وتجاوز معظم الخطوط الحمراء، لكن أكثر ما يثير القلق فيها أنها تتخذ منحى طائفياً بغيضاً، وأن بعض أنصار الرئيس يحرضون ضد المسيحيين المصريين، بدعوى أن معارضتهم لمرسى ليست سوى «معارضة للإسلام».
لقد كان مشهد التآلف والتآخى بين المسلمين والمسيحيين فى الأيام المجيدة من 25 يناير إلى 11 فبراير 2011، إحدى أهم الإشراقات التى شهدتها مصر على مدى ثلاثة عقود، وكانت الُلحمة الإسلامية- المسيحية عاملاً مهماً عزز قدرة الشعب على الصمود وتحقيق هدف إطاحة النظام السابق المستبد.
يجب ألا ننسى أبداً هذه المشاهد التى كان المسلمون الثوار فيها يحمون قداس إخوتهم المسيحيين فى «ميدان التحرير» بأجسادهم، أو تلك التى كان الكهنة المسيحيون يصبون فيها ماء الوضوء لإخوتهم المسلمين ليتمكنوا من الصلاة خلال أيام الاعتصام.
يعرف أنصار الرئيس اليوم أن قدرتهم على الحشد والتعبئة تراجعت بدرجة كبيرة بسبب الأداء العاجز والمتخبط والمزرى للرئيس وحكومته ومعاونيه.
وهم يعلمون كذلك أن الرئيس وجماعته وأنصاره باتوا أيضاً بلا رصيد معنوى أو أخلاقى يمكن أن يؤمن لهم قدرة على مواجهة الغضب المتصاعد فى نفوس المصريين، الذين وجدوا أن ثورتهم تُسرق، ومصالحهم الوطنية تتضرر، وأحوالهم المعيشية تنهار.
الأنكى من ذلك أن مؤيدى الرئيس سبق أن اختبروا التهديد باستخدام العنف، أو ممارسته مباشرة، ضد المعارضين، بغرض إخافتهم وإقصائهم، لفرض سيطرتهم على الأرض عبر القمع والترويع، لكنهم لم ينجحوا عادة.
لم يبق أمام هؤلاء إلا لعبة منحطة حقيرة يلعبونها، وهى لعبة إيهام البسطاء من أبناء شعبنا بأن «الأقباط لا يريدون مرسى لأنهم يكرهون الإسلام»، ولعل هذا هو سبب تزايد التقارير والأخبار التى تتحدث عن اتصالات تستهدف إبقاء «الأقباط بعيداً عن المشاركة فى التظاهرات».
احذروا الفتنة. ودعوا الأقباط يعبروا عن مواقفهم السياسية بحرية، وفى إطار القانون والشرعية، بوصفهم مصريين قبل كل شىء.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com