كانت مصر قبل ثورة 1952 تتمتع بشكل ديمقراطى للحياة السياسية وأعطت فرصًا عادلة لأطياف المجتمع المختلفة، وقد نجح الأقباط وقتها في العمل السياسى، وعلى سبيل المثال وصل ويصا واصف لمنصب وكيل مجلس النواب فى عام 1926، ثم رئيس لمجلس النواب فى عام 1928، ووصل زكى ميخائيل بشارة لمنصب وكيل لمجلس الشيوخ فى عام 1945، كما وصل عزيز مشرقى لأن يكون وكيلاً لمجلس النواب فى 1949.
إلا أن مصر بعد الثورة مرت بأزمات سياسية تابعتها عزلة تدريجية للأقباط وانعكاف عن المشاركة السياسية والحزبية.
وأحد أشكال التواجد الصورى للأقباط كان بمجلس الشورى الذى أنشئ بكله المعروف حالياً فى عصر الرئيس محمد أنور السادات, من خلال نص المادة 194 من دستور مصر والمادة 195 من الدستور أيضاً، والتى كانت تنص على أن: يؤخذ رأى مجلس الشورى، أى أن رأيه استشارى بالنسبة لمجلس الشعب، ولكنه وجوبى فى العرض على مجلس الشورى فى الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور أو مشروعات القوانين المكملة للدستور أو مشروعات القوانين المكملة للدستور أو مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية أو معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة أو التى تتعلق بحقوق السيادة ومشروعات القوانين التى يطرحها عليه رئيس الجمهورية لإبداء رأيه ومشورته, وقد يعرض رئيس الجمهورية موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة فى الشئون العربية أو العالمية. ومن أهم المواد الدستورية أن عدم عرض الموضوعات السابقة على مجلس الشورى لإبداء رأيه، يعنى عدم دستورية الإجراءات القانونية التى نص عليها الدستور فى مصر.
وبعد تولى الرئيس السابق محمد حسنى مبارك الحكم، وفى أكتوبر 1981 تسامح مبارك فى بداية حكمه مع أنشطة الجماعات الإسلامية فى طول البلاد وعرضها، ولم يسمح لهم بتكوين أحزاب سياسية، لكنه سمح لهم بالدخول مع أحزاب سياسية مثل حزب العمل.
وقامت الحكومة بالتصدى لهذه الجماعات الإرهابية التى قام عدد منها بتنظيم عمليات إرهابية استهدفت السياحة والكنائس، واستمر الحال فترة حتى هدأت هذه الهوجة من التطرف الأصولى، ولكنها لم تنتهِ بشكل قاطع، فكانت موجودة وتعمل من فترة لأخرى.
إلا أن العمل السياسى بالنسبة للأقباط أصبح فى غاية الصعوبة فى جو يخيم عليه التقسيم الطائفى. وظل الأقباط فى تقوقعهم بالكنيسة الذى فرضته عليهم الظروف السياسية والاجتماعية المختلفة، وكانت بداية خروجهم من عزلتهم عام 1995، حيث رشح 57 مرشحاً قبطياً لدخول مجلس الشعب، ولكن النتيجة كانت "لم ينجح أحد" وفى انتخابات سنة 2000 لوحظ أن بعض الأقباط خرجوا من عزلتهم، ورشح الحزب الوطنى أربعة أقباط فى انتخابات مجلس الشعب فى دائرة غبريال بالإسكندرية والبحيرة ودائرة المعهد الفنى بشبرا، وقد نجح يوسف بطرس فى دائرة المعهد الفنى بشبرا, ونجح رامى لكح كمستقل فى دائرة الظاهر، ونجح منير فخرى عبد النور فى دائرة الوايلى على قائمة حزب الوفد.
وفى عام 2010 صدر قرار جمهوري بتعيين 44 عضواً بمجلس الشورى، وكانت نسبة تمثيل الأقباط 18% من المعينين، وكانت الأسماء هى:
إيفا هابيل، والدكتور ثروت باسيلى، وسامية شنودة، والدكتور سينوت حليم، والمستشار عادل أندراوس، ولويس شحاتة، والدكتور نبيل لوقا بباوى، ووجدي لويس أنور.
وهكذا ظل المشهد السياسى فى مصر يترنح بين الديمقراطية الصورية حيناً والديكتاتورية أحياناً كثيرة، ولم يُعزِف الأقباط وحدهم عن المشاركة، ولكن تَغيَّبَ عن المشهد التمثيل العادل للمرأة والشباب وأطياف مختلفة.
