فكيف تسمح لنفسك بإصدار هذا الحكم؟
بقلم: حنا حنا المحامي
بينما الشعب المصرى فى صراع يمكن القول بأنه دام من أجل الحريه والعداله والمساواه, وإذا بالمحكمه الجنائيه تصدر حكما هو الاول من نوعه فى تاريخ مصر الحديثه والقديمه, مصر الحره بل ومصر المتطرفه.
حكم عجيب بإعدام سته مسيحيين بتهمة المشاركه فى إصدار الفيلم المسئ لرسول الاسلام.
لم يعلن أى من المسيحيين المتهمين بالاتهام وما هى مواد الاتهام المنسوبه إليه والعقوبه المقرره ... والحد الاقصى من العقوبه إلى آخر ماعرفناه من إجراءات تقتضيها العداله ... التى كانت شامخه. سته مسيحيين اتهموا بانهم شاركوا فى الفيلم المسئ للرسول. أحد المتهمين فى كندا, وآخر فى ولايه تبعد عن كاليفورنيا موقع إنتاج الفيلم سفر بالطائره على الاقل ست ساعات, وآخرين لا ناقة لهم ولا جمل فى هذا العمل. وكل ما يعرف عن منتج هذا الفيلم هو – على ما أذكر – أيليا باسيلى وهو الآن نزيل إحدى السجون فى كاليفرنيا وهو معروف بسوء سلوكه, وكذلك تيرى جونز. وللعرض القانونى البحت فإن هذا الاخير لا يخضع إلا للقانون الامريكى فقط. والقانون الامريكى لا يعاقب على حرية الرأى.
كذلك من المتهمين نبيل بساده والذى لا ناقة له فى الامر ولا جمل.
وأحد المتهمين هو القمص مرقس عزيز والذى تمنعه ديانته من التعرض للاديان الاخرى بإطلاق, ولو كان قد فعل لما لزم الصمت سواء البابا "المتنيح" شنوده الثالث, أو البابا الحالى قداسة البابا تاوضروس الثانى. ذلك ان الهجوم أو الازدراء أو المشاركه فى الهجوم أو الازدراء لأى دين أمر لا تقره المسيحيه بإطلاق ولا يمارسه أى كاهن مسيحى بإطلاق أيضا. ذلك أنه من المبادئ المسيحيه الاساسيه هى المحبه والتسامح. وكلاهما يمنع النقد أو التجريح منعا باتا وقاطعا ولأى سبب حتى للوثنيه. ولما كانت رسالة المسيحيه هى المحبه فهى لا تقر بأى شكل من الاشكال السخريه أو النقد لأى شئ آخر وليس أى دين فحسب. وهذا أحد الاسباب التى جعلت الحكم صارخا لم يحاول أن يطرق بابا من أبواب الحقيقه أو العدل. ولعل السبب فى هذا الحكم ضد القمص مرقس عزيز هو أن صوته عال من أجل العدل والمساواه والبادى أنه مطاللب أن يقبل الاضطهاد الواقع على أبنائه أو خطف بناته فيلزم الصمت. هذا ما يعبر عنه الحكم التليد الفريد.
من ناحية أخرى, فإن أحدا من المتهمين لم يعلن بالجلسه أو بالاتهام, وتخلف هذا الإجراء يجعل الحكم حبرا على ورق. والمحك فى هذه الجزئيه أن يصدر مستشارون حكما بهذه الصوره والمفروض أنهم حماة القانون وليس المعتدون على القانون.
كذلك فقد بحثت فى كل القانون الجنائى عن أسباب حكم الاعدام فلم أجد سندا أو ماده واحده فى قانون العقوبات تعطى سندا لمثل هذا الحكم فى هذه الحاله. ذلك أن قصارى ما يمكن تطبيقه هو ازدراء الاديان وأقصى عقوبه له هو ثلاث سنوات. حقيقة إنها عقوبه بسيطه فى مثل هذا الجرم البين, ولكن لا يمكن للقاضى أن يشرّع بل هو ملزم بأن يطبق القانون القائم فقط. وهذا بفرض أن الاتهام قائم بالنسبه لجميع المتهمين بالتساوى وأن الاجراءات سليمه.
من المبادئ المعروفه والتى تقرها كل المحاكم فى جميع أنحاء العالم, أن القاضى يمتنع عن إصدار حكم إ‘ذا كانت الحاله المطروحه عليه تمسه شخصيا. ذلك أنه يمتنع على القاضى أن يصدر حكما أيا كان وهو فى حالة انفعال, أو إذا كان موضوع الدعوى أو الاتهام يمسه شخصيا.
ولكن للاسف الشديد أن القاضى الذى أصدر الحكم أصدره بأسلوب إنفعالى وانتقامى فوقع فى خارج نطاق الحيده الملتزم بها. وفى موضوع الانتقام يمتنع منعا باتا وقاطعا على القاضى أن يتخذ من منصة القضاء سبيلا إلى الانتقام. ذلك أن العداله تفقد سبيلها فى حالة الانتقام أو الانفعال الشخصى.
ولما كانت مبادئ العداله المذكوره آنفا مسائل دستوريه بالدرجة الاولى, فمن ثم غدا هذا الحكم باطلا. ولكن لشديد الاسف ان سبب البطلان يكمن فى انفعال القاضى وتجاهله لأى إجراء من الإجراءات الجنائيه والتى أولها حق الدفاع. وكيف يتم الدفاع والمتهمون لم يعلنوا ولم يكن ثمة محاوله حتى للاعلان؟
ومن المؤسف حقا أن مثل هذا الحكم يصدر بينما هناك مذبحة للعداله لم تجف دماؤها بعد. ولكن هل هو حرام على غيرى حلال على؟ هل العداله تطبق على غيرى وليس علىّ؟
مرة أخرى: "إذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس, فتذكر قدرة الله عليك".
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com