قباني أفتى بردة من يسهم بتشريعه
أغلق مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني بفتوى حاسمة الباب أمام الجدل الدائر حول بحث إقرار الزواج المدني بقانون، معتبرا أن كل من يوافق من المسؤولين المسلمين على تقنين ذلك ولو اختياريا "مرتد وخارج عن دين الإسلام ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين".
وأكد المفتي أمس أن "استهداف أحوالنا الشخصية مجددا بمحاولة تقنين الزواج المدني، كل ذلك ليس خيارا لنا إسقاطه فقط، بل فرض عين على كل مسلم ومسلمة وواجب على جميع العلماء المسلمين في لبنان من كل الطوائف الإسلامية".
وعاد الجدل للساحة من جديد حول هذا الزواج بعد إعلان نضال درويش وخلود سكرية، وهما مسلمان من مذهبين مختلفين، أنهما عقدا زواجا مدنيا في لبنان استنادا إلى نص مرسوم من عهد الانتداب الفرنسي، رغم علمهما بافتقارعقدهما هذا للشرعية القانونية.
مدني لا شرعي
ويعرف قانونيون الزواج المدني بأنه عقد ثنائي بين رجل وامرأة بالغين، يتمّ بالرضاء والقبول كسائر العقود المدنية، موضوعه الاتفاق على إقامة حياة زوجية مشتركة دائمة، لكن دون الالتفات لأي من القيود أو الشروط التي تشترطها الأديان السماوية ودون تسجيله لدى الدوائر أو المراجع الدينية.
ومن أبرز المآخذ على فكرة الزواج المدني مخالفته الواضحة لحرمة زواج المسلمة من غير المسلم، وكذا تملك المرأة حق الطلاق ومنعه عن الرجل إلا بشروط العقد، إلى جانب فتحه المجال كما في الغرب لزواج أبناء الجنس الواحد دون قيد أو شرط.
ولم يقف الجدل حول دعاوى إقرارهذا الزواج رسميا بين المؤيدين والمعارضين من التيارات الدينية أو العلمانية وحسب، بل امتد ليمس رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي، حيث تبادلا طرح الموضوع عبر حسابهما على موقع "تويتر".
دعم رئاسي
وكتب سليمان قبل يومين على حسابه الرسمي على الموقع قائلا "للتجاوب مع التطور ومتطلبات الشعب وإيجاد القوانين المناسبة لموضوع الزواج المدني". وأضاف في تغريدة ثانية "هناك مرجعيات تعارض الزواج المدني ولكن هذا لا يبدل قناعاتي وسعيي لوضع القطار على السكة الصحيحة" في إشارة منه لقبوله ودفعه وتشجعه لطرح الموضوع على طاولة التقنين.
نجيب ميقاتي أبدى رفضه لتقنين الزواج المدني أثناء جدال إلكتروني مع رئيس الجمهورية (الجزيرة نت)
في المقابل رد عليه ميقاتي من خلال الموقع نفسه، بأن "أولية المرحلة لا تسمح بفتح مواضيع سجالية وخلافية جديدة".
وأضاف "أعتقد أن موضوع الزواج المدني لا يمكن أن يتم التعامل معه كمقاربة من أعلى إلى أسفل" واتبعها بتغريدة ثانية أعرب فيها عن اعتقاده أن الأمر "يعود إلى نيل إجماع كل المكونات الوطنية حوله".
وبدا التباين واضحا في مسألة هذا الزواج بين رئيس الجمهورية (الماروني) ورئيس الوزراء (السني) حيث سبق لسليمان أن أعلن تأييده لإقرار القانون، بينما اعتبر ميقاتي أنه "لا طائل من مناقشة هذا الموضوع ".
جدل قديم
وكان رئيس الجمهورية الأسبق إلياس الهراوي طرح العام 1998 إقرار قانون "الزواج المدني الاختياري" لكن المشروع لم يجد طريقه إلى الإقرار في البرلمان بسبب حملة شرسة شنت عليه لا سيما من المرجعيات الدينية.
وتخوض شرائح عديدة من اللبنانيين منذ عقود معركة لتشريع هذا العقد من الزواج، ابتدأت عام 1951 حين نوقش في البرلمان ثم رُفض، ليتكرر عرضه عام 1975 و1998 دون إحراز أي تقدم، ليناقش عام 1999 في مجلس الوزراء حيث تمت الموافقة عليه بالأغلبية، إلا أن رئيس الوزراء آنذاك الراحل رفيق الحريري جمد التوقيع عليه ولم يقدمه للبرلمان معتذرا بالقول "إن ظروف لبنان لا تسمح الآن بذلك".
وأمام الرفض الرسمي لهذا الزواج وكذا الرغبة الجامحة للمقتنعين به يلجأ هؤلاء للسفر إلى جزيرة قبرص القريبة لإتمامه رسميا هناك، ثم العودة للبنان مرة أخرى حاملين عقدا مدنيا بصحة الارتباط.
ولا يجيز القانون اللبناني حتى اليوم هذا الشكل من العقود، إلا أنه يعترف بالزواج المدني المعقود خارج الأراضي اللبنانية بوصفه لا يخالف النظام العام، لتبقى مشكلة التقاضي بين المتعاقدين معقدة في حال الانفصال، نظرا لعدم ولاية القضاء اللبناني الفصل في العقود الموقعة خارجا.
مبررات الزواج
وتقف أسباب عدم رغبة أي من طرفي العقد اعتناق ديانة شريكه الآخر -وهو المشروط في لبنان لقبول الزواج إضافة إلى صعوبة الطلاق لدى بعض الطوائف وكلفته الباهظة- إلى الذهاب لفكرة الزواج المدني بهدف الخروج من هذه الإشكالات.
ويدفع المؤيدون للزواج المدني للقول بإنه يكرس الشراكة المجتمعية بعيدا عن لغة الطائفة والمذهب، من خلال تأسيس نواة الأسرة السليمة بنظرهم، القائمة على إذابة الفواصل العرقية والمذهبية القائمة، والاحتكام للدولة وقانونها المدني الذي يساوي بين الرجل والمرأة في كل الحقوق والواجبات.
ولا يوجد في لبنان قانون أحوال شخصية موحد، بل تحتكم 18 طائفة هي كل مكونات البلد بشؤون أحوالها الشخصية، لما تعتنقه وتعتقده كل طائفة في دينها ومذهبها وطريقة إدارة شؤونها.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com