إلى أن جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير، وعلق الكثيرون الآمال عليها حين نادت فى شرارة أيامها الأولى بمدنية الدولة، وكانت المطالب الحرية والكرامة الإنسانية، ولكن بعد انتهائها أقر السياسيون والمحللون أن الوضع بقى كما هو عليه ولم يتغير قيد أنملة.
وعين الرئيس محمد مرسى فى شورى بعد الثورة 8 أقباط تم ترشيحهم كممثلين عن الكنيسة والأقباط بموجب 4 ممثلين عن الكنيسة الأرثوذكسية واثنين ممثلين عن الطائفة الإنجيلية و2 كممثلى الكاثوليكية، وهم: منصف نجيب سليمان، وينى غبريال، وممدوح رمزى، وجمال أسعد، وسامح فوزى، ورامى لكح، ونادية هنري، وفريدى البياضى، بينما رفضت الدكتورة جورجيت قلينى وضع اسمها ضمن قائمة المرشحين معتبرة المنصب لا قيمة له، كما رفضه الأب رفيق جريش المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية، موضحاً أنه رجل دين، ولا يحب الدخول فى المعترك السياسى.
واعتبر البعض خطوة تعيين 8 أقباط كممثلين عن الطوائف المسيحية جيدة، فيما اعتبرها البعض الآخر نوعًا من المغازلة لتمرير الاستفتاء أو لإسكات الأقباط ومحاولة لتمرير الدستور، وقوبل برفض من الأقباط؛ معتبرين أن كل اسم من هؤلاء لا يمثل إلا نفسه بعدما ارتضى كل منهم المجيء فى ظروف عصيبة لمصر ودستور لا يعترف بحقوق الأقباط ولا يمثلهم، ووصفوا قبولهم المنصب بـ "بيع لدماء الشهداء".
يقول المستشار أمير رمزى: "إن أشهر من كان له دور خدمى هام للكنيسة هو ثروت باسيلى على الرغم من أن وجوده فى الشورى لم يضف لدوره سوى على جانب العلاقات التى كانت من الممكن أن تُسهِّل بعض الإجراءات لتصاريح خاصة بالكنائس"، مضيفاً: "إلا أن مجلس الشورى غير مُجْدٍ بشكل عام، ليس فقط للمسيحيين، ولكن للمسلمين أيضاً"، معتبراً أنه منصب شرفى أكثر منه سياسيًّا خدميًّا، موضحاً أن المجلس القادم مثله مثل مجالس الشورى السابقة لم يأتِ بجديد، سواء للكنيسة والأقباط، أو للمصريين عمومًا".
وعلى جانب آخر وصف شريف رمزى مؤسس حركة أقباط بلا قيود تعيين أسماء بعينها للشورى نوعاً من المكافأة التى يمنحها مكتب إرشاد جماعة الإخوان لعُملائه وللمتعاونين معه، وقال: "وجود بعض المُستنيرين وبعض المُنتمين للتيار المدنى ليس سوى "مُحاولة تجميل"، بينما الغلبة العددية لرموز التيار الإسلامى المُعادين للحريات وحقوق الإنسان".
وأضاف رمزى أن وجود أسماء مثل رجل الأعمال رامى لكح والمحامى ممدوح رمزى لا يعني تمثيل الأقباط، فقد ثبت أن كليهما ولاؤه لنفسه حينما شاركا فى اجتماعات الحوار التى قاطعتها الكنائس المصرية وكل القوى المدنية المُعارضة،
وطالب المُعينين من الليبراليين ومُمثلى الكنائس برفض هذا التعيين لعدم مشروعيته وتناقضه مع أحكام القضاء ودولة القانون.
وفى السياق ذاته قال مينا ثابت عضو مؤسس للتحالف المصرى للأقليات: "إن الأمر نوع من تهدئة الشارع على أزمة نعم ولا للدستور"، وأضاف: "هذا النظام لن يستمر كثيراً فى ظل تردى الوضع الاقتصادى وقربه من الانهيار مع ضحالة فكر وانعدام رؤية الجماعة، ومكتب إرشادها يكون الحل الوحيد فى تكوين حكومة ظل الثورة ورئيس ظل الثورة"، مؤكدًا أن "مجلس الشورى أو الشعب لن يستمرا كثيراً".
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com